الجمعة، سبتمبر ٢٨، ٢٠٠٧

المهمة قد أنجزت فعلا




بوش .. لم يكذب



هل تذكرون يوم وقف بوش فوق البارجة الأمريكية، يهنئ قوات المارينز بانتصار أمريكا في حربها على العراق، و قد نصبت خلفه لا فتة كبيرة، مكتوب عليها " المهمّة قد أنجزت "، و هي عبارة أراد بها بوش أن يوحي للعالم أن مغامرته العسـكرية لغزو العراق قد انتهت بنجاح .. و لم يعرف وقتها أن محنة العراق كانت بالكاد قد بـدأت . المهم .. لقد سـخرنا جميعا من مشهد البارجة، لكن الأيام أثبتت أننا كنّا على خطأ، و أن بوش كان محقّا تماما، و أن مهمّته قد أنجزت .. كيف؟ .. سأقول لكم ..
لقد انشغلنا جميعا بتفنيد الشعارات الكاذبة التي كانت إدارة بوش ترفعها، الشعار تلو الشعار .. ما أن يسقط أحدها، حتّى تنتقل بكل شجاعة إلى الشعار التالي ..
كان شعار أسلحة الدمار الشامل، من أكثر الشعارات شيوعا . و راح بوش يعد الجميع بالكشف عن تلك الأسلحة، بعد غزو العراق و سقوط نظام صدام حسين . قال ذلك بأعلى صوت رغم جميع التقارير التي رفعتها اللجان المختصّة حول تلك الأسلحة، و التي أجمعت على عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق . بل لقد اضطّر كولن باول أن يقف في الأمم المتحدة، و يستعرض صور لوريات الدمار الشامل، رغم يقينه بزيف ما يقول .. و مرّت الشهور على رجال بوش ينقّبون تحت كل حجر عن أسلحة الدمار الشامل، دون أن يعثروا و لو على دليل ضعيف . و ماذا كانت النتيجة ؟ لم نر أي أسلحة .. لكننا رأينا فقط الكثير من الدمار الشامل


أكذوبة الديموقراطية


ثم يأتي الشعار الكاذب التالي الأقل إقناعا، شعار الغزو من أجل الديموقراطية ! . ضعف الشعار يأتي من أمرين، ممارسات إدارة بوش غير الديموقراطية داخل الولايات المتحدة، و التي عبّر عنها الشعب الأمريكي بكل قوّة عندما خرج بمئات الآلاف في معظم الولايات، لينادي برفضه لغزو العراق . و من ناحية أخرى الممارسات التاريخية للإدارات الأمريكية المتعاقبة ( و بخاصة الجمهورية منها )، و ميلها في تعاملها مع الدول، إلى ذات النظم الشمولية التي تضمن لأمريكا جني مكاسبها بلا تلكّؤ،ثم العديد من الانقلابات على النظم الديموقراطية في العالم من أجل تنصيب نظام فاشيستي عميل

و نأتي أخيرا، للشعار الذي مازال بوش و نائبه يتمسّكان به، في عناد أشبه بعناد التيوس، رغم فشل اللجنة المختصّة بالكونجرس في إثبات أي صلة بين صدام حسين، و أحداث 11سبتمبر، أو القاعدة ، فهذا هو الشعار الوحـيد العائم الذي يمكن أن يظلّ معلّقا، إلى حين العثور على شـعار كاذب جديد مبتكر
لقد صرفت هذه الشعارات انتباهنا عن الأهداف الحقيقية لإدارة بوش، تلك الأهداف التي لو تأمّلناها لقلناأن بوش قد نجح في مهمّته


التحالف الثلاثي الأعظم


يقول الكاتب كريس فلويد : لقد حقّق جورج دبليو بوش ـ بالتحديد ـ ما خرج ليفعله بعدوانه : إقامة حكومة عميلة بالعراق، يرأسها رجل قوي، يستطيع تحقيق الهدف الاستراتيجي لإدارة بوش، و هو إقامة ( موضع قدم ) عسـكري دائم في دولة البترول الهامة هذه، و في نفس الوقت ضمان تحقيق الهدف قصيرالمدى، الخاص بفتح الدولة لاستغلال أصدقائه، و للمصالح الخارجية المستحبّة .. كل هذا قد تحقّق الآن، بل و كان مدعوما بخاتم الموافقة من مجلس الأمن في الأمم المتحدة

و يضيف فلويد قائلا أن فهم ما يفعله بوش، يحتاج منّا أن نفهم شيئا أساسيا عن عائلة بوش، و هو أنّها تمثل تحالف ثلاث مجموعات قوى عظمى متأصّلة من الصفـوة الأمريكية هي قوى : البتــرول، و الســـلاح، و

الاستثمارات . هذه المجموعات تضع مصالحها الخاصة، و ما تحققه من ثراء و مزايا، في كفّة تضاهي كفّة مصالح الولايات المتحدة، و العالم ككلّ . و هم يسعون إلى تلك المصالح بكلّ سلاح تحت أيديهم، بما في ذلك الحرب، و التعذيب، و الخديعة، و الفساد . ثم يقول " الديموقراطية لا تعني لديهم شيئا، و لا حتّى في داخل بلدهم كما شاهدنا سنة 2000 . فالقوانين، وظيفتها أن تبقي القطيع العام في الصف الخاص به، باعتبار أنه لا ينتسب إلى الصفوة، الأمر الذي صرّح به المحامون التابعين لبوش في مذكّراتهم صراحة، أنه يمارس ( سلطته الشرعية ) في ( تجنيب القانون )، و أن يأمر بأي جريمة باسم: الحرب على الإرهاب

و لتثبيت هذا الوجود المسيطر لأمريكا في العراق، و ضمان دوامه، كان الأمر يحتاج إلى · حكومة عميلة قوية .. و هو ما يسعى إليه بوش، حتّى قبل أن يبدأ الغزو . و لدى الإدارة الأمريكية العديد من الأسماء . عرفنا منها أحمد جلبي الذي اختفى من الصورة مؤقتا بعد أن راهن على البنتاجون، فخسر البيت الأبيض و المخابرات .. و لديه الآن إياد عللاوي الذي يلعب بحرص شديد في انتظار الفرصة المواتية .. ثم كان أخيرا الاعتماد على الدمية الحالية نور المالكي ..و لو أن هذا الهدف لم يتحقق بنفس النجاح الذي حققه في أفغانستان اختيار العميل قرضاي .. لقد ثبت أن الوضع في العراق يختلف كثيرا عن أفغانستان، و في أكثر من ناحية · ثم قواعد عسكرية آمنة: و قد انتهى الجيش الأمريكي من تجهيز 14 قاعدة عسكرية أمريكية قوية، لتكون بمثابة نقط ارتكاز دائمة للولايات المتحدة في العراق و المنطقة · سفارة قوية: تكون بمثابة البيت الأبيض الأمريكي في العراق . و قد تحقق ذلك منذ أن كان نيجروبونتي سفيرا لأمريكا في العراق، فأقامت الولايات المتحدة اضخم و أوسع سفارة أمريكية في بغداد، تعجّ بالخبراء و العملاء

* * *

علينا أن نعترف بنجاح بوش في تحقيق أهداف نخبة النفط و السلاح و الاستثمارات الأمريكية من غزو العراق .. حتّى لو تحكّمت حكومة العراق الجديدة في صناعة البترول، فهناك البلايين التي توفّرها الخدمات و التكرير و التوزيع و أمن الآبار . و الجيش العراقي الجديد، سيحتاج السلاح و المعدات، التي ستشترى من صناع السلاح الأمريكيين .. و كما في حالة السعودية، سيجري ضخ ما لا يحصى من البلايين إلى بنوك أمريكا و مؤسسات الاستثمار بها


بعد هذا، ألا يحقّ لبوش أن يقول " المهمّة قد أنجزت " ؟

الخميس، سبتمبر ٢٧، ٢٠٠٧

اعرافات قنّاص اقتصادي أمريكي



البنك الدولي .. فضيحة


يقول جيفري ساتشس، الكاتب و مدير معهد الأرض بجامعة كولومبيا، و مؤلّف كتاب (نهاية الفقر )، تحت عنوان " حان الوقت لتحرير البنك الدولي "، أنّ الديموقراطية تبدأ من الداخل، فإذا أردنا للبنك الدولي أن يكون قوّة مؤثرّة في تطوير الحكومات الجيدة بالدول النامية، يجب أن تتجاوز حكومته سياسات الحجرات الخلفية
و هو ينكر على الولايات المتحدة استئثارها بتحديد رئاسة البنك، لعدّة أسباب
أولها: أن الولايات المتحدة لها نسبة 16% فقط من أصوات البنك، في الوقت الذي تلعب فيه الدول الأخرى دورا أكبر في عملياته . و هي ـ من وراء الستار ـ تضغط للحد من ميزانية البنك المخصصة للدول الفقيرة، و تسعى إلى فرض بعض الإعفاءات من قروض البنك، ممّا يضعف مالية البنك .. الولايات المتحدة تطالب بإدارة البنك، و لكن دون أن تخسر مالا
ثانيها : تأخذ الولايات المتحدة موقفا نائيا عن الإجماع الدولي بالنسبة للتنمية الاقتصادية، و الأهداف المشتركة للحد من الفقر و المرض و الجوع .. لقد وقّعت على أوراق البنك، لكنّها رفضت تحقيق أهدافه . زاعمة أن الاتفاق كان حول التجارة و القطاع الخاص، و ليس حول تقديم المساعدات .. و هذه مغالطة .
ثالثها : لقد تقدّمت الولايات المتحدة بترشيح غير مناسب لوضع البنك الدولي، ألا وهو بول وولفويتز . فبالإضافة إلى كلّ ما يمكن أن يقال عن السيد وولفويتز، فمن غير المعروف مواقفه من الأمور الأساسية للتنمية العالمية . فهو قد أمضي حياته العملية يعمل في الشئون العسكرية و الدبلوماسية، و ليس في مسائل التنمية و التمويل في الجارديان، كتبت نورينا هيرتز، أستاذة الاقتصاد السياسي العالمي في جامعة أوتريشت، تعترض على ترشيح وولفويتز و تقول : بديهي أن اختطاف الولايات المتحدة للبنك الدولي، يستهدف خدمة مصالح سياستها الخارجية .. و استغلال معونات البنك في تحقيق أهدافها السياسية الجغرافية

اعترافات قنّاص اقتصادي أمريكي

تأكيدا لوجهات النظر السابقة، في سوء اختيار بوش لشخص مثل وولفويتز لرئاسة البنك الدولي .. و الأهم من ذلك، الطريقة التي تستغلّ بها الحكومة مؤسسة البنك الدولي كأداة لتحقيق مطامعها و سياساتها

ثلاث خطوات تعتمد عليها أمريكا في فرض نفوذها على العالم، و بناء الإمبراطورية الأمريكية، منذ منتصف القرن الماضي
الطليعة التي تتكوّن من جيش القناصة الاقتصاديين، و عندما يفشل القناصة يأتي دور أبناء آوى التابعين لأجهزة المخابرات، و تكون الخطوة الثالثة و الأخيرة عند عدم تحقّق الهدف المنشود هي الغزو العسكري هذا هو بعض ما يعترف به القنّاص الاقتصادي القديم "جون بيركينز، في الحديث الذي أجرته معه آمي جودمان، في إذاعة " الديموقراطية الآن
كان التساؤل الأول، حول معنى الاصطلاح الغريب، اصطلاح " القنّاص الاقتصادي " . قال بيركينز أن القنّاص الاقتصادي يقوم بما هو مدرّب عليه، و وظيفتنا هي المساهمة في بناء الإمبراطـورية الأمريكية .. و أن نجلب لمؤسساتنا و لحكومتنا ما نستطيع أن نوفّره، و أن نخلق الأوضاع التي تحقق أكبر قدر من الموارد لخزينة البلاد .. و الحق أننا كنّا نحقق نجاحا كبيرا في هذا المجال .. لقد ساهمنا في بناء أكبر إمبراطورية في تاريخ العالم، من خلال التلاعب الاقتصادي، و الغش، و التزوير، و من خلال إغواء الناس من خلال التلويح لهم بطريقتنا في الحياة
و يحكي جون بيركينز قصة دخوله إلى ذلك العالم الغريب، فيقول أنه قد تم تجنيده في أواخر الستينيات، عندما كان يدرس في مدرسة الأعمال، على يد " وكالة الأمن القومي "، و التي يصفها بأنّها أكبر منظمات الجاسوسية في البلاد، و أكثرها غموضا . لكنه كان يعمل ـ في نفس الوقت ـ بشكل علني و رسمي مع إحدى شركات القطاع الخاص . و سنعرف أن السر في هذا هو إبعاد الإدارة الأمريكية عن مسئولية عواقب العمليات الفاشلة أمام الرأي العام العالمي، و الداخلي أيضا
و هنا، يجدر بنا أن نتوقّف قليلا ـ و نحن نرفع جانبا من ستار التخفّي السميك ـ لنرى طبيعة النظام الأمريكي، و المخطط الاستغلالي الذي يختفي وراء جميع الشعارات العظيمة التي يكثر الرئيس بوش ترديدها هذه الأيام .. لنرى المصدر الحقيقي للغنى الفاحش الذي يتيح لأمريكا كل ما تطمع فيه من أدوات السيطرة على شعوب العالم، بالقول أو المال أو السلاح
و نعود إلى حديث جون بيركينز
اول قنّاص اقتصادي أمريكي كبير ظهر في بداية الخمسينيات، هو كيرميت روزفلت الذي نجح في الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة ديموقراطـيا و الذي ظهر على غلاف مجلة "تايم" باعتباره رجل العام
، و يستطرد بيركينز قائلا " لقد نجح في فعل ذلك دون إراقة دماء .. و الحقيقيةأنه كانت هناك بعض الدماء المراقة، و لكن دون تدخّل عسكري .. فقط إنفاق عدة ملايين من الدولارات، لاستبدال مصدّق بالشاه .. أدركنا وقتها أهمية فكرة القنّاص الاقتصادي . لم يعد علينا أن نقلق للتهديد بحرب مع روسيا، إذا كنا نقوم بعملنا بهذه الطريقة .. كانت المشكلة هي كون كيرميت روزفلت عميلا للمخابرات المركزية الأمريكية، أي موظّف في الحكومة.. فإذا انكشف نشاطه في تلك النقطة، كنّا سنواجه الكثير من المتاعب " . و من هنا، كان قرار المخابرات المركزية، أو وكالة الأمن القومي، أن تجنّد العملاء الذين يصلحون كقنّاصين اقتصاديين، ثم ترسلهم للعمل لشركات استشارية خاصة، أو مؤسسات هندسية، أو شركات مقاولات، لكي لا تكون هناك عواقب تضر بالحكومة، في حالة اكتشافهم

قروض لا يمكن سدادها

ثم يقول بيركينز أن بداية عمله (كقنّاص )، كانت مع شركة تشاس مين في بوسطن . كان عدد العاملين يصل إلى ألفي موظف، و عمل هو كرئيس الاقتصاديين، مع 50 موظفا يعملون تحت قيادته . ثم يقول " لكن وظيفتي الحقيقية كانت عقد الصفقات .. كانت إقراض بعض الدول قروضا هائلة، أكبر من أن يستطيعوا سدادها . من بين تلك القروض، مثلا بليون دولار لدولة مثل إندونيسيا أو إكوادور، و كان على تلك الدولة أن تعيد 90% من ذلك القرض إلى شركة أو شركات أمريكية، مثل هاليبورتن أو بيكتيل، لإنشاء بنية تحتية.."، و يقول بيركينز أن تلك المشروعات لم تكن تفيد غير قلة من العائلات الأكثر ثراء في تلك البلاد .. دولة مثل إكوادور تدفع أكثر من نصف دخلها القومي لتغطية الدين . و عندما تفشل الدولة في تدبير المال اللازم، و نكون في حاجة إلى المزيد من البترول، يتقدّم القنّاص ليقول للمسئولين في إكوادور " انظروا ..أنتم غير قادرين على دفع الدين.. بيعوا لشركاتنا غابات الأمازون الممطرة، المليئة بالبترول "، و النتيجة هي أن تصبح تلك الدول عبدة للإمبراطورية الأمريكية
ضمير القنّاص .. مرن
منذ سنوات، أعلن بيركينز، أنه يعد كتابا بعنوان " ضمير قنّاص اقتصادي " في تسعينيات القرن الماضي، فأسرعت إحدى شركات المقاولات الكبرى، و ساومته عارضة نصف مليون دولار، مقابل عدم نشر الكتاب، و في هذا يقول " لم تكن رشوة، لقد تقاضيت المبلغ كمستشار للشركة، و هذا شيء قانوني، لكنّي لم أفعل شيئا لتلك الشركة ّ " . و عندما أبدت آمي جودمان اندهاشها، قال " عندما عينتني وكالة الأمن القومي، وضعوني في جهاز كشف الكذب ليوم كامل .. و اكتشفوا جميع نقط ضعفي، و استخدموا معي أقوى عقاقير حضارتنا : الجنس، والنفوذ، و المال
مأساة برجي التجارة كانت نتيجة

و يحكي بيركينز.. لقد شعرت بالذنب طوال الوقت، لكنّي كنت ما زلت واقعا تحت تأثير الإغراءات التي يقدمها ذلك النظام .. كنت رئيس الاقتصاديين، أقوم بالأعمال التي يعجب بها روبرت ماكنمارا
و عندما سألته آمي عمّا إذا كان قد عمل مع البنك الدولي، أجاب : بشكل لصيق جدا جدا .. فالبنك الدولي يوفّر معظم الأموال التي يستخدمها القنّاصة الاقتصاديون، هو و صندوق النقد الدولي . لكن عندما وقعت ضربة 11 سبتمبر، أصابني انقلاب داخلي . و أيقنت بضرورة البوح بالقصة، لأن واقعة 11 سبتمبر هي النتيجة المباشرة لما يفعله القنّاصون الاقتصاديون . و الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تشعرنا بالأمان في هذه الدولة، و نحسّ بالرضا عن أنفسنا، هو أن نستخدم هذه النظم التي أوجدناها من أجل خلق تغيرات إيجابية في أنحاء العالم .. و أعتقد صادقا أن بإمكاننا أن نفعل ذلك ..و أعتقد أن البنك الدولي و المؤسسات الأخرى يمكن أن تعدّل مسارها، و تفعل ما قامت أصلا لتفعله .. و هو مساعدة البلاد المطحونة في أنحاء العالم كي تعيد بناء ذاتها
..و إلى الرسالة القادمة


الأربعاء، سبتمبر ٢٦، ٢٠٠٧

المتآمر الأوّل على شعوب العالم


أصابع ديك تشيني


في كلّ ما يفعله بوش، لا يتجاوز المخطط الذي رسمه له ديك تشيني، و أفراد عصابته .. و التجاوزات المأخوذة عليه مرجعها إلى تركيبته النفسية الخاصّة التي سنأتي على ذكرها فيما يلي من حديث، فهي المسئولة عن تناقضاته و تصرفاته المعيبة، التي يسارع رجال الرئاسة بالتغطية عليها، و صرف الأنظار عنها
لقد استطاع ديك تشيني أن يزرع أفراد عصابة الرجعيين الجدد في أكثر المواقع حساسية في الإدارة الأمريكية
رامسفيلد في البنتاجون .. و كوندليزا رايس في وزارة الخارجية في مكان كولن باول، الخارج عن طاعة هذه العصابة .. نيجروبونتي سفاح هندوراس و مهندس جماعات القتل هناك، نجح في زرع ثمار الفتنة في العراق، عندما عمل سـفيرا لأمريكا في بغداد، و قبل أن توكل إليه أعلى سلطة استخبارات، في البلاد، بعد أن أثبتت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنها لم تصل إلى المستوى المطلوب في تلفيق التهم الكاذبة لصدام حسين، و هذا قبل الحاقه بالخارجية .. ثم، اختيار المحامي الخاص لبوش ألبرتو جونزاليز للعمل كنائب عام أمريكي، رغم تاريخه الذي يقول بقبوله استخدام و تبرير التعذيب في سبيل تحقيق الأهداف المريبة التي تسعى إليها العصابة الحاكمة، دون مشاكل كالتي ثارت بسبب سجن أبو غريب في العراق، أو معتقل جوانتانامو في كوبا.. إلى أن ثار نواب المجالس النيابية عليه، و جرى فصله، رغم أنف بوش
غير أن محاولات الاستيلاء على مقادير الشعب الأمريكي لم تقف عند هذا الحد، فانتقلت أحلام و مطامع ديك تشيني إلى المستوى العالمي . و كما قالت جريدة ذا نيويورك تيمز " و كما كان اختيار جون بولتون كسفير للأمم المتحدة، جاء اختيار وولفويتز كصفعة للمجتمع العالمي
كذلك كتب أندرو جامبل " بالضبط بعد ثمانية أيام من تسمية جون بولتون، أكثر موظفي الخارجية الأمريكية عداوة للأمم المتحدة، كسفير لديها .. فإن اختيار الرئيس لوولفويتز كرئيس للبنك الدولي ستثير بالتأكيد ضجّة في الأوساط الدبلوماسية، و بين المختصين بالتنمية، الذين يعتقدون أن السيد وولفويتز الذي يعمل حاليا كنائب لوزير الدفاع، لا يصلح لهذه الوظيفة..إلى أن اضطر بوش إلى عزله
صفعة .. أم اختيار ؟

هذه الاختيارات الغريبة، التي يرتكبها تشيني، و ينطق بها ( المبروك ) بوش، لا تأتي عن طريق الخطأ أو سوء التقدير، لكنها مقصودة كصفعة لشعوب العالم .. و رسالة من جماعة المحافظين الجدد إلى الحكومات الصديقة قبل العدوّة، تقول : نحن نفعل ما نشاء، و ما نعتقد أنه في جانب خطتنا لبناء الإمبراطورية الأمريكية، و على المتضرر اللجوء إلى الله .. و للعلم، بينكم و بين هذا بوش مبعوث العناية الإلهية . و في أوروبا، أثار هذا الاختيار الصفعة استياء عاما .. بيتر هاردستاف، رئيس السياسات في حركة تنمية العالم التي تعمل من لندن، و التي تهتم بالتنمية في العالم الثالث: هذا حقيقة اختيار مرعب .. لدينا هنا رجل له سجل في السير وفق التدخل العسكري الأمريكي، و مراعاة المصالح الأمريكية . إنها صدمة أن يتم اختيار مثل هذا الشخص لهذه الوظيفة و من ناحية أخرى، تقول بربارة أونميوزيج، من مؤسسة هنريش – بويل، و هي مركز فكري متحالف مع حزب الخضر بألمانيا " اختيار وولفويتز ـ في رأيي ـ قرار تخريبي .. فهو لم يظهر يوما أي اهتمام بالعالم الثالث، و هو لا يتمتع بقبول للرؤى المتعددة، ممّا هو ضروري في قيادة البنك الدولي

ازدراء بوش لشعوب العالم
و يحذّر ليستر هاينز من أن الاهتمام الأساسي لوولفويتز سيكون استخدام البنك الدولي كمطية لإشاعة الديموقراطية الإفنجيلية على الطراز الأمريكي، تسندها العصا الغليظة .. و هو يشير إلى ما قاله كبير اقتصاديي البنك الدولي السابق، جوزيف استيجليتس " عندما نختيار القائد المناسب في الحرب على الفقر، فهذا لا يضمن لنا نجاحه في مهمته .. لكن اختيار القائد الخـطأ، سيساعد بالتأكيد على زيـادة احتمالات
الفشل في المهمة
و عن وولفويتز يقول بيتر جرانت في سولت ليك تريبيون " اختيار بول وولفويتز يمثّل أحدث ازدراء من جانب بوش لشعوب العالم . و هو باعتباره المهندس الرئيسي لحرب العراق، قاد انعدام قدرته إلى موت عشرات الآلاف من البشر، أكثر من 1500 منهم من الأمريكيين ( رقم ذلك الوقت ) . و الأكثر من هذا، أن فشله في التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، وضعت العراق مع هاييتي و السنغال في مستوى أفقر الاقتصاديات في العالم .. إن التكلفة المالية الخرافية لمغامراته الفاشلة، أصبحت معروفة، بمثل معرفة الجميع بدعاواه حول ضرورة تحمّل العراق لتمويل عمليات إعادة البناء .." ، و يختم بقوله ساخرا من وولفويتز " مثل هذا الرجل يستحق أن يوضع في كومة نفايات التاريخ
لقد فصل وولفويتز من البنك الدولي بفضيحة نسائية، و ليس بسبب الفضيحة الكبرى التي يعتبر البنك الدولي نفسه بؤرتها
و في الرسالة التالية نرى أبعاد المؤامرة الأمريكية الكبرى، التي نعرفها باسم : البنك الدولي

الاثنين، سبتمبر ٢٤، ٢٠٠٧

الإعلام الأمريكي العميل

شيكات بوش، و الإعلام الأمريكي العميل


عندما تقرأ التقارير و الدراسات التي يجري ( طهيها ) في أروقة مؤسسة راند، التابعة للجيش الأمريكي، و التي تتحدّث عن الإعلام في دول الشرق الأوسط، أو عن أوضاع الإعـلام المصري الحكومي (أو القومي كما نسمّيه) و كيف تحوّل أقطاب ذلك الإعلام إلى أصحاب ملايين، بفضل خضوعهم الكامل لمطالب السلطات في مصر .. عندما نقرأ ذلك، نتصوّر الإعلام الأمريكي في صورة أكمل و أكثر شفافية، لكن ما تقوله الكاتبة مورين داود، في " نيويورك تايمز "، يفيد عكس ذلك .
تقول مورين " ممّا يثير الانتباه، أن نرى الرئيس بوش يحاضر فلاديمير بوتن حول أهمية إجراء المراجعات و الموازنات في المجتمع الديموقراطي كمراجعات ( هنا تستخدم الكاتبة المعنى المزدوج لكلمة تشيكس، كمراجعات و شيكات مصرفية )، و هي صفاقة ملحوظة، باعتبار أن ( الشيكات ) التي يبدو أن السيد بوش يؤمن بها، هي تلك التي تكتب للصحفيين ( و تورد أسماء مجموعة من الإعلاميين في الصحافة و التلفزيون )، للمساعدة في مساندة سياساته .. لقد أعطت الإدارة معنى جديد تماما لصحافة دفتر الشيكات، برصدها 97 بليون دولار لمؤسسات علاقات عامّة، لكي تشتري بها كتّاب أعمدة، و لتنتج بها البرامج، بما في ذلك شرائط إخبارية مزيّفة

و تستطرد قائلة أن السيد بوش يناشد العالم الخارجي نشر الديموقراطية، بينما يكافح مسئوليه لإقامة قرية إعلام كاذب في الوطن . و تقول " دبليو ( و تعني بوش ) الذي نظر يوما إلى روح السيد بوتن .. و أسعده ما رأى، لا يطالب بإنهاء الظلم، و الذي ردده في خطاب ولايته الثانية، لم يصل إلى مستوى بطله رونالد ريجان الذي قال : سيد جورباتشوف، اهدم ذلك الجدار ! . بدلا من ذلك يتكلّم عن : إن الأرض المشتركة أكثر بكثير من التي لا نتّفق فيها .. و كان الروس سعداء بالتأكيد على الأرض المشتركة، لقد قارن بوتن النظام الروسي بالنظام الانتخابي الأمريكي، مذكّرا الذي ينصحه بالديموقراطية و التي جاءت في المكان الثاني عام 2000، وفقا لنظام الصوت الشعبي .." .
و هي تقول أن بوتن، الحاكم الأتوقراطي، و العميل السابق للكي جي بي، يحتاج لمن يحدثه عن تراجع الخطى عن المسار الديموقراطي السابق لحكمه، لكن يصعب قول هذا، لأن " السيد بوش يقف على أرض مهتزّة إذا حاول أن يعرض إدارته كنموذج لحماية الحرّية، باعتبار أن هذه الإدارة قد اعتدت على الحريات الشخصية باسم الحرب على الإرهاب

قبيلةاستولت على أمريكا

أمّا الكتاب الذي نستعرض بعض جوانبه فيما يلي من حديث، فهو من تأليف واحد من أشجع و أشهر المراسلين الصحفيين، هو سيمور هيرش، الحائز على جائزة بوليتزر نتيجة لكشفه قصة مذبحة ماي لاي في الحرب الفيتنامية، و الذي حاز أخيرا جائزة جورج بولك للمرة الخامسة، بعد كشفه قصص فظائع سجن أبو غريب في العراق . و الكتاب يضم مادة منقّحة للتحقيقات و التقارير التي نشرها في جريدة " ذا نيو يوركر "، معلّقا على السياسة الخارجية لإدارة بوش، و منتقدا لها
في لقاء صحفي أخير، قال هيرش أن الولايات المتحدة " قد جرى الاسـتيلاء عليها بواسطة طائفة، أو أصحاب عقيدة خاصّة (كلت) .. هي قبيلة الأيديولوجيين، المحافظين الجدد، التي أوكل البيت الأبيض إليها أمر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، و الشئون العسكرية، و أجهزة الاستخبارات . و تسلسل القيادات يرسم صورة مرعبة لإدارة مقتنعة بصواب ما تفعله، إلى حد رفضها أن ترى أي حقائق لا تتفق مع ما تعتقد فيه مسبقا .. كان من الضروري تحقيق الأهداف التي اختارها الرئيس بوش و نائبه تشيني و وزير دفاعه رامسفيلد، بأي وسيلة ممكنة .. و الويل لمن يسمحون لاعتراضاتهم الأخلاقية أو العملية أن تشكّل اعتراضا للطريق .. " .
عند طرحه للامتهان البشري المنظّم في سجن أبو غريب، يعتمد هيرش على مصدر داخلي، هو ماجور جنرال أنتونيو تاجوبا، ساردا قائمة طويلة من " الإساءات الإجرامية السادية الغليظة و الداعرة " في السجن، بعد التجاء الرئيس، و فريق أمنه القومي، إلى ماجور جنرال جوفري ميللر، طلبا للمساعدة في تطوير نتائج التحقيقات في العراق .
و كان ميللر قد ووجه من قبل بانتقادات عنيفة من جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمـر، باعتباره المسئول الأعلى عن عمليات الاعتقال، و التحقيقات المثيرة للجدل في سجن جوانتانامو . و قد قبل ليفتنانت جنرال ريكاردو شانتشيز، القائد الأعلى في العراق، توصيات ميللر التي تقول " تحويل سجون الجيش أولا و أخيرا إلى مراكز للتحقيقات "، و لأن تتولى المخابرات العسكرية، و ليس البوليس الحربي، أمر إدارة النظام في السجن .. و كانت النتيجة، أن أوكل للبوليس الحربي أن " يهيئ الظروف للتحقيقات "، ( والتي تعني بلغتنا الدارجة توضيب الزبون )، و كانت التحقيقات تتم بواسطة ضباط المخابرات العسكرية، و عملاء المخابرات المركزية الأمريكية، و مقاولون قطاع خاص لتولّي هذه المهمة .. و الهدف، كان دائما كسر مقاومة السجين، من خلال المعاملات الإكراهية، التي كانت تتضمن الضرب، و الحرمان من النوم، و الإذلال الجنسي

رامسفيلد .. و جنون القتل


يقول سيمور هيرش قي كتابه " الطريق من 11سبتمبر إلى أبو غريب " أن ما حدث في سجن أبوغريب، نبع من اعتماد الرئيس بوش و وزير دفاعه رامسفيلد على العمليات السرّية، و وحدات القوّات الخاصّة، في الحرب على الإرهاب . لقد كان التحوّل إلى هذه التكتيكات هو المشروع الأثير لدى رامسفيلد، ،حتّى قبل 11 سبتمبر .. " بالسعي إلى تغيير العسكرية الأمريكية إلى قوّة قتال أصغر و أسرع و أذكى و أكثر تطورا تكنولوجيا، تعتمد أساسا على الضربات الجوية المحددة، و هجمات الكوماندوز " .
يستطرد هيرش قائلا أن مثل هذه التكتيكات تحتاج استخبارات من نوع معين، و وفرة من تلك الاستخبارات . و عندما كان يستعصي الوصول إلى مثل هذه الاستخبارات، يبدأ ظهور معايير رامسفيلد العنيفة المتطرّفة، و التي تتضمّن تكوين وحدات استخبارات سرية للغاية، في البنتاجون، مع غطاء يسمح بقتل أو اعتقال الأهداف ذات القيمة الكبيرة . لقد كان رامسفيلد الذي أصرّ على استخدام جند أقل في غزو العراق، ممّا قاد إلى الاقتصار على 150 ألف جندي، بدلا من 450 ألف التي طالب بها مخططو البنتاجون قبل الغزو .. و الذين قال واحد منهم " لقد ظنّ أنه يعرف أكثر من الآخرين .. و كان صانع القرار في كلّ منعطف .."
و يقول هيرش أن عملاء المخابرات الذين قالوا بعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق جرى تجاهلهم، و الجنرالات الذين حذّروا أن الغزاة قد لا يقابلهم الشعب العراقي بالأزهار، أزيحوا جانبا .. و قال أحد عملاء المخابرات الأمريكية " لقد كانوا على درجة عالية من الاندفاع و الجنون، بحيث يصعب
إقناعهم بما هو منطقي "، ثم استطرد قائلا " .. و كانوا على درجة من التصلّب و الجمود، كما لو كانوا يمضون في مهمة إلهية . في ختام الكتاب يقول سيمور هيرش " كيف استطاع ثمانية أو تسعة من المحافظين الجدد، الذين يؤمنون أن حربا في العراق ستكون الرد على الإرهاب الدولي، أن يتغلّبوا على البيروقراطية، و أن يخضعوا الإعلام، و يضللوا الكونجرس، و يسيطروا على الجيش ؟ . هل أصبحت ديموقراطيتنا هشّة إلى هذا الحد ؟ .. على ضوء كل هذا، لا يبدو المستقبل في نظري لامعا


الولاية الثانية للرئيس بوش أسوأ

يرى الكثيرون أن الولاية الثانية لجورج دبليو بوش أفضل ـ أو ستمون أفضل ـ من ولايته الأولى، باعتبارها الولاية الأخيرة له . لكن حقيقة الأمر أنها ستكون أسوأ، لأنّها الفرصة الأخيرة لعصابة المحافظين الجدد، التي يتزعّمها ديك تشيني، في تثبيت أقدامها، و توريط الشعب الأمريكي في أوضاع يصعب التراجع عنها، تعتبر تطبيقا حرفيا لمؤامرة رجعية يرجع تاريخها لأيام ريجان، و تعتبر الهدف الأبعد لفئة كبار الأثرياء و المحتكرين، في مجال السلاح و البترول و المقاولات .. لقد نجح ديك تشيني في فرض معظم سياساته و رجاله على بوش، منذ بداية ولايته الأولى .. و نجح في إقناع بوش أنه مبعوث العناية الإلهية لشعوب العالم، و أن الشعوب لا تعرف مصلحتها، و عليها أن تمتنع عن إبداء تململها ممّا تقوم به الإدارة الأمريكية من غزو و احتلال و تقتيل، و تآمر و تأليب و اغتيال، فهذه هي التضحيات الضرورية التي ستحوّل البلاد إلى نعيم منشود

خطب و تصريحات بوش حافلة بأقواله التي تكشف عن الهوس الذي يستولي عليه، و الذي تغذّيه عصابة الرجعية الجديدة، من تشيني إلى رامسفيلد إلى كونداليزا إلى نيجروبونتي .. ففي كل خطوة مثيرة للجدل يخطوها بوش، تراه يقول بكل براءة و ابتسامة ساذجة ترتسم على وجهه " لقد أمرني الله أن أفعل كذا .. ففعلت .."، قالها بالنسبة لغزو أفغانستان، ثم كررها عند غزو العراق

و إلى الرسالة التالية، لنرى كيف لعبت أصابع ديك تشيني و عصابته

رأي عام أوروبي

من الذي يصدّق إدّعاءات بوش؟


من الذي يصدّق بوش ؟

" المصداقية مثل العذرية، لا يمكن فقدها أكثر من مرّة ! .. و من هنا، فالمشكلة مع إدارة بوش في تعاملها مع إيران هي أنها كانت مخطئة جدا بالنسبة لما قالته عن العراق .. لهذا، من الذي يستطيع أن يصدّقها الآن ؟ .."، هذا هو ما قاله الكاتب المحافظ تشارلي ريز.
لقد حاول بوش في جولاته الأوروبية أن يكسب دعم قادة أوروبا حول حملته لنشر الديموقراطية في خارج أمريكا، في الوقت الذي يبدى العديد من الناس في الدول الأوروبية تشككهم في إمكان أن يصبح هذا دور أمريكا في العالم .
و مع هذا، لم تجد نداءات بوش الصدى الذي كان يتوقّعه من الجماهير الأوروبية . و في هذا يقول مايكل ماندلباوم، الأستاذ المتخصص في الدراسات الأوربية، في مدرسة جونز هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة، أن جهود بوش كان لها تأثير ضعيف في مجال نشر الديموقراطية " و بعد حرب العراق، ثارت شكوك خاصة تجاه هذه الإدارة
و لكن .. ماذا كان موقف الجماهير في أوروبا، و بعض الدول الأخرى، التي شملتها عملية قياس الرأي العام، و التي نظمتها وكالة أسوسييتيد برس في ذلك الوقت ؟ .. شملت عملية قياس الرأي العام هذه ألف شخص بالغ، في تسع دول، هي أستراليا، وبريطانيا، و كندا، و فرنسا، و إيطاليا، و ألمانيا، و المكسيك، و أسبانيا، و أيضا الولايات المتحدة . و كان الموضوع المطروح من شقين : الرأي في خطط بوش لتشجيع الديموقراطية، ثم الموقف من المنتجات الأمريكية التي تباع في الدول موضوع القياس

رأي الإنسان الأوروبي

و فيما يلي تلخيص لنتائج قياس الرأي العام في الدول التسع
بريطانيـا : ثلثا البريطانيين لا يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تتولّى دور نشر الديموقراطية . و قالت الأغلبية ( 56% ) أنها لا تفضّل شراء السلع الأمريكية، إذا ما تساوت الجودة و الأسعار .
كنـدا : ثلاثة أرباع الكنديين لا يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب عليها أن تحاول نشر الديموقراطية و القضاء على الظلم . و أربعة أخماس الكنديين لا يفضلون شراء السلع الأمريكية، في محل السلع الأخرى المتوفرة، إذا ما تساوت الجودة و الأسعار .
فرنسـا : 84% من الشعب الفرنسي لا يوافقون على أن أمريكا مسئولة عن عملية تصدير الديموقراطية، و هذه أعلى نسبة معارضـة بين الدول الأوربية الخمس التي تم فيها قياس الرأي العام . و أربعة أخماس
الفرنسيين يقولون أنهم لا يفكرون في شراء السلع الأمريكية إذا تساوى السعر و الجودة .
ألمانـيا : بأغلبية عالية، يرفض الألمان دعوى السعي إلى نشر الديموقراطية التي تقول بها الإدارة الأمريكية. و أكثر من أربعة أخماس الألمان لا يفكّرون في شراء السلع الأمريكية، لو تساوت مع نظيراتها الألمانية في الجودة و السعر
إيطـاليا : 53% من الإيطاليين يقولون أنه ليس من مسئولية أمريكا نشر الديموقراطية في العالم، لكن معارضتهم لا تصل إلى مستوى معارضة الدول الأوروبية الأخرى . و أربعة أخماس الإيطاليين يرفضون فكرة أن السلع الأمريكية تكون أفضل من السلع النظيرة الإيطالية، و هم لا يفضلون شراء السلع الأمريكية، إذا تساوت الجودة و السعر
المكسـيك : ستة من كل عشرة مكسيكيين قالوا أنهم قد يفضّلون شراء السلع الأمريكية، إذا ما تساوت الجودة و الأسعار . و يبدو أن روابطهم الاقتصادية الوثيقة مع الولايات المتحدة تظل قائمة، و إن كانوا لا يوافقون على خطة الرئيس بوش لنشر الديموقراطية و إنهاء الظلم في أنحاء العالم .
كوريا الجنوبية : ثلثا الشعب الكوري الجنوبي لا يعتقدون أن من واجب الولايات المتحدة محاولة نشر الديموقراطية . و هم و إن كانوا لا يوافقون على أن الإنتاج الأمريكي أجود نوعا، لكنهم لا يوافقون أيضا على أن المنتجات الأمريكية " لا تساوي ما يدفع فيها من مال " . و يقول أربعة من كلّ عشرة كوريين جنوبيين أنهم يحبّون أن يعملوا في الشركات الأمريكية .
أسـبانيا : يرى ثلثا الأسبان أن الولايات المتحدة لا يجب أن تحاول نشر الديموقراطية، و إنهاء الظلم . و بينما قال نصف الأسبان، في قياس سابق للرأي العام أجرى في ديسمبر 2001، أنهم قد يشترون السلع الأمريكية إذا تساوت في الجودة و السعر مع السلع المحلية، انخفضت هذه النسبة إلى السدس في قياس الرأي الحالي . و لا يتفق الأسبان حول ما إذا كانت السلع الأمريكية تستحق ما يدفع فيها من مال

أزمة مصداقية و شفافية

لم يعد يخفى على أحد، أن الإدارة الأمريكية الحالية تعاني من أزمة مصداقية. و الرفض العام لزعم إدارة بوش أن هدفها هو نشر الديموقراطية ، يصطدم بغياب الشفافية في أهم القضايا المطروحة . من واقع قياس الرأي العام الذي طرحنا بعض نتائجه، يبدو واضحا أن عدم الموافقة على الجهود الديموقراطية المزعومة يرجع إلى عدم تصديق الشعار، و التأكد من أن الأهداف الحقيقية ليس لها أدنى علاقة بالديموقراطية ..
بالمناسبة : الديموقراطية الحقيقية، التي نتمنّى جميعا أن تسود البلاد العربية و الإسلامية، لو تحققت فعلا، لفقدت الولايات المتحدة معظم مصالحها في المنطقة
ثم ما يقوله و يكرّره روبيرت فيسك في جريدة الإنديبندنت البريطانية " و كما حدث قبل الحرب، عندما حذرتنا حكوماتنا من مخاطر و تهديدات لا وجود لها، تحاول اليوم أن تخفي عنّا التهديدات القائمة فعلا . لقد وقع معظم العراق خارج تحكّم الحكومة العميلة في بغداد، لكننا لا نسمع منهم عن ذلك . مئات الهجمات تشن على قوات الولايات المتحدة كل شهر . و لكن ما لم يمت أحد الأمريكيين، لا نسمع بها
أمّا مايكل ليند، في فاينانشيال تايمز فيقول " صرّح جورج دبليو بوش ( اليوم .. تتحدّث أمريكا مجددا إلى شعوب العالم ..) . و لكن شعوب العالم، على أي حال، لا يبدو عليها أنها تسمعه . هناك نظام عالمي جديد يتشكّل "بالتأكيد .لكن تصميماته تجري هندستها في آسيا و أوروبا، في اجتماعات لم تجر دعوة الأمريكيين إليها
و إلى الرسالة القادمة لنتعرّف على العلاقة بين شيكات بوش، وعمليات التزوير الكبرى التي يقوم بها الإعلام الأمريكي العميل