الثلاثاء، يناير ٢٢، ٢٠٠٨

تفكير أمريكا في تغيير النظم العربية



تغيير القيادة في مصر
قوّة النظام المصري في ضعفه

بعد سوريا، ينتقل الكتاب ( التقرير ) الصادر عن "راند" مؤسسة ابنتاجون الأمريكي تحت اسم " مستقبل بيئة الأمن في الشق لأوسط "، ينتقل بعد سوريا إلى الحديث عن ظروف تغيير القيادة في مصر .. يقول دانييل بايمان، مؤلّف الكتاب مع نورا بن سهيل
" الرئيس المصري مبارك، لا يحكم بنفس درجة التحكّم، كما هو الحال في السعودية و سوريا.. و لكن هذا الحكم الأقل إحكاما، هو مصدر قوّة النظام المصري، و ليس ضعفه : إنّه يفيد أن النظام جيد التحصّن، يمضي متجاوزا الفرد الوحيد، أو العائلة الواحدة، أو مجموعة محددة من الشعب . و مع ذلك فالنظام المصري، شأنه شأن جميع تلك التي في الدول العربية، يعتمد على مزيج من التراضي و القسـر، لفرض حكمه .. الشعب المصري، و بخاصة العناصر التي تعارض النظام الحالي، يجري تجاهلها أو كبتها . و لمّا كان للشعب و المعارضة أهداف مختلفة بشدّة، عن التي يأخذ بها النظام الحالي في القاهرة، فتغيير النظام يمكن أن ينتج عنه تحولات عميقة في السياسة المصرية الداخلية و الخارجية .."
و يستطرد الكاتب قائلا أن رؤى حسني مبارك تبدو أقرب إلى النمط العادي للنخبة المصرية، منه إلى قادة مصر الذين سبقوه . و هو في كثير من الجوانب يتطابق مع رؤى القيادات الأمنية و العسكرية . فهو يفتقد " الكاريزما " التي تمتع بها ناصر، و الديناميكية التي عرف بها السادات . و يضيف، أن مبارك جامد و محافظ و يمكن التنبؤ بردود فعله . الاستقرار الداخلي هو شاغله الأول . لذلك تراه قد تجنّب الأخطاء الكبيرة خلال سنوات حكمه الطويلة
من يخلف مبارك؟
وليس هناك خلف واضح لمبارك ( و يبدو أن هذا الفصل قد كتب عام 2004 قبل ظهور قصة جمال مبارك)، لكن خلفه المباشر يغلب أن تكون له خلفية عسكرية أو أمنية . و مبارك لم يعين نائب للرئيس، غالبا ليتجنّب قيام أي منافس بالتحوّل إلى مركز قوّة . و منذ عام 1952، جاء قادة مصر من العسكر . و الأسماء المحتملة تدور حول عمر سليمان شخصية عريقة في المخابرات المصرية، أو قائد السلاح الجوي أحمد شريف، أو مجدي حتاتة القائد الأعلى بالقوات المسلحة، أو أسامة الباز المستشار السياسي لمبارك . و فيما عدا أسامة الباز، فالأسماء الأخرى ليس لها سوى خبرة محدودة بالسياسة الخارجية . هذه الدائرة الضيقة نسبيا من القيادات العسكرية و الأمنية حاولت التعاون مع عدد من المسئولين العسكريين و الحكوميين، بالإضافة إلى كبار رجال الأعمال، ، بينما بقي الشعب المصري بعيدا عن عملية اتخاذ القرار

40 بليون دولار أمريكي

و النخبة المصرية تشترك في هدف لا يتغيّر : ضمان استمرار قبضتها على السلطة . إنها تستمتع بوضع اقتصادي متميّز، و تؤمن أن النظام الحالي هو ملاذهم من مواجهة الأصولية الدينية . و على كل حال، تتمتع القيادات المصرية بمجال حركة واسع : لقد أوضح عبد الناصر و السادات أن القادة المصريين لهم مساحة واسعة للتصرّف، حتّى في الموضوعات المحورية مثل الإصلاح الاقتصادي، أو العلاقات مع إسرائيل . و في جميع الأحوال تبدي النخبة الأمنية و العسكرية حساسية عندما تقود الإصلاحات الاقتصادية أو السياسة الخارجية إلى تغيّرات قد تتسبب في قلاقل داخلية .
و العديد من أفراد النخبة المصرية يقرون بأهمية العلاقات الأمريكية المصرية . فمنذ توقيع معاهدة كامب دافيد في عام 1979، قدّمت الولايات المتحدة ما يصل إلى 40 بليون دولار، على شكل مساعدات عسكرية و اقتصادية . و جانب من الصفوة المصرية يؤمن بأن هذه المعونة ساعدت الاقتصاد الراكد على الاستعفاء، بعد حرب الخليج
هذا بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة ينظر إليها باعتبارها قوّة توازن بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي . بعض النخب الاقتصادية ترى أن السلام و العلاقات مع الولايات المتحدة، أمران ضروريان إذا أريد لمصر أن تزدهر . و يقال أن جانبا كبيرا من الصفوة ينتقدون العلاقات بين أمريكا و مصر . خاصّة عندما تصل مفاوضات السلام في الشرق الوسط إلى طريق مسدود، رغم علمهم أن هذه العلاقات توفّر لمصر نطاقا واسعا من المنافع

الثوابت الجغرافية ـ السياسية

كل من يحكم مصر يكون عليه أن يدخل في الاعتبار الخصائص المتميّزة للبلاد، و أوضاعها الجغرافية ـ السياسية . و هذا يتضمّن عدّ خصائص من بينها التالي

توقعات الريادة

اعتبر المصريون أنفسهم دائما الدولة العربية الرائدة . و هو مفهوم يفرضه تعداد سكانها الكبير، و تاريخها الذي يستحق الفخر . و يتوقّع كل من الشعب المصري و صفوته من قيادتهم أن تلعب دورا نشطا في الموضوعات العربية و الإقليمية
بين الضعف و القوّة العسكرية

مصر قوية عسكريا، على الورق . إنها تمتلك كميات هائلة من العتاد المتطوّر . و إذا كانت هناك حاجة إلى إرسال قوات " عربية " إلى الخليج لتساعد مجلس التعاون الخليجي، فالقاهرة تعتبر الخيار المنطقي لقيادة تلك القوات . و يقال أن العسكرية المصرية لم تعد تشكّل تحديا لإسرائيل : لأن تدريبها ضعيف، و لا تستخدم أحدث التكنولوجيات، و هي غير قادرة على القيام بعمليات عسكرية مشتركة . و إذا ما وصلت العلاقات المصرية الإسرائيلية إلى حد الانهيار الكامل، فإن الخيار العسكري التقليدي لن يكون مطروحا

علاقة الشعب المصري بأمريكا

و بشكل عام، فإن مصر خارج الدائرة الحاكمة لا تسعى إلى علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة . فوسائل الإعلام المصرية، بما في ذلك الأجهزة المحسوبة في جانب الحكومة، غالبا ما تكون حادّة النقد لسياسات الولايات، و مهاجمة اللوبي الصهيوني في واشنطن . و مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل تلقى انتقادا دائما، لاعتقاد المصريين أن واشنطون تستطيع أن تستخلص تنازلات من إسرائيل . و مع استمرار الانتفاضة الثانية، تصاعد ذلك الانتقاد . و بشكل عام، تعتبر الولايات المتحدة منحازة لإسرائيل، ضد العرب . كما أن انتفاضة الأقصى، و الحرب ضد العراق، قد أضاف المزيد من سلبية صورة الولايات المتحدة

البديل الإسلامي

الإسلاميون يمثّلون أكثر مصادر المعارضة للنظام الحالي تنظيما . و هناك عدة اتجاهات داخل الحركة الإسلامية العريضة، تتراوح بين الجماعة الإسلامية الأصولية، و بين تنظيمات تيارات رئيسية أخرى مثل الإخوان المسلمون، إلى العديد من القيادات الفردية المتديّنة التي تعمل بانتظام مع الحكومة المصرية . هذه المجموعات غالبا ما يكون فيما بينها خلافات
لقد سعت الجماعات الإسلامية إلى استثمار مشاعر المهملين من فقراء مصر، الذين يشعر معظمهم أن صوتهم ضعيف و فرصهم محدودة .. و حتّى العديد من المصريين الذين لا ينتمون إلى الأيديولوجية الإسلامية، يتعاطفون معها
انهم يسعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، كقانون لمصر . و العديد من الجماعات الإسلامية تظهر عدوانية تجاه اليهود و المسيحيين، بما في ذلك المجتمع القبطي المسيحي، الذي يصل بالتقريب إلى 6% من تعداد مصر . و الكثير منهم يتشكّكون في برامج السادات و مبارك الاقتصادية الليبرالية
و ما زال النظام يقبض على المشتبه فيهم من الأصوليون، و يحاصرهم، مما يجعل من الصعب عليهم أن يواصلوا التجنيد و التنظيم .
و إلى جانب محاصرة الإسلاميين و مسانديهم، حاول النظام أن بتفاهم مع العناصر الأقل أصولية منذ منتصف التسعينيات . و شجّع النظام على إشاعة المظاهر الإسلامية، بزيادة البرامج الدينية و الإعلامية . كما سمحت للشخصيات الدينية، كالأزهريين، بأن يهاجموا و ينتقدوا المثقفين العلمانيين . هذا الموقف قلل من قوّة الأصوليين، و لكنه زاد من قوة الحركات الشعبية الإسلامية
إذا ما وصل الركود بالوضع الاقتصادي المصري إلى حد أن يجد النظام نفسه يبحث عن شرعية شعبية أكبر، فقد يسمح للإسلاميين بنفوذ أكبر
مستقبل تغيير القيادة
عن مستقبل تغيير القيادة في مصر يقول الكاتب دانييل بايمان محرر هذا الفصل من الكتاب : تغيير القيادة في حدود النخبة المصرية، قد يغيّر بعض معالم السياسة الخارجية لمصر، لكن ليس اتجاهها . و قائد غير مبارك قد يكون أكثر عزما و قدرة على المضي خارج التراضي العام الضيّق للنخبة الحالية، ليشكّل السياسات المصرية، ليس مجرّد السير في حدود الأهداف المتفق عليها من جانب هذه النخبة
و يستطرد قائلا أن التحوّل خارج قاعدة السلطة الحالية، إلى نظام إسلامي، قد يمثّل تغيرا أكثر عمقا، و مع ذلك فالإسلاميون سيواجهون هم أيضا حدودا لحرّيتهم، نتيجة لضعف مصر العسكري . و يعتقد الكتاب أن اتجاه مصر إلى الليبرالية السياسية تفشل على الأرجح، بينما يحتمل أن يكون الإصلاح الاقتصادي محدودا . و رغم الدعم الملموس الذي تلقاه الليبرالية، فليست هناك قاعدة تنظيمية لها
على من يعتمد النظام ؟

و يقول أن النظام الحالي قد نجح في تمثيل بعض النخب، كملاذ وحيد في مواجهة الإسلاميين، و لن يتردد مستقبلا في سلوك ذلك السبيل ، إذا ما تصاعد التهديد لحكمه . و لأن النظام يستند بقوّة على المصالح الاقتصادية، فالتغيرات الاقتصادية ستميل إلى تجنّب سياسات سيطرة الدولة التي عرفتها مصر في الماضي . و في نفس الوقت، فالأغلب أن يتجنّب النظام اتّخاذ أي إجراءات يمكن أن تهدد وضع نشاط الأعمال الحالي، حتّى لو قاد هذا إلى الحد من التنافس و الإنتاجية .
ثم يقول بايمان " علاقات مصر الوثيقة مع الولايات المتحدة تستند إلى هذه الأسس . و التعاون في مجال محاربة الإرهاب جيد جدا، لكن هذا يتم عادة خلف الكواليس . و لأن معظم الشعب المصري، و قيادات المعارضة المحتملة لا تدعم هذا التوجّه، و لأن معظم النخب ليست في جانب الروابط مع واشنطن، فالأغلب أن يميل النظام إلى النأي عن واشنطون ، إذا وجد نفسه في أزمة داخلية . و هذا الميل سيكون حادا إذا ارتفعت حدّة التوتر الفلسطيني الإسرائيلي، باعتبار النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها الأقرب إلى إسرائيل .

و إلى الرسالة القادمة، لنرى كيف تفكّر أمريكا فيما تطلق عليه : التحضير لتغيير النظم العربية