الخميس، سبتمبر ٠٦، ٢٠٠٧

أمريكا إلى أين ؟

ما الذي يهدد أمريكا حاليا ؟

أهم ما يهدد الرأسمالية الأمريكية الحاكمة
· البترول، أو نوع الطاقة السائدة .
· السلاح، و نوع القوّة الشائعة .
· صناعة القرار، و نوع السلطة الحاكمة .
الطاقة الخطأ

الرأسمالية الحاكمة فهمت أن طاقة الحفريات، من بترول و غاز و فحم، لا تناسب طبيعة أو احتياجات مجتمع المعلومات، لعدة أسباب
( 1 ) لأنها طاقة غير نظيفة، تلوّث البيئة، في نقلها، و في استخدامها، و بما يصدر عنها من عوادم . بعكس أنواع أخرى مستحدثة من مصادر الطاقة، لا ينتج عنها ما يلوّث، مثل طاقة الاندماج النووي، و الطاقة الشمسية، و طاقة الأمواج أو طاقة باطن الأرض، إلى آخر ذلك
( 2 ) لأنها طاقة منقرضة، لا تتجدد، و تكاد أن تجف مصادرها في بعض المناطق، و يصبح الحصول عليها عملية غير اقتصادية في مناطق أخرى . في الوقت الذي تتوفّر فيه للبشر أنواع أخرى من الطاقة النظيفة الجديدة المتجددة .
( 3 )لأنها طاقة كانت ضرورية لمعظم النشاط الصناعي، خلال عصر الصناعة، لكنها غير ضرورية للصناعات المعلوماتية و الإلكترونية، التي تستهلك الأقل من الطاقة و الخامات .
الرأسمالية الأمريكية الحاكمة شعرت بالخطر الذي يتهدد مصالحها عند احتمال التحوّل عن الاعتماد على البتـرول، فقاومت محاولة الاعتمـاد على طاقة أخرى في تسيير السـيارات، و غيرذلك من المولدات و المحركات، و قررت أن تسارع بوضع يدها على مصادر البترول التي لم تستنفذ بعد، حتّى تطيل أمد أرباحها من السيطرة على تجارة و أسعار البترول
وكان هذا هو الخطأ الأوّل الذي ترتكبه أمريكا
القوّة الخطأ

وجدت الرأسمالية الأمريكية الحاكمة أن احتلالها العسكري لمخازن الثروة البترولية يتيح لها أن تضرب عصفورين بحجر واحد .. الاحتلال العسكري يعني حربا، و استخداما مكثّفا و مستمرا للسلاح، ممّا يسعد كبار تجار السلاح، و يقود إلى وضع اليد على منابع بترول جديدة ثرية، تسكت أصوات أبناء عصر المعلومات، المنادين بهجر البترول إلى مصادر أكثر نظافة و أمنا للطاقة ..
و هكذا تحوّلت أمريكا عن الاعتماد على قوة الثروة أو المعرفة، إلى قوّة العنف العسكري، التي تعتبر أسوأ أنواع القوّة و المفكر المستقبلي الكبير ألفن توفلر يرى أن قوّة العنف و القسر، كالاحتلال بالسلاح، تعتبر أسوأ الأنواع، فهي تولّد المقاومة، كما أنها غير مرنة، فهي لا تستخدم إلاّ في العقاب . و قوّة الثروة أو المال ـ على العكس من ذلك ـ تعتبر أداة قوّة أفضل بكثير، فهي تحقق الإثابة أو العقاب، وفقا للحاجة .. لذا يعتبرها توفلر نوعا متوسط القيمة .. ثم يقول توفلر أن أرقى أنواع القوة، تنبع من تطبيقات المعرفة .. قوّة العقل، التي تقوم عليها علاقات الحياة في مجتمع المعلومات . و هو يشرح قوله هذا قائلا " القوة ذات النوعية العالية، ليست ببساطة نوعا من السيطرة .. فهي تعني ما هو أكثر من هذا .. تعني الكفاءة : استخدام الأقل من مصادر القوّة للوصول إلى الهدف .. و هذا أيضا ما كانت الولايات المتحدة تسعى لإقناع العالم أنها تميل إليه، بعكس الدول الأوربية المستعمرة لشعوب العالم
لقد وجدت أمريكا نفسها مدفوعة بمصالح تجار السلاح و البترول، إلى الاعتماد على أقل أنواع القوة قيمة، قوة العنف المفرط الذي تستعرض ضروبه و مستحدثاته من الأسلحة الحربية في العراق، حيث توجد مخازن البترول
الأكثر ثراء، و أطول عمرا من مخازن بترول السعودية و الخليج، و غير ذلك من المستودعات التقليدية
و كان هذا هو الخطأ الثاني الذي ترتكبه أمريكا

الديموقراطية الخطأ

أغرب ما في الأمر، أنه على قدر ما يتكرر حديث بوش و من معه عن الديموقراطية و أهميتها، و ضرورة ضمان التزامها في الدول العربية و الإسلامية، فإن النظام السياسي الأمريكي أبعد ما يكون عن جوهر الديموقراطية . رغم توفّر عناصر الإكسسوار الديموقراطي الشكلي في الولايات المتحدة الأمريكية، من ترشيحات، و مجمعات انتخابية، و دعايات انتخابية، و مناظرات كلامية، و صناديق انتخابية، و انتخابات عادية و إلكترونية .. فمع هذا كلّه تبدو أمريكا اليوم أبعد ما تكون عن جوهر الممارسة الديموقراطية .. حتّى بالنسبة لديموقراطية عصر الصناعة، ديموقراطـية التمثيل النيابي ..
ما تأخذ به الولايات المتحدة الأمريكية هو " بلوتوقراطية "، أي ديموقراطية كبار الأثرياء . هذا ما يقول به الكثير من العارفين و من بينهم النائب العام الأمريكي السابق رامزي كلارك، الذي قال في حديث صحفي محتدا :
لسنا ديموقراطية .. هذا سوء فهم فظيع، و تشويه لسمعة الديموقراطية،نحن ( بلوتوقراطية ) أي حكومة أثرياء .. تركيز الثروة، و التفرقة بين الغني و الفقير في الولايات المتحدة لا تجد له شبيها في أي مكان آخر
و كان هذا هو الخطأ الثالث الذي ترتكبه أمريكا
و إلى رسالة تالية، لنرى الهوّة التي تمضي إليها الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة لهذه الأخطاء الكبرى، التي تقود إلى حالة من الانفصام، الناتج عن التقدّم التكنولوجي، و التخلّف الاجتماعي و السياسي في نفس الوقت . راجي

الثلاثاء، سبتمبر ٠٤، ٢٠٠٧

وسائل منع الفهم

وسائل منع الفهم
أفكار و آراء و سياسات الأذكياء في مصر..لماذا تصبح عقيمة ؟

لن أتكلّم هنا عن الأذكياء من محترفي العمل السياسي الغوغائي، و لا أنتوي الحديث عن الذكاء الانتهازي الذي يسيطر على حياتنا السياسية .. إنّما أتوجّه بالحديث إلى الأذكياء المخلصين لمصر، الجادين في البحث عن مخرج لها من مأزق التخلّف الحالي . فعلى مدى نصف قرن، عايشت المئات من المؤتمرات و حلقات البحث و الدوائر المستديرة، التي جمعت بين العديد من الأذكياء الجادّين، الساعين بصدق لحلّ مشاكل مصر، و البحث عن مستقبل مضيء لها.. و قرأت مئات المقالات الجادة عن هذا في صحافتنا .. لكن الواقع المرير يقول أن خلاصة الآراء و الأفكار و السياسات التي توصّل إليها هؤلاء الأذكياء، جاءت عقيمة، و لم تنجح في تشخيص المشكلة الحقيقية، و رسم الحلول العملية الواقعية .. السرّ وراء هذا كلّه، وسائل منع الفهم التي تشيع في حياتنا الفكرية
وسائل منع الفهم هذه، مصدرها سبب موضوعي، يتّصل بالتغيّرات الجذرية المتسارعة التي يمر بها المجتمع البشري، و التي تنقلنا من واقع و مبادئ و قوانين عصر الصناعة الذي ساد حياة البشر على مدى ما يزيد عن قرنين، إلى واقع جديد نابع من عصر المعلومات و الاتصالات، و له واقعه و مبادئه و قوانينه التي تختلف عن سابقه، بل و تتناقض معه .
و سأورد فيما يلي ـ باختصار شديد ـ جانبا من وسائل منع الفهم هذه، و التي تصاحب عملية التحوّل الكبرى التي يمر بها البشر، في جميع أنحاء العالم

ليس المزيد ممّا كان

يعوق فهمنا لما يجري، اعتبار أن الآتي هو المزيد ـ أو الأقل ـ ممّا كان . أي أن الأمر مجرّد تغيّر كمّي، يجوز فيه الخضوع لنفس المبادئ و القوانين التي اعتمدنا عليها، على مدى القرنين الماضيين .
و حقيقة الأمر أننا بصدد نسق حياة جديد تماما، تقوم على مبادئ و أسس جديدة في جميع المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية . و الفشل السائد ـ عندنا و في معظم المجتمعات البشرية ـ يرجع إلى محاولة فرض حلول تاريخية على واقع مستجد . فهم طبيعة مجتمع المعلومات الجديد، تفسّر لنا سر المشاكل الحالية المتضخّمة، في الاقتصاد، و التعليم، و الممارسة السياسية، و الإدارة، و الأسرة.
تشابك الظواهر
كما يعوق فهمنا، تصوّر أنه من الممكن النظر إلى كلّ جانب، و دراسته بشكل جزئي بمعزل عن الجوانب الأخرى .. كأن يتصور الإنسان إمكان لبحث عن حلول مستقبلية للتعليم، دون معرفة مستقبل اقتصاد عصر المعلومات، و اختلافه عن اقتصاد عصر الصناعة .
و هذا هو الخطأ الذي يقع فيه الوزراء بحكم تخصصهم، و هو أيضا الخطأ الذي وقعت فيه لجنة السياسات بالحزب الوطني عندما تصوّرت إمكان حل كلّ مجال على حدة، دون إدراك لتشابك الظواهر المستجدّة .
المصطلح كائن حيّ
و من أسباب الخلط، استخدام الكلمات و المصطلحات بمعانيها القديمة، دون الاتفاق عن معانيها الجديدة في ظلّ المجتمع الجديد . كلمة " الديموقراطية " قد لا تعني شيئا في مجتمع قبلي، و لكنها تعني الشورى في المجتمع الزراعي . و قد ابتدعت القيادات الفكرية لعصر الصناعة نوعا جديدا من الديموقراطية، ينسجم مع درجة تعقّد الحياة و تركيبها، أحدث شرخا في جسم سلطة اتخاذ القرار دخلت منه أعداد من الطبقة المتوسطة، لم يسبق لها أن دخلت ذلك المجال، و كانت تلك ديموقراطية التمثيل النيابي . و اليوم، تفقد هذه الممارسة الديموقراطية جدواها في كل أنحاء العالم، و بدأ المفكّرون في البحث عن أشكال للممارسة الديموقراطية تناسب المبادئ و الأسس الجديدة لمجتمع المعلومات، و بدأنا نسمع عن الديموقراطية نصف المباشرة، و ديموقراطية المشاركة، و التوقّعية

الأيديولوجيات السابقة

من أخطر وسائل منع الفهم، الانطلاق من نظرية أو أيديولوجية أو عقيدة سابقة، نبعت من ظروف مجتمعية تختلف عن الظروف الراهنة . يتّصل هذا بأهم أركان التفكير الناقد، الذي يلزم بمراجعة الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها أي نظرية أو عقيدة أو نظام أو مذهب، للتثبّت من أن تلك الافتراضات ما زالت قائمة و سليمة .
مثال ذلك، ما نشهده حاليا من حديث عن السقوط النهائي للاشتراكية، و انتصار الرأسمالية، مع كلّ ما تعانيه الرأسمالية حاليا من مشاكل غير مسبوقة، يستحيل الوصول إلى حلّ لها.. و السبب هو أن الاشتراكية و الرأسمالية هما معا وجهان لعملة واحدة هي المجتمع الصناعي .. و أن هذه العملة ترفع حاليا من التعامل، بعد أن بدأنا الدخول إلى مجتمع المعلومات . النظريات و القواعد التي وضعت لمجتمع رعوي أو قبلي أو زراعي، لا يصحّ أن يأخذ بها أبناء المجتمع الصناعي، و كذلك لا يصح لأبناء عصر المعلومات أن يأخذوا بأي نظم أو نظريات أو عقائد نابعة من مجتمع سابق، إلا بعد التثبّت من أن الافتراضات التي
قامت عليها ما زالت سليمة

التغيير متكامل

من الأمور التي تسبب لنا الكثير من الخلط الفكري، و تعوق فهمنا لما يجري حولنا، تناول عنصر واحد من عناصر التغيير، و محاولة تصوّر المسـتقبل من خلال ذلك، دون أن ندخـل في اعتبارنا باقي التغييرات التي تتبادل التأثير فيما بينها .
لا قيمة لجهد أي وزارة من الوزارات، في مجال إعادة البناء من أجل العبور إلى مجتمع المعلومات .. على مدى نصف القرن الماضي، تعددت المشاريع الوزارية في هذا المجال، دون أن تنجح في تحقيق هدفها . في زمن التغيير الشامل الذي نعيشه، لا يمكن لوزير التعليم ـ أي وزير ـ لأن يعيد بناء العملية التعليمية دون أن يتم هذا بالتنسيق المحكم مع العمليات المناظرة في الاقتصاد و العمل و الممارسة الديموقراطية .
لو نجح وزير التعليم ـ بمعجزة ـ في التحوّل من تعليم التلقين الذي نعتمده، إلى التعليم القائم على التفكير الناقد و الابتكاري، أو التعليم خالق المعرفة .. إذا تم هذا دون أن يتم التحوّل من العمل القائم على العمالة العضلية إلى العمل القائم على العمالة المعرفية، فستكون النتيجة بطالة بنيوية شاملة .. و العكس صحيح . كلك سينهار المجتمع لو أتاح التعليم أجيالا تفكّر و تناقش و تبتكر، بينما بقيت ممارستنا الديموقراطية على حالها من الشكلية و الادعاء .
لهذا، كنت أقول دائما : لا يكفي أن نحصر مؤشرات التغيير الحالية لنفهم طبيعة الحياة التي نمضي إليها، بل لا بد من أن نفهم جيدا التأثيرات المتبادلة بينها .

أهمّية الرؤية المستقبلية

رصد مؤشرات التغيير الحالية التي تمر بها البشرية، ثم محاولة فهم طبيعة العلاقات متبادلة التأثير فيما بينها، هو الذي يتيح لنا أن نتبين معالم مجتمع المعلومات الذي نمضي إليه، و يسمح لنا بوضع رؤية مستقبلية شاملة تفيدنا في فهم حركة الأشياء المركبة، و نحن نعبر من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات
الرؤية المستقبلية، هي التي ستتيح لنا أن نستنبط صورة الحياة القادمة في أي مجال من مجالات حياتنا الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية، دون أن تناقض في تصوّراتنا المختلفة . و هي التي تتيح لنا وضع الاستراتيجية العامة لإعادة بناء مصر، و الاستراتيجيات الفرعية، و الخطط طويلة المدى و قصيرته، و هي التي ستسمح لنا بوضع الأولويات المناسبة لقدراتنا و واقعنا الراهن

التفكير المستقبلي ليس نوعا من التنجيم

التفكير المستقبلي ليس نوعا من التنجيم و قراءة الطالع .. إنّه جهد عقلاني منطقي ابتكاري للتعرّف على مسار حركة حياة البشر بين الماضي و الحاضر و المستقبل . و عملية التعرّف هذه لا تكون قطعية أو حاسمة، و هي تتوقّف على المنهج الذي يلتزم به المفكّر . بدون الالتزام بمنهج سليم واضح، يمكن أن نصل إلى توقعات خاطئة