الأربعاء، فبراير ٠٦، ٢٠٠٨

ذرائع التحرّش الأمريكي



من النظم المعادية، إلى الدول غير المستقرّة

ثم أخيرا تقليعة :عدم التأكّد الاستراتيجي

لم يكن " مشروع القرن الأمريكي الجديد "، أو ( باناك )، كافيا لتلبية مطامع كبار أثرياء السلاح و البترول و المقاولات، الذي يحكمون الولايات المتحدة فعلا ؟ .. و كما لم تحقق تجارب التدخّل الحالية للإدارة الأمريكية في أفغانستان و العراق ذلك النجاح، الذي كا من الممكن يغريها بالدخول في مغامرات شاملة لإخضاع دول العالم جميعا.. الأصدقاء قبل الأعداء ؟! .. الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، التي كان يرسم أبعادها في البنتاجون دونالد رامسفيلد، تضمّنت تحولا أساسيا: من ملاحقة الدول المعادية، أو محور الشر كما يحلو لبوش أن يقول، إلى ملاحقة الدول ذات الأنظمة غير المستقرّة .
يقول مايكل تشوسادوفسكي، في دراسة له صادرة عن ( مركز أبحاث العولمة )، حول هذه الجزئية " بينما كانت سياسة الحرب الاستباقية تصوّر العمل العسكري باعتباره ( وسيلة دفاع عن النفس )، ضد الدول التي توصف بأنها ( معادية ) للولايات المتحدة، فإن سياسة البنتاجون الجديدة تصوّر احتمال التدخّل العسكري ضد دول ( لا ) تشكّل تهديدا واضحا لأمن الأرض الأمريكية .." .!
التهديدات الأربعة
يحدد المشروع أربعة تهديدات عظمى تواجه الولايات المتحدة، هي بالضبط كما جاءت في المشروع :
تحديات تقليدية : و هي التي تصدر عن قوى عسكرية معروفة جيدا، تعتمد على أشكال مفهومة تماما من الحروب
تهديدات غير منتظمة : تأتي من قوى تستخدم ما يطلق عليه الأساليب ( غير التقليدية ) للتغلّب على القوى الأكبر
التحدي الكارثة : و هو إشارة إلى استخدام العدو لأسلحة الدمار الشامل
تحديات تمزيقية : و هي إشارة إلى خصوم محتملين، يستخدمون تكنولوجيات جديدة، للتفوّق على المزايا التي تتمتّع بها الولايات المتحدة
السيطرة العسكرية العالمية

و هذه الخريطة العسكرية، تحدد إطار " مشروع السيطرة العسكرية على العالم " . و هو يقوم على أساس زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي . و يتلخّص الغرض الذي يقوم عليه المشروع في التفوّق العسكري على أي دولة على سطح الأرض، بما في ذلك الحلفاء الأوروبيين لأمريكا .
" عملية التفوّق " هذه، ظهرت في المؤتمر السنوي لمجلس السياسـات الخارجية .. و الذي جاء فيه أن : ستكون الميزانية العسكرية للولايات المتحدة هذا العام (2005) أكبر من ميزانية 25 دولة التالية مجتمعة .. و هكذا، إذا بقي نسق الإنفاق العسكري على حاله، أي تناقص الإنفاق العسكري الأوروبي، و تزايد الأمريكي، فبعد حوالي خمس سنوات، سيكون إنفاق الولايات المتحدة أكثر مما تنفقه باقي دول العالم مجتمعة على الدفاع
حاليا، تنفق أمريكا أكثر من 500 بليون دولار سنويا، على الدفاع و الاستخبارات العسكرية، و هو قدر أقل قليلا من إجمالي الدخل القومي للاتحاد الروسي، و الذي جرى تقديره عام 2004 بحوالي 613 بليون دولار . و وفقا للمعهد الدولي لأبحاث السلام في استوكهولم، يزيد الإنفاق العسكري العالمي عن 950 بليون دولار، منها ما يقرب من النصف يخص ميزانية الولايات المتحدة العسكرية .
و هذا يعطينا فكرة واضحة، بالنسبة لما نشير إليه من سيطرة كبار أثرياء السلاح و البترول و المقاولات، الذين تصبّ معظم هذه الأموال في خزائنهم، على كلّ شيء في الولايات المتحدة، مؤسسة الرئاسة، و الأحزاب الكبرى، و السلطة التنفيذية، و عضوية المجالس النيابية و الفيدرالية، و مفاتيح التأثير على الرأي العام الأمريكي

غزو الدول غير المستقرّة

لم يمض أسبوع بالكاد على إعلان النص الرسمي لوثيقة البنتاجون، حتّى سارع مجلس الاستخبارات القومي في وزارة الخارجية إلى التأكيد على أن خبراء الاستخبارات بالولايات المتحدة يعدّون قائمة من 25 دولة توصم بأنّها غير مستقرّة، و من ثمّ مرشّحة للتدخّل العسكري . فقد جاء في الوثيقة :
منع الصراعات و إعادة بناء ما بعد الحرب بالنسبة الدول الضعـيفة، يصبح تحديا أساسـيا للسياسة الخارجية ، بسبب مخاطر الجماعات الإرهابية، و احتمال التوصّل إلى أسلحة دمار شامل
العداء تجاه الولايات المتحدة من جانب الأعداء الخطرين، أو القوى النامية، ليس هو جدول الأعمال الوحيد للتدخّل العسكري الأمريكي .
هذا هو من بين ما يقول به المشروع الخطير الجديد . و بينما تبقى قائمة 25 دولة غير مستقرّة، و تحت المراقبة، سرّية و غير معلن عنها حاليا، فقد توصّل الباحثون إلى تحديد بعضها، و هي : فنزويلا تحت حكم شافيز، نيبال، هاييتي، الجزائر، بيرو، بوليفيا، السودان، نيجيريا، سييراليوني، ليبيريا، ساحل العاج . و التبرير لغزو أمريكا لهذه الدول، يستند إلى الواجب الأمريكي " في المساعدة على الاستقرار "، و وضع هذه الدول على " المسار المستدام "
و أي مشروع قومي يجيء مضادا لأجندة الليبرالية الجديدة، و مفهوم ديموقراطية السوق الحرّة الذي تتبنّاه واشنطن، يؤهّل الدولة صاحبته للتدخّل العسكري

حروب غير منظورة
و من بين مخترعات هذه الوثيقة الخطيرة، تعبير " الحروب غير المنظورة " . و هي تطلق هذا الوصف على " التحديات الدبلوماسية أو القانونية "، التي تقوم بها جماعات أو دول، كتهديد لأمن أمريكا، ممّا يوصف بالعمل العدواني .
هل فهمتم هذا الكلام الغريب ؟! .. كل من يخاصم أمريكا أمام أي مؤسسة عالمية، أو يقاضيها في محكمة الجرائم الدولية، يعتبر خصما، و نصيبه الغزو العسكري
فالوثيقة تقول " قوتنا كدولة قومية سيتواصل تحديها على يد أولئك الذين يستخدمون استراتيجية الضعفاء، فيركّزون على المحافل الدولية، و العمليات القضائية، و الإرهاب
و إذا كنت لم تفهم بعد، اقرأ ما يقوله عن هذا دوجلاس فيث، أحد أفراد عصابة المحافظين الجدد، و من أهم شخصيات وزارة الدفاع الأمريكية، في مؤتمر المراسلين " هناك العديد من العناصر المؤثّرة المتنوعة حول العالم التي تسعى إمّا إلى مهاجمة الولايات المتحدة، أو التضييق عليها، و هم سيصلون إلى طرق مبتكرة في ذلك، تخرج عن دائرة الهجوم العسكري التقليدي الواضح .. علينا أن نفكّر بعمق في أساليب الهجوم الدبلوماسي، و أساليب الهجوم القانوني، و أساليب الهجوم التكنولوجي، و جميع أنواع الحروب غير المنظورة .." . الغريب في الأمر أنه عندما سئل عمّا يعنيه بأساليب الهجوم القانوني، قال صراحة أنه يعني محكمة الجرائم الدولية، التي تعارضها إدارة بوش، لأنّها تسعى إلى تجريم أمريكا، و إلى الضغط على المسئولين في الإدارة
عدم التأكّد الاستراتيجي

خذ هذه إذا كنت لم تكتف .. هذا التعبير الاختراع " عدم التأكّد الاستراتيجي "، هو أساس السياسات التي تكشف عنها هذه الوثيقة . و إن كنت لا تعلم، فهناك ( فابريكة ) في دوائر الرجعية الجديدة التي تسيطر على الإدارة الأمريكية، وظيفتها اختراع و ابتكار التعبيرات الجديدة، التي تبدو واعدة رغم فراغها الحقيقي .. ابتداء من " نهاية التاريخ "، إلى " صراع الحضارات " ، إلى " بناء الدول " ..إلى الحروب غير المنظورة "،إلى "الفوضي الخلاّقة "، و أخيرا " عدم التأكّد الاستراتيجي "
تقول وثيقة رامسفيلد " إنّه من المستحيل أن تعرف من أين و متى يأتي التهديد لأمن الولايات المتحدة الأمريكية ـ و هذا هو ما يطلق عليه مخططو البنتاجون عدم التأكّد الاستراتيجي ـ و لهذا تحتاج العسكرية الأمريكية إلى أن تكون قادرة، و مرنة، بدرجة كافية، تتيح لها أن ترسل قواتها إلى أي مكان في العالم، في وقت قصير . و الوثيقة تؤكّد أيضا على الحاجة إلى حلفاء يقدمون القواعد لقوات الولايات المتحدة، و أيضا يفتشون في دولهم للعثور على المتطرّفين، الذين (ينوون ) مهاجمة الولايات المتحدة .." .
و هذا إعلان مجاني، للدول العربية التي تتبارى في الانكفاء، أمام أي صول أمريكي .. المطلوب : أولا قواعد عسكرية، و هذه سهلة و موجودة فعلا، و ثانيا ـ و هو الأصعب ـ معرفة نوايا أفراد شعوبها، و هل فيها ما يتضمّن عداوة لأمريكا ؟ ..

ماذا نفعل في مواجهة هذا الكابوس ؟

الهدف من طرح هذه التفاصيل، هو توضيح الطريقة التي تفكّر بها الولايات المتحدة، و النوايا التي تضمرها للشعوب العربية، و أيضا للنظم الحاكمة العربية . و يمكن لأي عاقل أن يجد في تصرفات و مواقف و مؤامرات الولايات المتحدة،في منطقتنا و خارجها تطبيقات عديدة على الأفكار التي يطرحها هذا الكتاب

* * *

فيما يلي، سنكون أكثر كرما .. في مواجهة " منتدى مستقبل الشرق الأوسط الكبير "، الذي عقدته الولايات المتحدة الأمريكية لمراجعة مصالحها في بلاد العالم المختلفة، بصرف النظر عن مصالح شعوب تلك البلاد، سنكون أكثر كرما، و صدقا، و نطرح :
منتدى مستقبل أمريكا