الأحد، ديسمبر ٠٢، ٢٠٠٧

أمريكا ... المؤامرة !



الشرق الأوسط هو الهدف

البنتاجون، و "راند"، و التخطيط لمستقبلنا

النتيجة الطبيعية لغرقنا في التفاصيل الصغيرة، و المصالح الانتهازية الهزيلة، و إصرارنا على رفض النظر إلى ما هو أبعد من موقع أقدامنا، و فشلنا في التوصّل إلى رؤية مستقبلية شاملة، تستند إليها استراتيجياتنا و خططنا، و تنسّق عمليات إعادة البناء الشاملة المطلوبة، و التي سبقتنا إليها العديد من المجتمعات في الشرق و الغرب ..النتيجة الطبيعية لذلك كلّه هي أن تتقدّم أمريكا لتدرس أوضاعنا، بموضوعية في كثير من الأحيان، لكنها عندما تصل إلى التخطيط لمستقبلنا، و إصلاح حياتنا الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، تفعل ذلك بشكل تآمري لحساب مصالحها في المنطقة، و في العالم أجمع .
و سنحاول أن نعطي فكرة عن ذلك الجهد من جانب النظام الحاكم الأمريكي. لكننا في نفس الوقت لا ننكر أن الكثير من الحقائق التي توصّلت إليها هذه الدراسة جاءت دقيقة و سليمة، و يجدر بنا أن نستفيد من منهجها عندما نتصدّى بأنفسنا ـ حين يأتي الزمن المنشود ـ لكي نفهم واقعنا على أساس موضوعي، دون مزايدات أو مناقصات .. ثم نتعلّم كيف لا ننزلق إلى الأخذ باستنتاجات الباحث الأمريكي الذي تحكمه في هذا المجال مصالح عليا للطبقة الرأسمالية الحاكمة، و واجبات تفرضها مجموعة " المحافظون الجدد " التي تدير هذا النشاط، من بين ما تدير من شئون الشعب الأمريكي .
المؤسسة اسمها " راند "، ظاهرها فكري و ثقافي، لكنّها بحكم تبعيتها لسلاح الجو بالبنتاجون الأمريكي، تقوم بالدراسات التي ـ كما سنرى ـ ترسم خطى الرئاسة الأمريكية، في جميع الحروب التي تقوم بها، من أجل المزيد من السيطرة و التحكّم في مقادير و ثروات العالم .. و سنبدأ بطرح أحد أعمال هذه المؤسسة، و الذي استهدف مستقبل بيئة الأمن في الشرق الأوسط .. كنموذج للطريقة التي تفكّر بها وزارة الدفاع الأمريكية، لحسابها، و نيابة عنّا ..
صدر الكتاب عام 2004 عن مؤسسة (راند) التابعة لسلاح الجو بالبنتاجون الأمريكي .. و الكتاب هو حصيلة مجموعة دراسات، يعتمد عليها النظام الحاكم الأمريكي.. و من واقع السياسات التي يلتزم بها نظام جورج بوش، يظهر مدى أهمية هذه الدراسات، وتأثيرها على مجرى التفكير والتحركات السياسية و العسكرية الأمريكية . و الكتاب له اسم طويل " مستقبل بيئة الأمن في الشرق الأوسط .. الصراعات، الاستقرار، و التغيّر السياسي "، و هو يضم مجموعة دراسات جادة، قامت بها مجموعة من الباحثين و المفكّرين، و جمعها و حررها كل من نورا بن ساهيل، و دانييل بايمان ..
و نظرا لأهمية السياسات المقترحة في هذا الكتاب، و التي تمس جوهـر حياتنا في الشرق الأوسط، سأحاول أن أطرح أهم الأفكار و التحليلات التي يتضمنها ، مركّزا على الفصول التي تبحث في احتمالات الإصلاح السياسي في دول الشرق الأوسط، و احتمالات تغيير القيادات في العالم العربي ..

التنمية .. و التغيرات الكبرى

يقول الكتاب أنّه منذ انتهاء حرب الخليج عام 1991، تزايدت التهديدات في الشرق الأوسط .. كما أن انهيار عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، و ما تبع ذلك من انفجارات للعنف، ألهبت المشاعر السلبية تجاه الغرب في أنحاء العالم العربي . و يرى الكتاب أنة عمليات التنمية و التطوير التي سادت المنطقة خلال العقد الماضي، قد ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة . و قد عرفت الدول العربية جيلا جديدا من القادة، لم تختبر قدراته على الحكم، و لا عناصر دعمه الداخلية . و يشير الكتاب إلى أن زيادة أعداد المتعلمات من النساء قد شكّل تحديا لتسلسل الرئاسات التقليدي . كما حدث تنوّع في رؤية الجماهير للمسائل السياسية و الاجتماعية، نتيجة لشيوع التكنولوجيات المعلوماتية، مثل تلفزيون القنوات الفضائية .. ثم ينتقل الكتاب إلى بيت القصيد من تأليفه، ليطرح تأثّر المصالح الأمريكية بما يحدث في العالم العربي .
يقول الكتاب أنّه في أعقاب هجوم 11 سبتمبر 2001، أصبح الشرق الأوسط يلعب دورا أكثر بروزا في سياسات الولايات المتحدة . و يضيف أن الولايات المتحدة تعتمد على شركاء لها في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل و السعودية و قطر و مصر و غيرهم، في محاربة الإرهاب، و إيقاف تسرّب أسلحة الدمار الشامل إلى الدول المعادية لأمريكا . و خسارة بعض الشركاء الأساسيين، نتيجة تغيرات عدوانية للنظم، أو زيادة مشاعر الكراهية لأمريكا، يمكن أن يحدّ من قدرة الولايات المتحدة على مقاومة الإرهاب في المنطقة .
و بوضوح أكبر، يقول الكتاب أن الولايات المتحدة لها مصالح في الحفاظ على أسعار طاقة مستقرّة، و إمدادات مناسبة منها .

مؤشرات عدم الاستقرار

درس مشروع (راند) المؤشرات الحالية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، في الشرق الأوسط، لمحاولة التنبؤ بالتهديدات المستقبلية للأمن الإقليمي، و أثرها المحتمل على الولايات المتحدة، فوجدها كالتالي :
تقدّم الليبرالية سيكون بطيئا، و الديموقراطية ستكون محدودة بشكل أكبر :
دول الشرق الأوسط تحكمها، بالتحديد، نظم شمولية غير ديموقراطية .و لقد وقعت هذه الدول في السنوات الأخيرة تحت ضغوط لإصلاح نظامها السياسي، و تخفيف قبضة الحكومة على وسائل الإعلام، و على وسائل تعبير الجماهير عن رأيها . و استجاب البعض بإبداء المزيد من الليبرالية، و لكن بالأقل من الديموقراطية، فمؤسسات المجتمع المدني ظلّت محكومة بالنظام، و غير معبرة عن مصالح القواعد .
تدهور الاقتصاد، يزيد ـ في الأغلب ـ من عدم رضا الشعب عن الحكومة :

جهود الإصلاح الاقتصادي الأخيرة، فشلت في توفير الوظائف، و اجتذاب الاستثمارات الخارجية إلى الشرق الأوسط . لقد قادت الديون الثقيلة و ارتفاع الضرائب و الفسـاد الحكومي إلى إعاقة النمو الاقتصادي . كما أن استمرار الهبوط الاقتصادي سيحجّم ثقة الشعوب في قياداتها، ممّا يضاعف من احتمالات القلاقل . كذلك تزايد عدد المتعلمين من الشباب الذين لا يجدون عملا، سيخلق أرضا خصبة لنمو الحركات الأصولية . في الوقت الذي قد يقود فيه الإصلاح الاقتصادي إلى زعزعة النظام، نتيجة لاستبعاد المصالح الخاصّة التي تسند النظام .
سينصب جهد الجيوش على التحكّم الداخلي، أكثر من الدفاع الخارجي :
و لمّا كانت الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية مسببة في زيادة التهديدات الداخلية، فسينصب جهد القوات العسكرية على المهمات البوليسية الداخلية، مثل مواجهة المظاهرات، مع تدنّي قدراتها على الدفاع الخارجي، و هذا يشكّل عواقب متناقضة بالنسبة لأمريكا، لأن سيطرة الجيوش على الداخل سيضمن للولايات المتحدة أن يكون لدى الحلفاء من العرب القدرة على التحكّم في الجماعات الإرهابية داخل حدودها . و في نفس الوقت، سيكون هؤلاء الحلفاء أقل فعالية عند المشاركة في العمليات الهجومية الأمريكية . ( صراحة واضحة !!)
قادة الدول العربية الجدد قد يكونوا أضعف و أقل قدرة على التعاون مع الولايات المتحدة :
قيادات جديدة تسلّمت السلطة في إيران و الجزائر و البحرين و الأردن والمغرب و سوريا ..و هناك تغييرات أخرى متوقّعة في المستقبل القريب، في السعودية و مصر (خاب توقّع أمريكا بالنسبة لمصر !) . هذه القيادات الجديدة ستعمد إلى التركيز على اكتساب شعبية في دولها، لهذا قد يصبحوا أقل استعدادا للتعاون مع الولايات المتحدة في حربها مع الإرهاب، و لقبول التفاوض العربي مع إسرائيل في مفاوضات سلام قادمة . بالإضافة إلى وقوع القيادات محدودة الخبرة في أخطاء في سياستها الخارجية، بالمبالغة في تقدير قوّتها، أو بالاعتماد على الدعم العالمي، الذي يثبت عدم تأثيره .
تغيير نسق أسواق الطاقة، سيدعم روابط الشرق الأوسط بآسيا :

الشرق الأوسط يسيطر على 70% من مخزون البترول العالمي . و من المتوقّع في السنوات القادمة،أن تتحوّل الولايات المتحدة و أوروبا في نسبة عالية من استهلاكها من بترول الشرق الأوسط إلى بترول روسيا. هكذا تصبح آسيا المستهلك الرئيسي لبترول الشرق الأوسط، ممّا يمكن أن يكون له آثاره السياسية الهامة على الغرب . و تعتبر الصين و كوريا الشمالية و روسيا من بين أكثر الدول توريدا لأسلحة الدمار الشامل، و تكنولوجيا الصواريخ . و من ثم، من المتوقّع أن تنمو تجارة الدفاع بين آسيا و الشرق الأوسط .. و سيصعب على أمريكا أن تضغط على الدول الموردة لكي تمتنع عن توريد الأسلحة لدول الشرق الأوسط العدوانية .
تكنولوجيات الاتصال قد تزيد من طلب الشعب المشاركة في الحكم :
قد يقتصر استخدام الانترنيت على مستويات اقتصادية معينة في الشرق الأوسط، بعكس التكنولوجيات المتوسّطة مثل تلفزيون الفضـائيات، و أجهزة الفيديو، و الفاكس، و الآلة الناسخة، التي تنتشر بين القواعد . التكنولوجيات هذه يمكن أن يكون لها أثرها العميق على المشهد السياسي . فهي تزوّد الجمهور بوجهات نظر مختلفة في السياسة، و في الأحداث العالمية . و من بين الآثار المحتملة، أن تصبح حكومات الشرق الأوسط مجبرة على اتخاذ خطوات جادة لمنع الفساد، و إضفاء الشفافية على النشاط الحكومي . لكن، من المحتمل أيضا أن تصبح الحكومات في مواجهة هذا أكثر شمولية .
ستواصل دول الشرق الأوسط تطوير أسلحة الدمار الشامل، و الحصول عليها :

استمرار تسـرّب أسلحة الدمار الشامل إلى الشرق الأوسط ستكون له عواقـب وخيمة على المنطقة و العالم . و وجود هذه الأسلحة في بعض الدول سيعوق حرية أمريكا في إنزال قواتها، كما يضعف أثر تلك القوات . كما أن وقوع أسلحة الدمار الشامل في أيدي الجماعات الإرهابية، يهدد أرض الولايات المتحدة .

* * *
ثم يأتي تساؤل هام من جانب كتاب " مستقبل بيئة الأمن في الشرق الأوسط " : هل يجب أن تنحاز أمريكا إلى تشجيع الاستقرار السياسي ( بغضّ الطرف عن سوء الأوضاع الديموقراطية )، أم أن تشجّع الإصلاحات الديموقراطية ( بكل ما يحمله هذا من مخاطر بالنسبة لأمريكا )؟ ..و إلى الرسالة التالية .