الاثنين، سبتمبر ٢٤، ٢٠٠٧

الإعلام الأمريكي العميل

شيكات بوش، و الإعلام الأمريكي العميل


عندما تقرأ التقارير و الدراسات التي يجري ( طهيها ) في أروقة مؤسسة راند، التابعة للجيش الأمريكي، و التي تتحدّث عن الإعلام في دول الشرق الأوسط، أو عن أوضاع الإعـلام المصري الحكومي (أو القومي كما نسمّيه) و كيف تحوّل أقطاب ذلك الإعلام إلى أصحاب ملايين، بفضل خضوعهم الكامل لمطالب السلطات في مصر .. عندما نقرأ ذلك، نتصوّر الإعلام الأمريكي في صورة أكمل و أكثر شفافية، لكن ما تقوله الكاتبة مورين داود، في " نيويورك تايمز "، يفيد عكس ذلك .
تقول مورين " ممّا يثير الانتباه، أن نرى الرئيس بوش يحاضر فلاديمير بوتن حول أهمية إجراء المراجعات و الموازنات في المجتمع الديموقراطي كمراجعات ( هنا تستخدم الكاتبة المعنى المزدوج لكلمة تشيكس، كمراجعات و شيكات مصرفية )، و هي صفاقة ملحوظة، باعتبار أن ( الشيكات ) التي يبدو أن السيد بوش يؤمن بها، هي تلك التي تكتب للصحفيين ( و تورد أسماء مجموعة من الإعلاميين في الصحافة و التلفزيون )، للمساعدة في مساندة سياساته .. لقد أعطت الإدارة معنى جديد تماما لصحافة دفتر الشيكات، برصدها 97 بليون دولار لمؤسسات علاقات عامّة، لكي تشتري بها كتّاب أعمدة، و لتنتج بها البرامج، بما في ذلك شرائط إخبارية مزيّفة

و تستطرد قائلة أن السيد بوش يناشد العالم الخارجي نشر الديموقراطية، بينما يكافح مسئوليه لإقامة قرية إعلام كاذب في الوطن . و تقول " دبليو ( و تعني بوش ) الذي نظر يوما إلى روح السيد بوتن .. و أسعده ما رأى، لا يطالب بإنهاء الظلم، و الذي ردده في خطاب ولايته الثانية، لم يصل إلى مستوى بطله رونالد ريجان الذي قال : سيد جورباتشوف، اهدم ذلك الجدار ! . بدلا من ذلك يتكلّم عن : إن الأرض المشتركة أكثر بكثير من التي لا نتّفق فيها .. و كان الروس سعداء بالتأكيد على الأرض المشتركة، لقد قارن بوتن النظام الروسي بالنظام الانتخابي الأمريكي، مذكّرا الذي ينصحه بالديموقراطية و التي جاءت في المكان الثاني عام 2000، وفقا لنظام الصوت الشعبي .." .
و هي تقول أن بوتن، الحاكم الأتوقراطي، و العميل السابق للكي جي بي، يحتاج لمن يحدثه عن تراجع الخطى عن المسار الديموقراطي السابق لحكمه، لكن يصعب قول هذا، لأن " السيد بوش يقف على أرض مهتزّة إذا حاول أن يعرض إدارته كنموذج لحماية الحرّية، باعتبار أن هذه الإدارة قد اعتدت على الحريات الشخصية باسم الحرب على الإرهاب

قبيلةاستولت على أمريكا

أمّا الكتاب الذي نستعرض بعض جوانبه فيما يلي من حديث، فهو من تأليف واحد من أشجع و أشهر المراسلين الصحفيين، هو سيمور هيرش، الحائز على جائزة بوليتزر نتيجة لكشفه قصة مذبحة ماي لاي في الحرب الفيتنامية، و الذي حاز أخيرا جائزة جورج بولك للمرة الخامسة، بعد كشفه قصص فظائع سجن أبو غريب في العراق . و الكتاب يضم مادة منقّحة للتحقيقات و التقارير التي نشرها في جريدة " ذا نيو يوركر "، معلّقا على السياسة الخارجية لإدارة بوش، و منتقدا لها
في لقاء صحفي أخير، قال هيرش أن الولايات المتحدة " قد جرى الاسـتيلاء عليها بواسطة طائفة، أو أصحاب عقيدة خاصّة (كلت) .. هي قبيلة الأيديولوجيين، المحافظين الجدد، التي أوكل البيت الأبيض إليها أمر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، و الشئون العسكرية، و أجهزة الاستخبارات . و تسلسل القيادات يرسم صورة مرعبة لإدارة مقتنعة بصواب ما تفعله، إلى حد رفضها أن ترى أي حقائق لا تتفق مع ما تعتقد فيه مسبقا .. كان من الضروري تحقيق الأهداف التي اختارها الرئيس بوش و نائبه تشيني و وزير دفاعه رامسفيلد، بأي وسيلة ممكنة .. و الويل لمن يسمحون لاعتراضاتهم الأخلاقية أو العملية أن تشكّل اعتراضا للطريق .. " .
عند طرحه للامتهان البشري المنظّم في سجن أبو غريب، يعتمد هيرش على مصدر داخلي، هو ماجور جنرال أنتونيو تاجوبا، ساردا قائمة طويلة من " الإساءات الإجرامية السادية الغليظة و الداعرة " في السجن، بعد التجاء الرئيس، و فريق أمنه القومي، إلى ماجور جنرال جوفري ميللر، طلبا للمساعدة في تطوير نتائج التحقيقات في العراق .
و كان ميللر قد ووجه من قبل بانتقادات عنيفة من جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمـر، باعتباره المسئول الأعلى عن عمليات الاعتقال، و التحقيقات المثيرة للجدل في سجن جوانتانامو . و قد قبل ليفتنانت جنرال ريكاردو شانتشيز، القائد الأعلى في العراق، توصيات ميللر التي تقول " تحويل سجون الجيش أولا و أخيرا إلى مراكز للتحقيقات "، و لأن تتولى المخابرات العسكرية، و ليس البوليس الحربي، أمر إدارة النظام في السجن .. و كانت النتيجة، أن أوكل للبوليس الحربي أن " يهيئ الظروف للتحقيقات "، ( والتي تعني بلغتنا الدارجة توضيب الزبون )، و كانت التحقيقات تتم بواسطة ضباط المخابرات العسكرية، و عملاء المخابرات المركزية الأمريكية، و مقاولون قطاع خاص لتولّي هذه المهمة .. و الهدف، كان دائما كسر مقاومة السجين، من خلال المعاملات الإكراهية، التي كانت تتضمن الضرب، و الحرمان من النوم، و الإذلال الجنسي

رامسفيلد .. و جنون القتل


يقول سيمور هيرش قي كتابه " الطريق من 11سبتمبر إلى أبو غريب " أن ما حدث في سجن أبوغريب، نبع من اعتماد الرئيس بوش و وزير دفاعه رامسفيلد على العمليات السرّية، و وحدات القوّات الخاصّة، في الحرب على الإرهاب . لقد كان التحوّل إلى هذه التكتيكات هو المشروع الأثير لدى رامسفيلد، ،حتّى قبل 11 سبتمبر .. " بالسعي إلى تغيير العسكرية الأمريكية إلى قوّة قتال أصغر و أسرع و أذكى و أكثر تطورا تكنولوجيا، تعتمد أساسا على الضربات الجوية المحددة، و هجمات الكوماندوز " .
يستطرد هيرش قائلا أن مثل هذه التكتيكات تحتاج استخبارات من نوع معين، و وفرة من تلك الاستخبارات . و عندما كان يستعصي الوصول إلى مثل هذه الاستخبارات، يبدأ ظهور معايير رامسفيلد العنيفة المتطرّفة، و التي تتضمّن تكوين وحدات استخبارات سرية للغاية، في البنتاجون، مع غطاء يسمح بقتل أو اعتقال الأهداف ذات القيمة الكبيرة . لقد كان رامسفيلد الذي أصرّ على استخدام جند أقل في غزو العراق، ممّا قاد إلى الاقتصار على 150 ألف جندي، بدلا من 450 ألف التي طالب بها مخططو البنتاجون قبل الغزو .. و الذين قال واحد منهم " لقد ظنّ أنه يعرف أكثر من الآخرين .. و كان صانع القرار في كلّ منعطف .."
و يقول هيرش أن عملاء المخابرات الذين قالوا بعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق جرى تجاهلهم، و الجنرالات الذين حذّروا أن الغزاة قد لا يقابلهم الشعب العراقي بالأزهار، أزيحوا جانبا .. و قال أحد عملاء المخابرات الأمريكية " لقد كانوا على درجة عالية من الاندفاع و الجنون، بحيث يصعب
إقناعهم بما هو منطقي "، ثم استطرد قائلا " .. و كانوا على درجة من التصلّب و الجمود، كما لو كانوا يمضون في مهمة إلهية . في ختام الكتاب يقول سيمور هيرش " كيف استطاع ثمانية أو تسعة من المحافظين الجدد، الذين يؤمنون أن حربا في العراق ستكون الرد على الإرهاب الدولي، أن يتغلّبوا على البيروقراطية، و أن يخضعوا الإعلام، و يضللوا الكونجرس، و يسيطروا على الجيش ؟ . هل أصبحت ديموقراطيتنا هشّة إلى هذا الحد ؟ .. على ضوء كل هذا، لا يبدو المستقبل في نظري لامعا


الولاية الثانية للرئيس بوش أسوأ

يرى الكثيرون أن الولاية الثانية لجورج دبليو بوش أفضل ـ أو ستمون أفضل ـ من ولايته الأولى، باعتبارها الولاية الأخيرة له . لكن حقيقة الأمر أنها ستكون أسوأ، لأنّها الفرصة الأخيرة لعصابة المحافظين الجدد، التي يتزعّمها ديك تشيني، في تثبيت أقدامها، و توريط الشعب الأمريكي في أوضاع يصعب التراجع عنها، تعتبر تطبيقا حرفيا لمؤامرة رجعية يرجع تاريخها لأيام ريجان، و تعتبر الهدف الأبعد لفئة كبار الأثرياء و المحتكرين، في مجال السلاح و البترول و المقاولات .. لقد نجح ديك تشيني في فرض معظم سياساته و رجاله على بوش، منذ بداية ولايته الأولى .. و نجح في إقناع بوش أنه مبعوث العناية الإلهية لشعوب العالم، و أن الشعوب لا تعرف مصلحتها، و عليها أن تمتنع عن إبداء تململها ممّا تقوم به الإدارة الأمريكية من غزو و احتلال و تقتيل، و تآمر و تأليب و اغتيال، فهذه هي التضحيات الضرورية التي ستحوّل البلاد إلى نعيم منشود

خطب و تصريحات بوش حافلة بأقواله التي تكشف عن الهوس الذي يستولي عليه، و الذي تغذّيه عصابة الرجعية الجديدة، من تشيني إلى رامسفيلد إلى كونداليزا إلى نيجروبونتي .. ففي كل خطوة مثيرة للجدل يخطوها بوش، تراه يقول بكل براءة و ابتسامة ساذجة ترتسم على وجهه " لقد أمرني الله أن أفعل كذا .. ففعلت .."، قالها بالنسبة لغزو أفغانستان، ثم كررها عند غزو العراق

و إلى الرسالة التالية، لنرى كيف لعبت أصابع ديك تشيني و عصابته

ليست هناك تعليقات: