الجمعة، أكتوبر ١٢، ٢٠٠٧

أمريكا ...الشعب



مخاوف العودة إلى عهد ماكارثي

في السنوات القليلة السابقة، تحرّك قادة اليمين السياسي المتطرّف من الهامش، لكي يتحكّموا في الجانب الأكبر من الحكومة القومية، و العديد من حكومات الولايات .. و هدفهم الواضح هو المضي القهقرى بما أطلق عليه الأمريكيون " المجتمع العظيم "، و بالمكاسب الثقافية و الاجتماعية و السياسية التي تعود إلى الستينيات .. بعض هذه الشخصيات و المؤسسات تتمنّى أن تعود بحكومة الولايات المتحدة، و بعلاقاتها مع المواطنين، لما كان الحال عليه قبل عصر التقدّم .. غير أن جهدهم المشترك لإعادة صياغة المجتمع الأمريكي، توحي بشبه مزعج مع عصر ماكارثي
صاحب هذه الدراسة هو جارا لامارش، الذي أمضى حياته في الخدمة العامة، بمراكزه المختلفة في اتحاد الحريات المدنية الأمريكي، و بتوليه مسئولية إدارة برنامج حريّة التعبير في مركز (القلم) الأمريكي، و بعمله كمدير مشارك في هيومان رايتس ووتش، ثم بموقعه الحالي كنائب رئيس و مدير للبرامج الأمريكية لمعهد المجتمع المفتوح بفضل تمويل و رؤية محب الإنسانية جورج سوروس، تكفّل معهد المجتمع المفتوح بنطاق واسع من المبادرات، تستهدف تشجيع المجتمعات المفتوحة، عن طريق تشكيل السياسات الحكومية، و دعم التعليم و الإعلام و الصحة العامة و حقوق الإنسان و المرأة .. بالإضافة إلى تشجيع الإصلاح الاجتماعي، و القانوني و الاقتصادي
يتساءل جارا لامارش " لماذا أعتقد بوجود خطر جاد و منظّم لمجتمعنا المفتوح ؟ . قبل أن أجيب على هذا السؤال، أريد أن أراجع معكم تاريخ معهد المجتمع المفتوح، و التفكير الذي يكمن وراءه
في السنوات العشر الأولى، بفضل رعاية جورج سوروس و تشجيعه، استطاع أن يرسي أسس المجتمع المدني في دول تمرّ بمرحلة انتقال من المجتمع المغلق إلى المجتمع المفتوح، و أن يساعدها على اجتياز تلك " اللحظة الثورية " . و كان معظم هذه الدول من أوروبا الشرقية و الوسطى، من حكومات الاتحاد السوفييتي السابق، و التي كانت خاضعة للنظم الشيوعية .
الشيء المشترك بين تلك الدول، هو غياب أي وسيلة حقيقية لمراجعة قوّة الحكومة . كانت الانتخابات و المحاكم محاطة بأسوار، كما كانت المعارضة السياسية مكبوتة .. و أي نشاط حرّ في وسائل الإعلام، أو المؤسسات الأكاديمية و القانونية و الفنون، من الممكن أن يساعد على تحدّي الحقيقة الرسمية، كان يحطّم .
أمّا الدين، بقدر ما كان يسمح به، جرى استغلاله كسلاح في يد الدولة . على ضوء هذا الميراث، كانت المهمة الرئيسية لمؤسسة سوروس هي دعم خلق أو إحياء المؤسسات المستقلّة
السوق الحرّة ..ليست الحل

يقول لامارش " في منتصف التسعينيات، عندما أولى سوروس اهتمامه للبلد الذي اختاره، الولايات المتحدة، قارن تحديات المجتمع المفتوح هنا، بتلك التي يواجهها في باقي دول شبكة نشاطه . فأيقن أن الديموقراطية و الحرّيات المدنية كانت مؤمّنة نسبيا في المجتمع المفتوح النموذجي .. إذا كان العالم الشيوعي السابق متميّزا بكبت نشاط السوق، فالمشكلة في الولايات المتحدة كانت في إفراطها .. نويت جينجريش الجمهوري الذي تولّي الكونجرس عام 1994، رأى السوق باعتبارها الحل لكل شيء، حتّى لو أضر ذلك بأخلاقيات المهنة، و بالمعايير، و بالقيم السائدة .." .
لقد سعت برامج معهد المجتمع المفتوح إلى تحدّي هذا التوجّه، و بصفة خاصّة الإصرار على استمرار العوائق العرقية و الطبقية في مجالات المساواة أمام العدالة، و الفرص، و التعليم . و يضيف لامارش " لقد حاولنا أن نرعى الحوار حول قوانين العقاقير، و المستقبلات الحضرية، و إصلاح التعليم العالي، كما ساندنا السياسات و المطالب الشعبية و الجهد القانوني لتخفيض حالات الحبس الجماعي . لقد بقيت هذه الموضوعات على أهميتها القصوى . لكن على الساحة السياسية الأوسع، اهتزّت أعمدة المجتمع المفتوح، التي تجعل التقدّم الاجتماعي ممكنا
ماذا فعل بنا 11 سبتمبر ؟

كشفت استجابة الولايات المتحدة لهجوم 11 سبتمبر2001 عن حقيقة أن الحريات المدنية في الولايات المتحدة كانت أبعد ما تكون عن الأمان، هذا هو ما يقوله لامارش . فبعد أسابيع، انطلقت القوانين المقيدة للحريات بسرعة الصاروخ عبر الكونجرس بأقلّ معارضة، مئات العرب و المسلمين و الآسيويين الجنوبيين جرى تكديسهم في معتقلات لا يمكن الوصول إليها، و بدأ إعداد المحاكم العسكرية التي تفتقد إلى حد بعيد أي إمكان لحماية حق المعتقلين، و استعدت تلك المحاكم للتعامل مع المقاتلين الأعداء
و العديد من تلك الانتهاكات أصبحت ممكنة نتيجة استغلال المخاوف الطبيعية حول الأمن، في أعقاب أهم الأحداث دراماتيكية لهجوم على الأرض الأمريكية، على مدى 60 سنة . و قياسا على ما جرى في عصر ماكارثي، و الحرب اليابانية الأمريكية من 1941 إلى 1945، لم تفقد الجماعات الرئيسية المدافعة عن الحقوق المدنية ( و التي يدعم معهد المجتمع المفتوح معظمها )، لم تفقد صوتها أم تنسى مبادئها . منذ البداية، كانت هناك معارضة قوية و واضحة .
و يشير لامارش إلى أن الجمهور الأمريكي قد أصبح متشككا في " الإنذارات " بهجمات إرهابية، التي يبدو من توقيتها أنها تجيء عادة في حالات الضعف السياسي للنظام، أو لانكشاف بعض خباياه أمام الناس
يقول لامارش " ينصب اهتمامي على الضرر الذي لحق بالمؤسسات المستقلة و المعارضة في الولايات المتحدة . إننا أكثر قربا الآن من نظام أمريكي تحكمه أيديولوجية، و حزب واحد .. يقوم على شراكة مستورة مع إعلام متعصب و الأكثر رجعية، و مع القوى الدينية، ممّا يخلق شيئا أشبه بالحكومة الدينية .." .
و يضيف أنه ليس مهما أن نصدق حدوث سطو على انتخابات 2000 أو 2004 ( رغم ما ثبت من تلاعب قانوني يعوق قليلي الدخل و الأقليات من بين الناخبين )، ليس مهما للتدليل على أن الديموقراطية ذاتها قد جرى التلاعب بها، من اجل الانفراد بالقوّة .. لقد بذل الجمهوريون جهدا جادا لتغيير القواعد، بحيث يصبح الوضع أكثر سهولة بالنسبة للأغلبية لتمضي في طريقها، و لإزالة كل ما يعوق سرعة إصدار القوانين، و كل ما كان يتيح للأقليات إبطاء أو اعتراض مرور التشريعات التي في صالح الجمهوريين
و هو يقول أن " الاحتمال النووي "، الذي كان يصرّ عليه بيل فيريست زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، و أعوانه، لم يكن له سوى هدف واحد، ألا وهو تأمين تعيين قضاة يمينيين متشددين على مدى حياتهم، و هم الذين سيزيلون آخر العقبات الباقية أمام سيادة نظام الحزب الواحد
يقول الكاتب جالا لامارش " مع كل حديث الرئيس بوش و الآخرين، عن ( ثقافة الحياة ) ـ والذي هو بصفة خاصة جانب مرير من نفاق مؤلفي حرب العراق، و الذين يهاجمون سلامة شبكة المعلومات، و الدعوة إلى حماية البيئة .. و المدافعين عن عقوبة الإعدام ـ نكتشف أن ( ثقافة القانون ) هي التي تتعرّض للخطر في الولايات المتحدة هذه الأيام .."
ثم يستطرد، إنه القانون، و الدستور و حقوق الإنسان بالتحديد، التي يقصد بها إنقاذنا من النفوذ الزائد و المؤقّت للأغلبية المتهيّجة . المؤسسون الأوائل أعطوا للقضاة الفدراليين ولاية مدى الحياة، لهدف محدد هو تأكيد قدرنهم على مقاومة ضغوط الأغلبية
بوش يعتدي على المجتمع المدني

في هذا الجانب من الدراسة التي قام بها الكاتب الأمريكي جارا لامارش عن أزمة الديموقراطية الراهنة في أمريكا، يستعرض بالتحديد انعكاس هذه الأزمة، متمثّلا في العدوان الذي يجري على مؤسسات المجتمع المدني، سواء في وسائل الإعلام، أم في المجال الأكاديمي و الجامعات، أم في المؤسسات الخيرية التي لا تستهدف الربح .. و يشرح كيف يسعى اليمين المتطرّف بقيادة عصابة المحافظين الجدد، إلى تخريب كل ما كانت تعتزّ به أمريكا، و تكتسب به صفة الريادة في الحرية و التحرر
و هو يقول أن وسائل الإعلام هي أرض المعركة الكبرى في أزمة الديموقراطية الراهنة . و هذا ليس أمرا جديدا علينا، و إن كان لامارش يطرح التفاصيل الدقيقة له . فأي مقارنة بين وسائل الإعلام الأمريكية التي تتحكّم فيها الرأسمالية الكبرى، في مجالات تجارة السلاح، و البترول، و المقاولات، و بين وسائل الإعلام في باقي أنحاء العالم، تكشف عمليات التلفيق التي تمارسها هذه الوسائل، مثل ما تفعله فوكس في كل أدواتها الإعلامية، و ما تلتزم به قناة سي إن إن على سبيل المثال، و ما تخطط له، و تلحّ به هوليوود من أفلام ينضح معظمها بالتوجيهات الدائمة لحساب تلك القوّة الرأسمالية الحاكمة
و في الرسالة التالية نكشف عن جانب من الوجه النظيف لأمريكا، متمثلا في الأمريكيين الشرفاء، الذين يسعون إلى كشف أبعاد المؤامرة الحالية