كراهية النظام الأمريكي..
عند معظم شعوب العالم !
قال الصديق الذكي، الذي افتقدت حواراته طويلا " الحديث عن كراهيتنا لأمريكا يخرج بنا من النطاق الفكري و السياسي، إلى ساحة العواطف و المشاعر .." . فسألته " وجهة نظري بالنسبة للمسألة الأمريكية، تتجاوز مشاعر الكراهية .. إن الذي يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، يؤذن بشر مستطيرـ لا يحيق فقط بشعوب العالم، كما حدث مع أفغانستان و العراق ـ و لكنه يلحق بالشعب الأمريكي نفسه، الذي سيفيق على كارثة، أشفق عليه منها .." . قاطعني الصديق الذكي مبتسما " و الإشفاق أيضا يا عزيزي .. عواطف .." .
الصديق الذكي محقّ فيما قاله، لكن كراهية أمريكا في قياسات الرأي العلمية، لا تقتصر على جماعة دون أخرى، و لا تقتصر على شعب دون آخر، و لا قارة دون أخرى .. و أسباب الكراهية موضوعية و ليست عاطفية . و قد يفيدنا هنا أن أشير إلى مقال للكاتب ريتشارد سبيد، يطرح فيه كتابا جديدا للكاتبين باري و جوديث كولب، عنوانه " كراهية أمريكا : تاريخ " . صاحب المقال ريتشارد سبيد محاضر في قسم التاريخ، بجامعة هايويرد بولاية كاليفورنيا. و هو يصدّر مقاله بعبارة مقتبسة للكاتب الشهير أوسكار وايلد، يقول فيها :
" أمريكا هي الدولة الوحيدة التي مضت من مرحلة البربرية إلى مرحلة التحلل و الانحطاط .. دون ما حضارة بينهما .." .
يتساءل مؤلّف الكتاب قائلا : " لماذا يكرهوننا ؟ " .. هذا السؤال يبدو أنه أصبح على كل شفاه هذه الأيام، و يبدو أن لكل واحد رأيه حول هذا . وفقا للبعض، الناس في أنحاء العالم، ببساطة، " يكرهون ديموقراطيتنا " . بالنسبة لآخرين، يكرهون وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، ضد الشعب الفلسطيني، بما يسلبه حقه الطبيعي .. و في أوروبا، من الشائع القول بأن الأمريكيين يتصرّفون كرعاة بقر مغرورين، و بأننا متعصبون دينيا، نحاول أن نفرض طرقنا على باقي العالم . أمّا المتطرّفون ـ و حتّى المعتدلون ـ في أمريكا اللاتينية يصرّون على أن الولايات المتحدة مسئولة عن الفساد السياسي الشائع جدا في تلك الأنحاء .
الكراهية ليست جديدة
و يستطرد الكاتب قائلا أن قلة هي التي تعلم أن هذه الكراهية ليست جديدة، و هو هنا يشير إلى كتاب " كراهية أمريكا: تاريخ " . و الكتاب دراسة تاريخية، حول ظروف الهجرة إلى القارة الجديدة، و نوعية المهاجرين، و طبيعة العقد التي أتوا بها من العالم القديم .. الأمر الذي قد لا تكون علاقة قوية بمصادر الكراهية المعاصرة .
يقول سبيد، أن الكتاب يضع الكراهية المعاصرة لأمريكا في سياقها التاريخي، باستعراض الظاهرة على مدى ثلاثة قرون . في المرحلة الأولى من كراهية أمريكا، حاولت الصفوة الفكرية الأوروبية أن ترجع التخلّف الأمريكي إلى البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الأمريكيون . و في المرحلة الثانية، و التي بدأت في العصر الثوري، أرجع تحلل الأمريكيين إلى البشر . و حتّى في أيام جيفرسون، كان ينظر إلى الأمريكيين باعتبارهم سلالة خليط من لغات تجمّع من مجرمي أوروبا، المنبوذين، المتعصبين دينيا، الفاشلين .. و باختصار حثالة المجتمع الأوروبي .
إذا انتقلنا إلى التاريخ القريب، خلال القرن التاسع عشر، كانت عداوة أمريكا التوجّه الثقافي لكل من اليمين المحافظ الذي كان يحتقر ( الجماهير )، و اليسار الرومانتيكي، الذي تحمّس و تخوّف في نفس الوقت تجاه ( الطبقات الخطيرة ) .
و مع تفجّر الثورة البلشفية، اكتسب العداء لأمريكا دعما حكوميا . فانضمت معاداة الرأسمالية، إلى معاداة الولايات المتحدة، في الدعايات المنتشرة التي يقوم بها الاتحاد السوفييتي . و بالنسبة إلى اليمين، ربطت الفاشية بين معاداة السامية و معاداة أمريكا .
و خلال 45 سنة، هي عمر الحرب الباردة، خفتت معاداة أمريكا في أوروبا الغربية، لأن دول لك المنطقة كانت تعتمد على الولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفييتي . و هي في الحقيقة خفتت في أماكن عديدة ما عدا فرنسا، التي كانت دائما مصدرا قويا لكراهية أمريكا .
السلالة الشريرة الجديدة
لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، و اختفاء الإمبراطورية الروسية، بدأت ثانية موجة خوف هستيرية من ( القوّة الهائلة الكبرى ) للولايات المتحدة .
في ختام تعليقه على الكتاب، يقول الأستاذ ريتشارد سبيد " يصف المؤلفان في سلسلة من الفصول كيف تجسدت كراهية النمط الأمريكي بين شعوب أمريكا اللاتينية، ثم بين شعوب الشرق الأوسط " . و يستطرد سبيد قائلا أن المؤلفين حاولا إرجاع تلك كراهية أمريكا في الشرق الأوسط، إلى رغبة حكام هذه الشعوب في التغطية على فشل المجتمعات الإسلامية في التوافق مع الحداثة . و يقول أن المؤلفين باري و جوديث روبين يعتقدان أن مثقّفي العالم الثالث يتبنون بشكل عام مقولات العداء لأمريكا القديمة، لكي يطبقونها على النظام السائد فيما بعد انقضاء الحرب الباردة . و يلخّص سبيد رأيه في الكتاب قائلا " من الواجب الإشارة إلى أن المؤلفين قد فشلا في مناقشة كراهية أبناء الشعب الأمريكي للنمط الأمريكي في الحياة، منذ حرب فييتنام .. كراهية أمريكا، هي في الحقيقة دليل فهم لنمو و انتشار أيديولوجية أخرى للشعور بالاضطهاد، و هي تحمل أوجه شبه لا تخطأ من معاداة السامية .. السلالة الشريرة الأسبق .." .
و إلى الرسالة القادمة لنرى وضع أمريكا الحالي وفقا المعنى المعاصر للتخلّف