الأربعاء، مايو ٢١، ٢٠٠٨

خنجر فوكوياما في جسد "المحافظون الجدد"

جاء كلينتون.. و انصرف،

وبدأت أكاذيب و فضائح بوش

سقط بوش الأب في الانتخابات، و جاء كلينتون . غير أن شيني طليعة مقاتلي تجار السلاح و البترول لم يصمت .. أسرع في الأيام الأخيرة لوجوده في مكتبه بإجراء تعديلات في خطته السابقة، ليجعلها خفيفة على قلب الإدارة الجديدة .
لكن الإدارة الجديدة رفضت الخطة بلباقة . لقد سعى كلينتون إلى تعظيم وضع القوّة الراهن لأمريكا، و إلى تنمية مصالحها، من خلال الدبلوماسية الاقتصادية، و المؤسسات التعددية الأمريكية ( الخاضعة لسيطرة أمريكا )، و من خلال تجارة حرّة عالمية أوسع، و تنمية التحالفات الصديقة .. باختصار : تحوّلت السياسة الأمريكية من السيطرة على العالم، إلى العولمة .
خلال ثماني سنوات، هي حكم كلينتون، لم تهدأ الجماعة التي كانت على أقصى يمين الحزب الجمهوري، و تمخّض جهدهم عن " مشروع القرن الأمريكي الجديد "، الذي أشرنا إليه . كانت هذه الجماعة تضم مقاتلين أشداء، من أمثال دونالد رامسفيلد، و ديك تشيني، و جيمس وولسي، و بول وولفويتز, و ريتشارد بيرل، و بيل كريستول، و زالماي خليل زاد ( الذي عمل كحاكم مدني على أفغانسـتان بعد غزوها،ثم سفيرا لأمريكا في العراق، و حاليا ممثل أمريكا في الأمم المتحدة )، و آخرين . و قد اختار هؤلاء لافتة " المحافظون الجدد "، باعتبارها أكرم من " الرجعيون الجدد "، وظلوا يترقبون على نار، حتّى انتهت رئاسة كلينتون، و جاءت اللعبة المناسبة، جورج دبليو بوش .

عندما تصبح الكارثة أمنية !

في إدارة بوش الابن تربعت القبيلة بكاملها على كراسي الحكم، و احتلت أهم المناصب، فسيطرت بالكامل على صناعة القرار العسكري . و لكن، من أجل الشروع في حملاتهم العسكرية الخارجية، دون إثارة التحفظات، من داخل الحزب و خارجه، و من العناصر الأشد محافظة مثل الانعزاليين الذين يرفضون توسيع نطاق دور الحكومة الفيدرالية و يعارضون المغامرات العسكرية الخارجية .
في أحد التقارير الرئيسية لجماعة المحافظين الجدد، و الذي وضع في عام 2000، وردت هذه الكلمات بالنص " عملية التحوّل، حتّى لو جاءت معها ببعض التغيرات الثـورية، تنسـحب في الأغلب على مدى زمني طويل .. وما ينقصنا هو حدث حافز كالكارثة .. أشبه ببيرل هاربور جديدة .." .
و تحقّق الأمل المنشود في الحدث المنقذ ..كارثة 11 سبتمبر ! .
هل هي صدفة، أم أن الحجاب قد كشف عن هؤلاء الرجعيين الجدد ؟ .. أم هل نستجيب لآراء العديد من المحللين، الذين يصل بهم الأمر إلى افتراض أن هذه المجموعة كانت تعرف بالكارثة القادمة عن طريق إسرائيل، و أعطت ظهرها حتّى تمّت بنتائجها الكارثية المطلوبة ؟..
بالمناسبة، في موقع على الإنترنيت، شاهدت تسجيلا، نصف الصورة الأيمن فيلم ارتطام الطائرتين بالبرجين، و النصف الأيسر الرئيس بوش مع فصل دراسي للأطفال يقرأ عليهم قصة " العنزة العنيدة "، و يظهر أحد المرافقين و يهمس في أذنه و ينصرف، فيواصل القراءة ..و في أسفل القسمين ساعة تحدد توقيت الأحداث هنا و هناك ثانية بثانية .. لم يظهر على بوش أي رد فعل للحدث الذي أبلغ به، و هذا يعني أحد أمرين : إمّا أنه ممثـل بارع، أو أنه كان يعلم مسبقا ! .
بهذه المناسبة، دعونا نورد لمحة ممّا أورده الإعلام الموالي لتجار السلاح ، و قبيلة المحافظين الجدد، و بالتبعية لجورج دبليو بوش ..
قال بوش للمذيع الشهير لاري كنج، على قناة سي إن إن الموالية للنظام بشدة، مدافعا عن تصرفه، بالبقاء لسبع دقائق خلال الهجوم، و بعد أن عرف بأمره :
" حسن .. كنت لتوّي قد أخبرت عن طريق أندرو كارد أن أمريكا تتعرّض لهجوم . كنت أستجمع أفكاري . و كنت أجلس مع مجموعة من الأطفال .. و وقتها اتخذت قراري بإنهاء هذا الجانب من البرنامج .." .
و في حديث أجراه مع بوش الصحفي سكوت بالترو، من ( ذا وول ستريت جورنال )، قال بوش بالنصّ ما ترجمته " كنت أجلس خارج حجرة الفصل الدراسي، أستعد للدخول إليها، فرأيت طائرة تصطدم بالبرج ـ من الواضح أن التلفزيون كان مفتوحا . و أنا قد تعودت على السفر بالطائرة، فقلت لنفسي : حسن، هاهو طيّار فظيع " .
يعلّق الصحفي قائلا أن بوش بعد عدّة أسابيع من قوله السابق، ردد نفس القصة، في لقاء عام بأونتاريو، كاليفورنيا .. و حقيقة الأمر أن مشاهد ارتطام أول طائرة بمركز التجارة العالمي لم تتم إذاعته على شاشات التلفزيون إلاّ في مساء ذلك اليوم، عندما تم التوصّل إلى لقطات الفيديو التي التقطها الهواة .. و يضيف الصحفي أن جهاز التلفزيون في الحجرة التي كان السيد بوش يجلس فيها، لم يكن حتّى موصّل بالتيار، وفقا لأقوال السيدة ريجيل ناظرة المدرسة ! ..
يعتقد البعض أن هذا التخبّط في أقوال بوش، لا يرجع فقط إلى محاولة الكذب و اختلاق قصّة يراها مناسبة، و لكن لتعاطي بعض العقاقير التي يصفها له أطباء البيت الأبيض، لمواجهة نوبات الاكتئاب الشديدة التي تصيبه .

غنائم أثرياء السلاح

و بدأ أثريـاء السلاح في جمع الغنائم .. و تم رفع ميزانيات التسـليح بأكثر من طريقة، و لأكثر من غرض .. المهم أن تتحوّل بلايين الدولارات إلى خزائن صنّاع السلاح . و جاء هذا بالطبع على حساب الشعب الأمريكي، و نتج عنه تخفيضات جوهرية في ميزانيات الخدمات الأساسية من تأمين اجتماعي و تعليم و صحة . فماذا قال الرئيس بوش في تبريره لهذه الجريمة :
" كنّا نود أن نواصل تمويل التعليم، و عمليات حماية البيئة، و توفير الدواء للمسنين من خلال التأمين الصحي .. و لكن، كما ترون لا توجد أموال زائدة، تبقّت لنا بعد ملاحقتنا للأشرار .. إنّها ليست غلطتنا " .
كلام عجيب .. لو أن الشعب الأمريكي يصدّقه، فألف سلامة على عقول شعوبنا .
المهم، ماذا حدث للمشروعات العديدة التي تراكمت منذ أيام بوش الأب، و حتّى ولاية بوش الابن، مرورا بسنوات حكم كلينتون ؟ . ظهرت خلاصة المشروعات القديمة في مشروع " إعادة بناء الدفاعات الأمريكية : استراتيجية، و قوات، و موارد للقرن الجديد " . و ما هو جوهر هذا المشروع ؟ . بعد خروج الاتحاد السوفييتي من الصورة،الآن هو أكثر الأوقات " مناسبة لفرض المصالح و المبادئ الأمريكية .. التحدي الذي يجيء مع القرن الجديد هو الحفاظ على هذا ( السلام الأمريكي ) و تنميته " . و كيف تتم المحافظة على ذلك السلام الأمريكي و تنميته ؟، تقول الأوراق " بالحرب، و بالتحديد بكسب الحروب المتعددة، التي تحدث في نفس الوقت على نطاق واسع " .
و كانت خيبة الأمل الكبرى في أفغانستان و العراق .. و كان المستنقع الذي يتجاوز مأساوية مستنقع حرب فييتنام، لو أدخلنا في اعتبارنا تغيّر الزمن، و تغيّر وعي الجمـاهير، في أمريكا و في العالم .. هذه النتيجة المؤلمة خيّبت أمل مهندسي الفكر في قبيلة " المحافظون الجدد "، الذين كانوا قد تصوّروا نجاح العمليات العسكرية في أفغانستان و العراق .. و حلموا بالجماهير في كلّ من البلدين تهتف مرحّبة بالحرب الأمريكية .. و تطلب من سحرة النظام الأمريكي أن يخططوا لهم تفاصيل الطريقة المثلى لإعادة بناء هذه الدول المحتلّة، و غيرها من الدول العربية و الإسلامية التي لم تحتل بعد ..
فأصبح شعار إعادة بناء الدول من الشعارات الرائجة في أمريكا .. و قبل أن نستعرض الكتاب الأهم في هذا الصدد لفرانسيس فوكوياما " بناء الدولة"، دعونا نستعرض ما صدر عن (رانـد)، التابعة للبنتاجون، قبل ذلك، باسم " الدور الأمريكي في بناء الدولة، من ألمانيا إلى العراق " .


* * *

و إلى الرسالة التالية، لنرى المستنقع الأمريكي بالعراق، و خبرة بناء الدول المزعومة !