المستنقع الأمريكي بالعراق
و خبرة بناء الدول المزعومة
" راند "، مؤسسة أبحاث تابعة للسلاح الجوي، في وزارة الدفاع الأمريكية . و من بين أهم منشوراتها، كتاب " الدور الأمريكي في بناء الدول .. من ألمانيا إلى العراق "، الذي ظهر في النصف الثاني من عام 2003، قامت به إدارة أبحاث الأمن القومي، لحساب مكتب وزير الدفاع، و عدّة جهات أخرى، من بينها وكالات الدفاع و الإدارة البحرية و مجتمع المخابرات الأمريكية . و دراسات راند النظرية تتحوّل إلى استراتيجيات و خطط حربية، تعتمد عليها الولايات المتحدة في حروبها التوسّعية، في إطار الوهم الخطير الذي يعشّش في عقول مجموعة الرجعيين الجدد التي تسيطر على الإدارة الأمريكية .
الكلام في راند يجيء صريحا للغاية، و يساعدنا في سعينا للتعرّف على المخططات الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية، بعيدا عن الأكاذيب المتوالية التي تصدر عن قياداتها .
من ذلك، ما ساعدني شخصيا في فهم جوهر التحركات الأمريكية الجارية تحت شعار الشرق الأوسط الكبير . كتاب صدر عن راند عام 2004، يحمل عنوان " بيئة الأمن المستقبلية في الشرق الأوسط: الصراع، الاستقرار، و التغيير السياسي " .
في ذلك الكتاب، و تحت عنوان " مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط "، ورد الترتيب الحقيقي الصادق لمصالح أمريكا في المنطقة .. و جاءت الديموقراطية بشروط و في آخر القائمة ! . وردت المصالح الأمريكية الست بالترتيب و الأولوية التالية :
أولا : مواجهة الإرهاب، خاصة بعد 11/9 ، حيث تحوّل الصديق و الحليف بن لادن إلى ألدّ الخصوم .
ثانيا : مواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل . ( و هو المبرر الذي استندت الإدارة الأمريكية، كذبا، لغزو العراق )
ثالثا : ضمان البترول بالسعر المناسب .
رابعا : ضمان استقرار الأنظمة العربية الصديقة ( الحديث هنا يكون أساسا عن السعودية و مصر ) .
خامسا : ضمان أمن إسرائيل . ( لاحظ أنه تالي في الأهمية لاستقرار الأنظمة الصديقة !) .
سادسا : تشجيع الديموقراطية و حقوق الإنسان، و لكن بنبرة هادئة، و مع عدم دعم العلاقات مع خصوم النظم الحاكمة الذين يرفعون هذه الشعارات .
فن اغتيال قادة الخصوم !
من بين كتب راند، كتاب بعنوان " عمليات ضد قادة الخصوم " . و يشرح الكتاب تنوّع تلك العمليات بين الهجوم المباشر، و حبك المؤامرات، و إثارة الفتن . و يقول أن الكتاب يتضمّن تحليل 24 حالة من محاولات اغتيال القادة خصوم أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية .. و كيف أن هذه المحاولات لم تنجح إلاّ مع الأدميرال الياباني إيسوروكو ياماموتو، الذي أسقطت طائرته أثناء الحرب . يحكي، ببساطة و براءة، عن محاولات اغتيال فاشلة استهدفت فيديل كاسترو، و معمر القذافي، و صدام حسين، و محمد فرح عيديد، و أسامة بن لادن، و أخيرا و ليس آخرا سلوبودان ميلوسيفيتش ! .
قائمة الكتب طويلة، و هي مفيدة لكل من يريد أن يتعرّف على العقلية البرجماتية (الذرائعية) الأمريكية، التي تؤمن بأن كلّ ما هو نافع، فهو موجود و يعتبر خيرا . كتب عديدة عن مواجهة الإرهاب الجديد، و إرهاب عصر المعلومات، و استغلال الصراعات العرقية، و مصادر الصراع في القرن الحادي و العشرين، و ظهور الخصوم المنافسون، و عدّة كتب عن الصين و ما تشكّله من تهديدات لأمريكا ..
بناء الدول .. آخر صيحة !
آخر صيحة في الإدارة الأمريكية هي بناء الدول . و الكتاب الذي اخترناه من بين كتب بناء الدول ظهر عام 2003 تحت اسم " الدور الأمريكي في بناء الدول.. من ألمانيا إلى العراق " .
و قد جاء في مقدمة الكتاب " هذا التقرير يتضمن نتائج دراسة حول أفضل ممارسات في بناء الدول . هدفه هو تحليل النشاط الأمريكي و الدولي، العسكري و السياسي و الاقتصادي، في أعقاب أوضاع الصراعات، منذ الحرب العالمية الثانية .. و طرح الاحتمالات بالنسبة العمليات العسكرية الأمريكية المستقبلية . هذا التقرير يتضمن الدروس المسـتفادة من كلّ من هذه العمليات، ثم تطـبيقاتها على حالة العراق " .
يقول الكتاب أنّه منذ نهاية الحرب الباردة، استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية قدرا ملموسا من الموارد العسكرية و السياسية و الاقتصادية، لإدارة عملياتها في أعقاب الصراعات و القلاقل المدنية . ( هنا قد يتساءل القارئ عن سرّ اهتمام الولايات المتحدة بملاحقة الصراعات و القلاقل في أنحاء العالم الأربعة .. للإجابة، نحيله إلى " مشروع القرن الأمريكي الجديد "، الذي وضعته مجموعة من المحافظين الجدد التابعين للمحافظ الأكبر ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، و الذي التزمت به إدارة جورج دبليو بوش، و الذي يستهدف السيطرة الأمريكية المطلقة على العالم بأكمله، الأصدقاء قبل الأعداء ! ) .
كتالوج التسميات ..
يقول الكتاب " لقد استخدمت عدّة مصطلحات متنوعة، على مدى 57 سنة مضت، لوصف النشاط الذي نسعى إلى تحليله . كان يشار إلى العمليات الألمانية و اليابانية باصطلاح (احتلال) . أما عمليات الصومال، و هاييتي، و البوسنة، فقد كان يطلق عليها بشكل عام اصطلاح ( مهمة حفظ السلام، أو فرض السلام ) . لكن الإدارة الأمريكية الحالية تميل إلى مصطلحات مثل (إحلال الاستقرار) و (إعادة البناء)، عندما تشير إلى العمليات التالية للصراعات في أفغانسـتان و العـراق "، ثم يقفز الكتاب قفزة بهلوانية فيقول " في جميع هذه الحالات كان الهدف هو استخدام القوّة العسكرية لدعم العملية الديموقراطية "(!!!) . و يعود ليستدرك قائلا أن جميع تلك الاصطلاحات التي أوردها لا تعبّر بشكل كامل عن نطاق مثل تلك العمليات .. و لا حتّى تعبير ( بناء الدول )، و إن كان هو الأقرب إلى التعبير الأكثر دقّة .
يختار الكتاب لدراسته سبع حالات تاريخية : ألمانيا، و اليابان، و الصومال، و هاييتي، و البوسنة، و كوسوفو، و أفغانستان . و يقول الكتاب " نحن لم نضمّن الخبرات الاستعمارية للولايات المتحدة الأمريكية في الفليبين، لأن محاولة التحوّل المجتمعي هناك كان يقصد بها أن تنسحب على عدة أجيال .. كما لم نورد تدخلات زمن الحرب الباردة في كوريا و فيتنام و جمهورية الدومينيكان و لبنان و جرينادا و بنما، نظرا لأن عمر تلك التدخلات كان قصيرا (!!)، و كانت أهدافها السياسية محدودة .." .
طبعا الكلام غريب، و إلى حد ما مضحك ..
حرب أمريكا في فيتنام كانت تدخـلا قصيرا، و بأهداف سـياسية محدودة ؟! .. و إذا كان الهدف من هذه الدراسة هو الاعتماد على دروسها المستفادة في الحرب العراقية، فلماذا لم يركّز الكتاب على دروس الخيبة الشاملة في مستنقع فيتنام، لنعقد المقارنات مع خيبتها الحالية في الحرب العراقية ؟ .
من أجل التوصّل إلى أفضل الممارسات التي تقود إلى الديموقراطية، يعمد الكتاب إلى
من أجل التوصّل إلى أفضل الممارسات التي تقود إلى الديموقراطية، يعمد الكتاب إلى
أولا : وصف طبيعة التسوية التي أنهت الصراع .
ثانيا : وصف أبعاد المشكلة، لتطوير أفضل الممارسات التي نحتاجها، للتعرّف على مدى التحديات التي تواجه الولايات المتحدة، من خلال الحالة التي تجري دراستها .
ثالثا : وصف الترتيبات المؤسسية و السياسات التي جرى تبنيها خلال العملية . و بصفة خاصة دور الولايات المتحدة و غيرها من الدول، و المنظمات الدولية المعنية في عمليات إعادة البناء .
رابعا : امتحان كيفية تطوّر العملية مع مرور الزمن، كيف استقرت بيئة الأمن، أو كيف تدهورت؟، و كيف أصبح الوضع الإنساني، و كيف تأسست الإدارة المدنية، و كيف تطوّرت العملية الديموقراطية، و كيف سارت عملية إعادة البناء الاقتصادي ؟ .
خامسا : تقييم كل عملية، و الاعتماد على مختلف التقييمات في التوصّل إلى أهم الدروس المستفادة، من مقارنة الخبرات السابقة .
أخيرا : تطبيق هذه الدروس المستفادة على حالة عملية العراق . التحـديات التي نواجهها في إعادة بناء العراق . و التوصيات الأكثر فعالية لخلق عراق سليمة اقتصاديا، و ديموقراطية .
و السؤال المطروح .. هل تحقّق ذلك في حالة العراق ؟ .. و لماذا تؤكّد الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها أمريكا في عملية العراق، في التحضير، وفي عهد بريمر، و حتّى الآن، عدم وجود دروس مستفادة ؟ .. على أي حال .. دعونا نستعرض باقي الكتاب، لعلنا نحصل على إجابة شافية .
و رغم أن الكتاب ينطلق من كذبة كبرى، تتصل بالأهداف الحقيقية لأمريكا، من تدخّلاتها و مؤامراتها و حروبها، و يحاول إسباغ صفة إنسانية على المذابح الكبرى التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، سـعيا وراء المزيد من الأرباح لطبقة كبار أثرياء السـلاح و البترول و المقاولات التي تحكمها .. رغم هذا، فقد يكون من المفيد أن نرى كيف تفكّر الولايات المتحدة الأمريكية في تبرير استغلالها للبشر، داخلها و خارجها .. في الرسالة التالية .
ثانيا : وصف أبعاد المشكلة، لتطوير أفضل الممارسات التي نحتاجها، للتعرّف على مدى التحديات التي تواجه الولايات المتحدة، من خلال الحالة التي تجري دراستها .
ثالثا : وصف الترتيبات المؤسسية و السياسات التي جرى تبنيها خلال العملية . و بصفة خاصة دور الولايات المتحدة و غيرها من الدول، و المنظمات الدولية المعنية في عمليات إعادة البناء .
رابعا : امتحان كيفية تطوّر العملية مع مرور الزمن، كيف استقرت بيئة الأمن، أو كيف تدهورت؟، و كيف أصبح الوضع الإنساني، و كيف تأسست الإدارة المدنية، و كيف تطوّرت العملية الديموقراطية، و كيف سارت عملية إعادة البناء الاقتصادي ؟ .
خامسا : تقييم كل عملية، و الاعتماد على مختلف التقييمات في التوصّل إلى أهم الدروس المستفادة، من مقارنة الخبرات السابقة .
أخيرا : تطبيق هذه الدروس المستفادة على حالة عملية العراق . التحـديات التي نواجهها في إعادة بناء العراق . و التوصيات الأكثر فعالية لخلق عراق سليمة اقتصاديا، و ديموقراطية .
و السؤال المطروح .. هل تحقّق ذلك في حالة العراق ؟ .. و لماذا تؤكّد الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها أمريكا في عملية العراق، في التحضير، وفي عهد بريمر، و حتّى الآن، عدم وجود دروس مستفادة ؟ .. على أي حال .. دعونا نستعرض باقي الكتاب، لعلنا نحصل على إجابة شافية .
و رغم أن الكتاب ينطلق من كذبة كبرى، تتصل بالأهداف الحقيقية لأمريكا، من تدخّلاتها و مؤامراتها و حروبها، و يحاول إسباغ صفة إنسانية على المذابح الكبرى التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، سـعيا وراء المزيد من الأرباح لطبقة كبار أثرياء السـلاح و البترول و المقاولات التي تحكمها .. رغم هذا، فقد يكون من المفيد أن نرى كيف تفكّر الولايات المتحدة الأمريكية في تبرير استغلالها للبشر، داخلها و خارجها .. في الرسالة التالية .