منطقتنا يسودها التغيير
و في ختام هذا الفصل من كتاب مؤسسة (راند)، حول المستقبل الأمني للشرق الأوسط، وفقا للرؤية الأمريكية التي تعكس مصالحها، يشير الكتاب إلى توجهات اجتماعية و سياسية استراتيجية عريضة، تعيد تشكيل الشرق الأوسط . و هذه التغيرات ستخلق للولايات المتحدة تحديات جديدة، و في نفس الوقت تحقّق لها فرصا جديدة
إن الفشل في التنمية، عندما يرتبط بتصاعد التوقّعات الشعبية بتحسن في الأوضاع المعيشية ، قد تكون السبيل إلى حالة من عدم الاستقرار المتزايدة في المنطقة .
ترى محررة هذا الفصل، نورا بن ساهيل، أن الشرق الأوسط قد ترك طويلا خارج التوجهات العالمية للتطبيق الديموقراطي . و النظم الشـمولية تبدو حيّة و بصحة موفورة(!) في الدول العربية . و هي تقول " حتّى مصر، التي تعتبر ديموقراطية اسميا، محكومة بحزب واحد يحظر المنافسة السياسية، و يفرض قيود مشددة على حرية الحديث و التجمّع .." . و هي تقول أن الحريات الجزئية التي سمحت بها بعض دول المنطقة، لم تصل بها إلى تحدّي انفراد النظام الحاكم بالسلطة
تقول محررة هذا الفصل، أن الإصلاح السياسي مصطلح عام، يتضمّن عمليتين منفصلتين، و إن كانتا مترابطتين .. التحوّل إلى الديموقراطية، و التحوّل إلى الليبرالية .
التحوّل الديموقراطي
يستلزم التوسّع في إرساء الهياكل الرسمية لمشاركة المواطنين
التحوّل الليبرالي
هو هذا الركن الثاني من عملية الإصلاح السياسي، و هو يركّز على الحقوق المدنية و السياسية للمواطنين
المصالح الأمريكية المتضاربة
تضيف المحررة أن الولايات المتحدة لها مصالح متعددة في الإصلاح السياسي بالشرق الأوسط، لكنها في نفس الوقت متضاربة . و يأتي التناقض في المصالح كنتيجة للآفاق الزمنية المختلفة . ثم هي تفسر ما تعنيه بالآفاق الزمنية، بقولها أن الإصلاح السياسي يمكن أن يخدم مصالح الولايات المتحدة جيدا على المدى البعيد، و لكن على المدى القريب يحتمل أن يكون له تأثيران سلبيان : فهو قد يقود إلى عدم استقرار في المنطقة، كما أنه يمكن أن يجعل الأنظمة الحاكمة أكثر حساسية بالنسبة لموضوع التعاون مع الولايات المتحدة، خاصّة في الجانب الأمني من التعاون .
من المنظور قصير المدى قد تبدو مصالح الولايات المتحدة مختلفة
أولا : ما تقوله دراسات مهمة، يفيد أن " الدول الداخلة في عملية التحوّل الديموقراطي، يغلب أن تجد نفسها داخلة في حروب، بعكس الدول الناضجة ديموقراطيا، أو الأتوقراطية المستقرّة ( التي يحكمها فرد ) " ..
ثانيا : الإصلاح السياسي قد يزيد من عدم الاستقرار الداخلي، نتيجة للسماح بالتوسّع في التعبير عن الرؤى السياسية المختلفة، من المنادين بالقومية العربية أو السياسات الإسلامية إلى دعاة المزيد من التحرر الليبرالي .. و هذا قد يدفع النظام الحاكم إلى أن يصبح أكثر تشددا للتعبير عن قوّته في وجه المعارضة .
ثالثا : مع تزايد إحساس المواطنين بحقّهم في التعبير عن آرائهم بشكل أكثر تأثيرا، قد تصبح الأنظمة الحاكمة أكثر عدوانية إزاء السياسات الأمريكية، ممّا قد يضطرّها إلى تخفيض تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يمكن أن يعقّد خطط و عمليات الولايات المتحدة في المنطقة .
ضغوط من أجل الإصلاح السياسي
معظم دول الشرق الأوسط تعاني من عدة مشاكل اقتصادية و اجتماعية، تشكّل ضغوطا من أجل القيام بإصلاحات سياسية . و يمكن تصنيف هذه الضغوط في ثلاثة أقسام متبادلة التأثير : تحديات اقتصادية، و مؤشرات سكانية، و أخيرا الشفافية و الفساد .
التحديات الاقتصادية :
جميع اقتصاديات الشرق الأوسط تقريبا تعتمد على البترول . السعودية و دول الخليج تعتمد على عوائد إنتاج البترول و بيعه في السوق العالمية . أمّا الدول التي ليس لها مخزون ضخم، مثل مصر و اليمن، فهي تعتمد على الأموال التي يحوّلها العاملون في الدول المنتجة للبترول .. و هكذا فإن انخفاض أو زيادة سعر البترول يشكّل تحديا اقتصاديا للفصيلتين .
التوجهات السكانية :
تشهد دول الشرق الأوسط مستويات مرتفعة من التزايد السكاني، و يقول التقرير أن نسبة عالية من سكان هذه الدول من الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة، و ستصبح المشكلة السكانية أكثر خطورة عندما يدخل هذا الجيل إلى مجال العمل .
الشفافية و الفساد :
أحد أكبر مصادر الشكوى العامة في حكومات المنطقة، نقص الشفافية من جانب الصفوة الحاكمة، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام الفرص الواسعة لانتشار الفساد .
و لمّا كانت سلطة اتخاذ القرار مركّزة في يد القيادات العليا للنظام الحاكم، كأن يكونوا قد وصلوا إلى هذا لكونهم من سلالة العائلات الملكية، و ليس لمؤهلاتهم الشخصية . كما أن المواطنين لا يتاح لهم سوى القليل من آليات إلزام القيادات بالمسئولية عن أفعالها .
و في معظم نظم المنطقة يعتبر الفساد جزءا من الحياة اليومية . و النسبة العالية من تدخّل النظم الحاكمة في النشاط الاقتصادي، تفتح الباب واسعا أمام الفساد، الذي يتراوح بين محاباة الأقارب و المعارف في الوظائف و الفرص، إلى الرشاوى الصريحة التي يستلمها الموظفون العموميون . القليل من دول المنطقة هي التي تصدّت لحل هذه المشكلة، و السبب هو أنها أصبحت متعمقة الجذور في الحياة الاقتصادية اليومية .
و الفساد، يمكن أيضا أن يضاعف الإحباط تجاه الأوضاع الاقتصادية التي أشرنا إليها، لأنّه يجعل الخدمات الأساسية أكثر صعوبة، و أكثر تكلفة، في الوصول إليها
استجابات النظام المحتملة
كل نوع من أنواع المشاكل التي أشرنا إليها، يحمل في ثناياه احتمال إحداث ضغوط في مواجهة القيام بالإصلاح السياسي . كما أن التوجهات التي في كل قسم، قد تصبح متبادلة التأثير . و الأداء الاقتصادي الفاتر يقود إلى إحساس شعبي بالإحباط تجاه قيادات النظام . كما أن النمو السكاني يجعل هذه المشاكل الاقتصادية أكثر صعوبة عند تصدي القيادة للحفاظ على مستوى المعيشة، فضلا عن الارتفاع بهذا المستوى .. و نفس المصاعب تنتج عن انتشار الفساد .
هذه الإحباطات تجعل من الأكثر احتمالا تولّد مطالبات بالإصلاح السياسي، التي تسمح للشعب بأن يحظى ـ على الأقل ـ ببعض القدرة على المشاركة بالرأي عند اتخاذ القرار
و الأنظمة الحاكمة يمكن أن تستجيب لهذه المطالب بطريقتين :
· أم يعمد إلى مضاعفة ما يمارسه من قسر و إرغام
و العديد من دول الشرق الأوسط عمدت إلى استراتيجيات تستخدم مزيجا من الموقفين، القيام بإصلاحات سياسية محدودة، مع التصدّي للمعارضة التي تتجاوز الحدود التي اختارها النظام . و يتساءل التقرير إذا كان من الممكن أن يستمر اعتماد النظم الحاكمة على هذه الاستراتيجية .
و إلى الرسالة التالية .. لنرى معايير الإصلاح السياسي في منطقتنا، كما تتصوره أمريكا وفقا لمصالحها