الأربعاء، سبتمبر ١٩، ٢٠٠٧

بوش .. أو دوبيا العجيب

" دوبيا " الرئيس غير المسبوق

جورج دبليو بوش .. أو " دوبيا "، كما تحب أن تطلق عليه الصحافة الأمريكية، التي لا تملّ الحديث عن حكاياته غير المسبوقة . و محاولة رسم صورة صحيحة له عقليا و نفسيا و اجتماعيا، تعكس ذكاء العصبة الحاكمة من المحافظين الجدد، التي لم تكن لتجد أفضل منه لأداء الأدوار التي يقوم بها، بكل ذلك الخضوع
كان من الضروري البدء بعرض شخصية " دوبيا " هذا الرئيس الأمريكي غير المسبوق، خاصّة في مواجهة ذلك الرعب الذي أصاب بعض الحكّام العرب، من جرّاء مطالب الإصلاح التي ألقاها كالقفاز في وجه الدول العربية و الإسلامية، وفقا لتوجيهات العصبة الحاكمة، و تطبيقا لخططها بعيدة المدى

و مع اعترافي ـ و إيماني ـ بأنّ ما تحتاجه الدول العربية و الإسلامية ليس هو فقط الإصلاح، بل عمليات إعادة بناء شاملة، تنقلها من الواقع البدوي و الزراعي و الصناعي، إلى واقع مجتمع المعلومات .. مع اعترافي هذا، فأنا لا أرى حقا لبوش في أن يفرض إصلاحا على أحد، قبل أن يصلح حال إدارته و جيشه و ديموقراطيته
فيما يلي، سأطرح فقرات ممّا تحفل به الصحافة و وسائل الإعلام الأمريكية، حول رئيسهم بوش . على أمل أن تبرر صورته هذه، بعض الأخطاء و الحماقات و الجرائم التي ارتكبها في حقّ شعبه، قبل أن تكون في حقّ شعوب العالم
محترف النكت الإباحية
في 23 إبريل2006نقل عن دافيد روبنشتاين، المدير الإداري لمؤسّسة كارلايل ، رأيا في بوش الابن الذي عمل منذ عشر سنوات في مجلس إحدى شركات المؤسّسة . كان كلام روبنشتاين في جلسة مسجّلة، لكنه استرسل في حديثه بحماس ناسيا هذه الحقيقة ..من حسن حظّنا
قال عن بوش " لقد وضعناه في أحد المجالس لثلاث سنوات . و كان يحضر جميع الاجتماعات، منشغلا بحكاية الكثير من النكات، التي لم تكن جميعها نظيفة . بعد ثلاث سنوات، قلت له : هل تعلم ؟ .. لست متأكّدا أن هذه الوظيفة تصلح لك حقيقة . ربّما يجدر بك أن تفعل شيئا مختلفا . ذلك لأنّني لا أعتقد أنك تضيف كثيرا إلى قيمة المجلس .. فأنت لا تعلم الكثير عن الشركة .." . ثم واصل روبنشتاين " رد بوش قائلا لي : أعتقد أنّني سأترك العمل على أي حال من الأحوال .. و أنا لا أحبّ هذا العمل كثيرا، لهذا فإني سأستقيل من المجلس على الأرجح .. قلت له شكرا، و لم أفكّر في أنّني سألتقي به ثانية .. إلى أن فوجئت بجورج دبليو بوش رئيسا للولايات المتحدة
و يستطرد روبنشتاين قائلا " أتعلمون ... لو أنّكم قلتم لي، أذكر اسم 25 مليون شخص، يمكن أن يصبح أيّ منهم رئيسا للولايات المتحدة، لم يكن يدخل بوش ضمن هذه الفئة
قبل أن تندهش لجرأة أحد مديري كارلايل، و تتساءل عن الذي حدث له بعد إذاعة هذا على الملأ ؟.. أحب أن أطمئنك إلى أن جميع سلسال عائلة بوش يعمل لحساب كارلايل .. و لدي الأرقـام التي تبيّن إلى أي حد كانت حروب بوش الأب و الابن خيرا عظيما على كارلايل

الله يريدني رئيسا

إذا كان بوش يتّهم بعض الجماعات الإسلامية بالهوس الديني، فيجدر بنا أن نرى كيف بدأت تظهر عليه هو علامات الهوس الديني . يتذكّر دكتور ريتشارد لاند، صديق بوش و مستشاره، التصريح غير المتوقّع الذي نطق به، يوم الاحتفال بقسم ولايته الثانية على تكساس، فيقول : في يوم تنصيبه كان هناك العديد منّا، التقينا به في مقرّ الحاكم، و من بين ما قاله لنا " أومن أن الله يريدني أن أصبح رئيسا
لقد كان هذا بؤرة برنامج فرونت لاين بعنوان " عامل المسيح "، ذلك الفيلم التسجيلي الذي استمر ساعة كاملة، و تضمّن حوارات معه و مع عائلته و أصدقائه، حول رحلة بوش الدينية . يقول منتج الفيلم راني آرينسون " لقد أطلق على الرئيس بوش أكثر الرؤساء إعلانا لتدينهم، في التاريخ الحديث "، و يحكي الفيلم كيف صارع جورج بوش آثار فشله المتكرر في نشاطه الاقتصادي، و مشاكل إدمانه الخمر
و هكذا بدأ الهوس المسيطر على جورج بوش يفقده القدرة على الحكم العاقل الواعي على الأمور، و على سلامة اختياره لمعاونيه، و على القرارات التي يتورّط فيها .. لم يفلت جورج بوش من انتقاد الجميع، حتّى جون دين، المستشار القانوني لريتشارد نيكسون، الذي سجن لسنتين نتيجة لدوره في فضيحة ووتر جيت
اتّهم جون دين إدارة بوش الابن بتجاوزها ممارسات نظام نيكسون في السرّية، و الخداع، و التشاؤم . في كتابه الأخير، انتقد الإدارة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية، فقال دين أنّها خلقت أكثر الاحتمالات فسادا و لاأخلاقية و لا ديموقراطية في البيت الأبيض، على مدى تاريخه .
و في حديثه إلى جريدة " التلجراف "، قال جون دين، أن بوش و نائب الرئيس ريتشارد تشيني، يمثّلان عملية نكوص إلى زمن نيكسون، و أن " جميع صفقات الحكومة تمر خلال مرشّحات العملية السياسية في هذا البيت الأبيض، الذي يعتبر أكثر عهود البيت الأبيض اعتمادا على السرّية في إدارة أمور الولايات المتحدة .. ليس لحسـاب الجمهور.. لكن لحساب مصالح البيت الأبيـض، و لحساب إعـادة انتخاب بوش .. أصبح البيت الأبيض يدار كمشروع اقتصادي خاص، مع فارق أنّه لا يقدم حسابا للمساهمين، أي إلى الناخبين في هذه الحالة
و في موقع أمريكي آخر، و تحت عنوان " القيادات الخاطئة " نقرأ
لقد قدّم الرئيس بوش الكثير من الخدمات لأولئك الذين قدّموا له أموالا ( لتمويل حملاته الانتخابية على سبيل المثال )، لكن القليلين هم من جنوا المكاسب الهائلة من علاقاتهم المالية معه، بمثل ما حظيت به صناعة الدواء، و هانك ماكينيل المدير العام التنفيذي لشركة فايزر، الذي كان أحد فرسان حملة بوش الانتخابية
و بينما قال الرئيس أنّه يريد أن يتيح " للمسنين الأمريكيين خـيارات أفضل، و المزيد من التحكـّم في رعايتهم الصحّية "، نراه يرفض السماح للمسنّين بشراء الدواء قليل السعر ـ الذي وافقت عليه هيئة الطعام و الدواء الأمريكية ـ من كندا . و بينما أظهرت قياسات الرأي الأخيرة أن ثلثي الأمريكيين يساندون إعطاء المسنّين هذا الحق، و رغم أن الحكّام من الحزبين يدعمون الفكرة، نرى شركات الدواء مثل فايزر تعارض الفكرة عالميا، باعتبار أنّها ستخسر بلايين الدولارات من أرباحها سنويا، التي تجنيها من الأمريكيين برفع الأسعار . للأسف، وقف الرئيس بوش إلى جانب فايزر و ضد المسنّين

أكثر من عمى الألوان
وقبل هذا بقليل، كتب دوم ستاسي : رئيسنا الحالي، و المجرمون المتلاعبون، و غير الأكفاء، الذين يجد نفسه محاطا بهم، هو الدليل القاطع على أن النظام الأمريكي غير محصّن من الفساد . و عندما أسمع هذا الرئيس يقول مثل ذلك التصريح الساذج " أنتم إمّا معنا، أو مع الإرهابيين !.. "، أو ما قاله، كاشفا عمّا هو أخطر من عمى الألوان " أنا أرى الأشياء إما أبيض أو أسود " .. هذا لا يترك مجالا للأذكياء أو العارفين أو أصحاب العقول الراجحة من أفراد الشعب المدنيين، لكي يمارسوا فضائلهم البشرية في الاستنتاج المنطقي . و هذا أيضا يستبعد أي احتمال كان في أن يعتلي عرش الولايات المتحدة واحد من الأفضل أو الأذكى
و إلى الرسالة التالية، لنرى : من الذي يصدّق بوش؟