الاثنين، ديسمبر ٣١، ٢٠٠٧

مصر في عين المصالح الأمريكية


الإصلاح السياسي في مصر
يمضي إلى الخلف .. و ليس إلى الأمام

و من المفيد الإشارة إلى أن هذا الكتاب ( التقرير ) صدر عام 2004 ، أي منذ أكثر من 3 سنوات، لكن التحليلات التي يتضمّنها ما زالت تحتفظ بأهميتها، بالإضافة إلى أنهال تعطينا فكرة عن الطريقة التي تفكّر بها الإدارة الأمريكية في أوضاعنا، و النوايا التي تحتفظ بها لنا .
ينتقل الكتاب هنا إلى الحديث عن جهود الإصلاح السياسي في الدول ذات الأهمية الاستراتيجية الخاصّة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط : مصر و إيران, و الأردن، و الكويت، و السعودية .. (طبعا باعتبار أن جورج دبليو بوش قد تكفّل شخصيا بعمليات الإصلاح السياسي في العراق التي يحتلّها !!) .

التزوير في الانتخابات المصرية

عملية الإصلاح السياسي المصرية كانت من ناحية المبدأ أكثر منها عملية .. فالديموقراطية تتقدّم من حيث الانتخابات التشريعية التي تتم كل خمس سنوات، غير أن هذه الانتخابات تتميّز بالتدخّل الحكومي في العملية الانتخابية، و بعمليات التزوير و الغش الواسعة . يوجد في مصر 14 حزبا رسميا، لكن القليل منها فقط هو الذي له دلالة سياسية .. و الثابت أنّه ليس بإمكان أي حزب من أحزاب المعارضة، و لا بإمكانها مجتمعة، أن تتحدّى الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم .
و الليبرالية المصرية لها نفس الوجهين، فقد تزايد عدد المنظمات المدنية خلال العقدين الأخيرين، مع انكماش في نطاق حريتها و استقلالها، بفضل السلطة القانونية للدولة التي تحد من نشاطها، و تحجّم فرص اجتماعاتها العامّة . و يدلل لكتاب على هذا بقوله أن جميع العاملين في وزارة الشئون الاجتماعية، و البالغ عددهم 60 ألفا، يجرى حسابهم باعتبارهم أعضاء في منظمات المجتمع المدني !! .
و تقول المحررة أن حرية الصحافة قد تقدّمت، غير أن وسائل الإعلام الكبرى ما زالت تعتمد على الدولة في تمويلها، و في صلاحية ما تعبّر عنه . أمّا عن السلطة القضائية، فقد عمدت الحكومة إلى نقل القضايا الحساسة إلى المحاكم الأمنية و العسكرية، حيث يتاح المزيد من التلاعب .
باختصار، تقول المؤلفة، أن العديد من المؤشرات تفيد أن عملية التوجّه نحو الليبرالية تمر بحالة من الفوضى، فالعديد من الحرّيات تتاح من الناحية النظرية، لكنها تكون محظورة عند التطبيق، بينما يتم إنكار حريات أخرى بشكل تام .

الإخوان المسلمون

على أي حال، و بشكل عام، فإن الإصلاح السياسي في مصر، يبدو أنّه يمضي إلى الخلف و ليس إلى الأمام . فالإصلاح، كان دائما عملية تتم من أعلى إلى أسفل، حيث يحض النظام على الإصلاحات التي تخدم مصالحه الخاصة، بينما يفشل في تبنّي أي إجراءات قد تقود إلى تقليص قبضته القوية على السلطة .
لقد بدا هذا واضحا في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما كسبت الحركة الإسلامية دعما متزايدا في جميع أنحاء مصر .
و أنا هنا أنقل بالنصّ عن الكتاب الذي ظهر عام 2004، و لأقول أن مسحة التعاطف مع الجماعات الإسلامية مصدرها البنتاجون الأمريكي .
" حركة الإخوان المسلمون هي من بين أقدم و أكثر الجماعات الإسلامية خبرة في مصر، و قد استطاعت أن تبني قاعدة دعم سياسي ذات دلالة، رغم أنها غير مسموح لها بتكوين حزب سياسي . و شعبيتها لا تأتي فقط من رسالتها الدينية، و لكن أيضا من تقديمها منافع و خدمات ملموسة لأعضائها، الأمر الذي لا توفّره لهم الدولة . هذه الدرجة العالية من الشعبية تجعل منها المعارضة الوحيدة ذات المصداقية للنظام الحاكم . و تفيد إحدى الدراسات أنه في ظل انتخابات تشريعية حرّة و عادلة، من المحتمل أن يحظى الإخوان المسلمون بأصوات أكثـر من أي من الأحزاب الأخرى، بما في ذلك الحزب الوطني الديموقراطي . و طالما أن الحكومة ستظل خائفة من فقدها للانتخابات، فمن المستبعد أنة تتبنّى أي شكل حقيقي من أشكال تطوير الديموقراطية .." .


الاعتداء على الحقوق المدنية

والحكومة المصرية قد انتهكت أيضا الحقوق السياسية و المدنية، في جميع أنحاء البلاد، و هي مستمرة في التمسّك بقانون الطوارئ، الذي يتيح لها أن تقبض على المشتبه فيهم و تعتقلهم لزمن طويل دون إبداء أي أسباب . و تزعم الحكومة أنها مضطرة للأخذ بهذا النظام لمواجهة الحركات الأصولية الإسلامية، مع العلم بأن تلك التهديدات قد تمت السيطرة عليها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي . الإصرار على هذا الوضع، يعني أن النظام يسعى إلى منع المعارضة السلمية من التعبير عن نفسها أيضا .
مع استمرار الظروف الراهنة، لا يحتمل أن تستمر الحكومة المصرية في عملية الإصلاح السياسي .

القوى البوليسية و العسكرية

و ليست القيادات السياسية المصرية وحدها هي من يريد الاحتفاظ بسلطته، لكن توجد أيضا القوى البوليسية و العسكرية التي تقوم بحماية النظام، و التي أصبحت لها مصلحة قوية في بقاء النظام على ما هو عليه . و لكن، إذا ما حدث تغيير مؤثّر في الوضع السياسي ( بأن تحدث أزمة اقتصادية كبرى، على سبيل المثال، أو أن يتضاعف إحساس الشعب بالإحباط نتيجة القيود التي يفرضها النظام )، فقد ترغم الحكومة على القيام بإصلاح سياسي، كوسيلة للاحتفاظ ببعض شرعيتها المتآكلة . تقول الدراسة :
النظام السياسي الحالي في مصر يحتاج إلى هياكل قادرة على أن تستجيب للرأي العام، و تستطيع أيضا أن تعمل كوسيط بين النظام و الاختيارات الشعبية .. و إذا ما تصاعدت المعارضة الشعبية، فقد تجد الحكومة المصرية نفسها في وضع محفوف بالمخاطر .


من إيران إلى السعودية

ثم نطرح باختصار وجهة نظر الكتاب في مستقبل الإصلاح السياسي في بعض دول الشرق الأوسط، مثل إيران و الأردن و العربية السعودية .
تقول الدراسة أن إيران تشهد نظاما عجيبا يجمع بين الديموقراطية و الشمولية ! .و في الجانب التنفيذي تتوزّع السلطة بين القائد الديني الأعلى، و بين الرئيس العلماني . و نتيجة لاختيار الرئيس بالانتخاب المباشر، تزيد صلاحياته التشريعية و قدرته في التأثير على القادة العليا . و تقول أيضا أن هذا الوضع يخلق توترا و احتكاكات بين الجانبين .
كما تقول الدراسة " تعتبر إيران من بين أكثر الحكومات ديموقراطية في المنطقة .. و إيران لديها شبكة حيّة و فعّالة من منظمات المجتمع المدني، تتمتّع بتقاليد تاريخية . و رغم أن معارضة مفهوم الدولة الإسلامية يكون مرفوضا تماما، فهذا لا يمنع ظهور مجموعات شبه معارضة، تعارض بعض السياسات بينما تقبل فكرة الحكومة الدينية .." .
و عن الأردن تقول الدراسة أنه رغم تطوّر التقدم السياسي كثيرا منذ عام 1989، إلاّ أن العملية بأكملها تدار من أعلى . و أن الإصلاح السياسي هو استراتيجية لخدمة الملك، و دعم مركزه، مع بقاء فكرة اقتسام السلطة خارج نطاق تفكيره .
أما عن السعودية، فتقول الدراسة أنّها أقل الدول ديموقراطية و ليبرالية في المنطقة . و يواجه النظام ضغوطا داخلية ملحوظة لدفعه إلى تبنّي بعض الإصلاحات السياسية ( و نذكّر أن الكتاب المتضمن لهذه الدراسات ظهر عام 2004، قبل وفاة الملك فهد ) . و تشير الدراسة إلى الخطوات التي اتخذها العاهل الراحل في مايو 1992، بوضع قانون أساسي لكيان و عمل الحكومة لأوّل مرّة، ينسجم مع الأمر الواقع بالنسبة لشرعية الملكية، و الاعتماد على القانون الإسلامي . و ثانيا تشكيل الملك لمجلس الشورى، و الذي يشير الكتاب إلى عدم إمكان اعتباره خطوة نحو الديموقراطية، لأن أعضاء المجلس يتم اختيارهم عن طريق الملك . و رغم ضم بعض عناصر من القطاع الخاص و المجال الأكاديمي، غير أن هذه النخبة لا تمثّل الأغلبية الكبيرة للشعب السعودي . و تشير الدراسة إلى الأصوات المتعالية المنادية بالإصلاح، و تورد نص كلمات أحد الأمراء المهمين، و الذي صرّح، " الحقيقة هي أن الإصلاح ضرورة و ليس اختيارا، و كذلك هي حكومة المشاركة " . ثم تختم الدراسة أقوالها عن السعودية، قائلة أن بعض التقارير تفيد أن دعوة الإصلاح تأتي من كل من العناصر الليبرالية و المحافظة للطيف السياسي السعودي .


ثم ننتقل إلى نقطة هامة من هذه الدراسة، تبحث فيها أمريكا عن قدراتها على تغيير النظم الحاكمة في المنطقة .. و إلى الرسالة التالية

الأحد، ديسمبر ٢٣، ٢٠٠٧

أمريكا ... المؤامرة



منطقتنا يسودها التغيير

و في ختام هذا الفصل من كتاب مؤسسة (راند)، حول المستقبل الأمني للشرق الأوسط، وفقا للرؤية الأمريكية التي تعكس مصالحها، يشير الكتاب إلى توجهات اجتماعية و سياسية استراتيجية عريضة، تعيد تشكيل الشرق الأوسط . و هذه التغيرات ستخلق للولايات المتحدة تحديات جديدة، و في نفس الوقت تحقّق لها فرصا جديدة
و الديموقراطية الحقيقية تبدو بعيدة جدا عن نظم المنطقة، لكن هذا لا يمنع أن مجال الحوار و قوته قد تزايدت، مما يجعل النظم أقل حرية في الأخذ بالسياسات غير الشعبية . كما أن تكوين النخبة ذاته آخذ في التغيّر، نتيجة للأوضاع المستجدة . كذلك تواجه اقتصاديات المنطقة تحديات عديدة.. و ممّا يجعل معدلات النمو الاقتصادي المطّرد صعب التحقّق، الفساد: و القطاع الخاص الضعيف، و هبـوط مستوى نظم التعليم .
إن الفشل في التنمية، عندما يرتبط بتصاعد التوقّعات الشعبية بتحسن في الأوضاع المعيشية ، قد تكون السبيل إلى حالة من عدم الاستقرار المتزايدة في المنطقة .
ترى محررة هذا الفصل، نورا بن ساهيل، أن الشرق الأوسط قد ترك طويلا خارج التوجهات العالمية للتطبيق الديموقراطي . و النظم الشـمولية تبدو حيّة و بصحة موفورة(!) في الدول العربية . و هي تقول " حتّى مصر، التي تعتبر ديموقراطية اسميا، محكومة بحزب واحد يحظر المنافسة السياسية، و يفرض قيود مشددة على حرية الحديث و التجمّع .." . و هي تقول أن الحريات الجزئية التي سمحت بها بعض دول المنطقة، لم تصل بها إلى تحدّي انفراد النظام الحاكم بالسلطة
وجهان للإصلاح السياسي

تقول محررة هذا الفصل، أن الإصلاح السياسي مصطلح عام، يتضمّن عمليتين منفصلتين، و إن كانتا مترابطتين .. التحوّل إلى الديموقراطية، و التحوّل إلى الليبرالية .
التحوّل الديموقراطي
يستلزم التوسّع في إرساء الهياكل الرسمية لمشاركة المواطنين
و الانتخابات هي أحد أكثر مكونات التحوّل الديموقراطي أهمية . و للديموقراطية صلة أخرى بالمواطنة، فهي التي تحدد من الذي يمكنه أن يشارك في الانتخابات . غير أن الانتخابات الحرّة لا تكون لها قيمة كبيرة إذا ما حرم المواطن من حق تبادل المعلومات، و من حق الارتباط مع الآخرين في جماعات يجمعها هدف واحد .
التحوّل الليبرالي
هو هذا الركن الثاني من عملية الإصلاح السياسي، و هو يركّز على الحقوق المدنية و السياسية للمواطنين
و تقول المحررة أن الليبرالية و الديموقراطية بشكل عام في الشـرق الأوسط، لا تتحققان في نفس الوقت . فالنظم المستجيبة للضغوط الخاصّة بالإصلاح السياسي، غالبا ما تختار التوجّه إلى الليبرالية بحرص و بشكل بطيء، بينما تتلكّأ في البدء بتطبيق الديموقراطية .

المصالح الأمريكية المتضاربة


تضيف المحررة أن الولايات المتحدة لها مصالح متعددة في الإصلاح السياسي بالشرق الأوسط، لكنها في نفس الوقت متضاربة . و يأتي التناقض في المصالح كنتيجة للآفاق الزمنية المختلفة . ثم هي تفسر ما تعنيه بالآفاق الزمنية، بقولها أن الإصلاح السياسي يمكن أن يخدم مصالح الولايات المتحدة جيدا على المدى البعيد، و لكن على المدى القريب يحتمل أن يكون له تأثيران سلبيان : فهو قد يقود إلى عدم استقرار في المنطقة، كما أنه يمكن أن يجعل الأنظمة الحاكمة أكثر حساسية بالنسبة لموضوع التعاون مع الولايات المتحدة، خاصّة في الجانب الأمني من التعاون .
من المنظور قصير المدى قد تبدو مصالح الولايات المتحدة مختلفة
أولا : ما تقوله دراسات مهمة، يفيد أن " الدول الداخلة في عملية التحوّل الديموقراطي، يغلب أن تجد نفسها داخلة في حروب، بعكس الدول الناضجة ديموقراطيا، أو الأتوقراطية المستقرّة ( التي يحكمها فرد ) " ..
ثانيا : الإصلاح السياسي قد يزيد من عدم الاستقرار الداخلي، نتيجة للسماح بالتوسّع في التعبير عن الرؤى السياسية المختلفة، من المنادين بالقومية العربية أو السياسات الإسلامية إلى دعاة المزيد من التحرر الليبرالي .. و هذا قد يدفع النظام الحاكم إلى أن يصبح أكثر تشددا للتعبير عن قوّته في وجه المعارضة .
ثالثا : مع تزايد إحساس المواطنين بحقّهم في التعبير عن آرائهم بشكل أكثر تأثيرا، قد تصبح الأنظمة الحاكمة أكثر عدوانية إزاء السياسات الأمريكية، ممّا قد يضطرّها إلى تخفيض تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يمكن أن يعقّد خطط و عمليات الولايات المتحدة في المنطقة .


ضغوط من أجل الإصلاح السياسي


معظم دول الشرق الأوسط تعاني من عدة مشاكل اقتصادية و اجتماعية، تشكّل ضغوطا من أجل القيام بإصلاحات سياسية . و يمكن تصنيف هذه الضغوط في ثلاثة أقسام متبادلة التأثير : تحديات اقتصادية، و مؤشرات سكانية، و أخيرا الشفافية و الفساد .
التحديات الاقتصادية :
جميع اقتصاديات الشرق الأوسط تقريبا تعتمد على البترول . السعودية و دول الخليج تعتمد على عوائد إنتاج البترول و بيعه في السوق العالمية . أمّا الدول التي ليس لها مخزون ضخم، مثل مصر و اليمن، فهي تعتمد على الأموال التي يحوّلها العاملون في الدول المنتجة للبترول .. و هكذا فإن انخفاض أو زيادة سعر البترول يشكّل تحديا اقتصاديا للفصيلتين .
التوجهات السكانية :
تشهد دول الشرق الأوسط مستويات مرتفعة من التزايد السكاني، و يقول التقرير أن نسبة عالية من سكان هذه الدول من الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة، و ستصبح المشكلة السكانية أكثر خطورة عندما يدخل هذا الجيل إلى مجال العمل .
الشفافية و الفساد :
أحد أكبر مصادر الشكوى العامة في حكومات المنطقة، نقص الشفافية من جانب الصفوة الحاكمة، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام الفرص الواسعة لانتشار الفساد .
و لمّا كانت سلطة اتخاذ القرار مركّزة في يد القيادات العليا للنظام الحاكم، كأن يكونوا قد وصلوا إلى هذا لكونهم من سلالة العائلات الملكية، و ليس لمؤهلاتهم الشخصية . كما أن المواطنين لا يتاح لهم سوى القليل من آليات إلزام القيادات بالمسئولية عن أفعالها .
و في معظم نظم المنطقة يعتبر الفساد جزءا من الحياة اليومية . و النسبة العالية من تدخّل النظم الحاكمة في النشاط الاقتصادي، تفتح الباب واسعا أمام الفساد، الذي يتراوح بين محاباة الأقارب و المعارف في الوظائف و الفرص، إلى الرشاوى الصريحة التي يستلمها الموظفون العموميون . القليل من دول المنطقة هي التي تصدّت لحل هذه المشكلة، و السبب هو أنها أصبحت متعمقة الجذور في الحياة الاقتصادية اليومية .
و الفساد، يمكن أيضا أن يضاعف الإحباط تجاه الأوضاع الاقتصادية التي أشرنا إليها، لأنّه يجعل الخدمات الأساسية أكثر صعوبة، و أكثر تكلفة، في الوصول إليها

استجابات النظام المحتملة

كل نوع من أنواع المشاكل التي أشرنا إليها، يحمل في ثناياه احتمال إحداث ضغوط في مواجهة القيام بالإصلاح السياسي . كما أن التوجهات التي في كل قسم، قد تصبح متبادلة التأثير . و الأداء الاقتصادي الفاتر يقود إلى إحساس شعبي بالإحباط تجاه قيادات النظام . كما أن النمو السكاني يجعل هذه المشاكل الاقتصادية أكثر صعوبة عند تصدي القيادة للحفاظ على مستوى المعيشة، فضلا عن الارتفاع بهذا المستوى .. و نفس المصاعب تنتج عن انتشار الفساد .
هذه الإحباطات تجعل من الأكثر احتمالا تولّد مطالبات بالإصلاح السياسي، التي تسمح للشعب بأن يحظى ـ على الأقل ـ ببعض القدرة على المشاركة بالرأي عند اتخاذ القرار

و الأنظمة الحاكمة يمكن أن تستجيب لهذه المطالب بطريقتين :


· يمكن للنظام الحاكم أن يزيد من المشاركة الشعبية، لامتصاص السخط النامي

· أم يعمد إلى مضاعفة ما يمارسه من قسر و إرغام


و العديد من دول الشرق الأوسط عمدت إلى استراتيجيات تستخدم مزيجا من الموقفين، القيام بإصلاحات سياسية محدودة، مع التصدّي للمعارضة التي تتجاوز الحدود التي اختارها النظام . و يتساءل التقرير إذا كان من الممكن أن يستمر اعتماد النظم الحاكمة على هذه الاستراتيجية .

و إلى الرسالة التالية .. لنرى معايير الإصلاح السياسي في منطقتنا، كما تتصوره أمريكا وفقا لمصالحها

الخميس، ديسمبر ١٣، ٢٠٠٧

أمريكا .. المؤامرة !



6

مصــــالح أمريكــــــية

في الشـــرق الأوســـط



أوّلها مواجهة الإرهاب
بعد أحداث 11 سبتمبر


السؤال الحرج المطروح حاليا هو : هل يجب على الولايات المتحدة أن تشجّع الاستقرار السياسي بالإبقاء على الأوضاع الحالية، أم يجب عليها أن تشجّع الإصلاحات الديموقراطية ؟ .. هذا هو السؤال الذي يتصدّى له المؤلفان نورا بن ساهيل و دانييل بايمان، في كتابهما الصادر عن (راند) التابعة للبنتاجون الأمريكي، و المخصص للبحث عن مستقبل بيئة الأمن في الشرق الأوسط .
يقول الكتاب أن الخبرات السابقة للتحوّل إلى الديموقراطية، في حالة الاتحاد السوفييتي السابق، و في غيره من الدول، تفيد دخول هذه الدول في صراع مع جيرانها . كما أن الديموقراطية في الشرق الأوسط قد تفتح الباب للحركات القومية و الأصولية، المعادية للمصالح الأمريكية .
مساندة النظم التقليدية، تحت شعار الاستقرار، أشاع مشاعر الكراهية تجاه أمريكا في المنطقة . و مع ذلك، ستحتاج الولايات المتحدة في المستقبل المزيد من شرح سياستها للمواطنين العاديين، و إلى الموازنة بين احتمالات التطبيق الديموقراطي، بما يحمله من معه من عدم استقرار، و خسارة حلفاء أساسيين في المنطقة .

الشرق الأوسط .. بيئة أمنية معقّدة

يقول محررا الكتاب، نورا بن ساهيل، و دانييل بايمان، أن البيئة الأمنية في الشرق الأوسط قد أصبحت معقّدة بشكل متزايد منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، في ظل مخاوف مزدوجة، من عدوان محتمل لقوة العظمى، أو عدوان من دولة جارة أخرى .
و هما يقولان " يحاول هذا التقرير التعريف بالمؤشرات التي يحتمل أن تشكّل أمن المنطقة، و انعكاساتها على الولايات المتحدة ". و قد أفردت مقدمة الكتاب للتعريف بالمصالح القومية الأمريكية في المنطقة، و التهديدات المحتملة لتلك المصالح . و يحدد التقرير ست مصالح هامة و حيوية بالنسبة للولايات المتحدة، في الشرق الأوسط.
هذه المصالح الأمريكية هي بالترتيب التالي
أولا : التصـدّي للإرهـاب
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تصاعدت أولوية مواجهة الإرهـاب إلى قمّة اهتمامها، فيما يتصل بالشرق الأوسط . فالقاعدة و غيرها من التنظيمات الأصولية الإسلامية، اعتمدوا بشدة على العالم العربي و الإسلامي في تجنيد العناصر، و تمويل النشاط . بالإضافة إلى أن الكثير من أعمال عنفهم و دعاياتهم تنصب على زعزعة النظم الشرق أوسطية الصديقة للولايات المتحدة . لذا يكون على الولايات المتحدة أن تواجه هذه التهديدات التي تتعرّض لها الدول الصديقة : على المستوى الحكومي، عن طريق مساعدة شركائها الإقليميين في تأمين أنفسهم في مواجهة جهود زعزعة الاستقرار عن طريق الإرهابيين، و على المستوى الشعبي، لضمان عدم انضمام العناصر الوطنية في السعودية و مصر و اليمن، و غير ذلك من دول المنطقة إلى الجماعات الإرهابية، أو مساعدتها ماديا أو بأي وسيلة .
ثم يحذّر التقرير من إيـران، التي تساعد الأصوليين في المنطقة، في محاولة لنشر ثورتها الإسلامية . و أيضا لارتباطها بالهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة في لبنان، و في أبراج الخبر بالسعودية، و بمساندتها للجماعات المعادية لإسرائيل مثل حزب الله اللبناني، و الجهاد الإسلامي الفلسطيني .
ثانيا : التصدّي لأسلحة الدمار الشامل
الولايات المتحدة لها مصلحة قوية في منع ـ أو على الأقل تنظـيم ـ انتشار الأسلحة النووية و البيولوجية و الكيميائية . باعتبار أن انتشار هذه الأسلحة يشكّل خطرا على شركاء أمريكا في الخليج، و على إسرائيل، والقوات الأمريكية بالمنطقة
و استخدام أسلحة الدمار الشامل ليس تهديدا افتراضيا، فقد شهدت الحرب الإيرانية العراقية الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيميائية، على يد العراق، و أحيانا على يد إيران ( لقد نسي التقرير أن الولايات المتحدة هي التي زوّدت صدام حسين بالأسلحة الكيميائية ! ) . و يصرّ التقرير على تكرار القول بأن حرب 2003 ضد العراق كانت مبررة، و من أجل منع صدام من المزيد من تطوير برامج أسلحه الدمار الشامل ( لقد اعترفت المصادر الأمريكية بزيف ذلك الادعاء، ربما في تاريخ لاحق لكتابة هذا التقرير) .
ثالثا : أسعار و إمدادات بترول مناسبة
ستظل لبترول الخليج أهميته على مدى السنوات العشر القادمة ، السعودية وحدها تمتلك ربع مجموع رصيد بترول العالم . و العراق لديها ثاني أكبر مستودعات نفط في العالم، و هي تنتج حاليا 10% من المجموع العالمي . و لكن، مع نهاية هذا العقد، يمكن بسهولة مضاعفة تدفّق البترول العراقي المنتظم، أو حتّى رفعه إلى ثلاثة أضعاف الإنتاج الحالي، في ظل الاستثمارات الأجنبية الكافية ( هل وضحت الآن الأسباب الحقيقية لحرب أمريكا على العراق ؟ ) .
رابعا : ضمان استقرار النظم الصديقة
بالإضافة إلى الروابط طويلة العمر بين الولايات المتحدة و إسرائيل، فإنها قد طوّرت علاقات وثيقة مع عدة دول في المنطقة . بعد حرب الخليج عام 1991، ضخّمت الولايات المتحدة ـ و أحيانا اصطنعت ـ ارتباطات أمن مع السـعودية و الكويت و الإمارات و البحرين و قطـر و عمان . كما حاولت الولايات المتحدة تنمية علاقاتها بالأردن و مصر و المغرب، باعتبارها أصوات عربية معتدلة، مستعدة للتعاون معها في حربها على الإرهاب، و الموافقة على أجندة الولايات المتحدة في العديد من الموضوعات .
خامسا : ضمان أمن إسرائيل
إسرائيل دولة ديموقراطية منحازة للغرب، في منطقة مضطربة، و قدرتها العسكرية و الاستخبارية فوق مستوى المنافسة، ممّا يرفع قدرها في محاربة الإرهاب، و بشكل عام مستعدة للرد على أي تهديد عسكري في المنطقة . بالإضافة إلى أن الكثير من الأمريكيين يساندون إسرائيل بشدّة، معتبرين أمنها موضوعا سياسيا هاما بالنسبة لأي إدارة . و لا شك أن العنف المتواصل في أراضي إسرائيل و فلسطين قد ساهم في المشاعر المعادية لأمريكا في المنطقة .
و الولايات المتحدة لها مصلحة في خفض مستوى العنف على المدى القريب و المتوسّط، و أيضا في الوصول إلى حلول طويلة المدى للصراع العربي الإسرائيلي .

سادسا : تعزيز الديموقراطية و حقوق الإنسان
الولايات المتحدة لها اهتمامات عالمية و واسعة بالديموقراطية و حقوق الإنسان، التي لها تأثيرها على نشاط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط . و مع ذلك فإسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة . السعودية ـ على سبيل المثال ـ ليس بها صحافة حرّة، أو انتخابات حرّة، و النساء السعوديات تواجهن تنوّعا من القيود في سفرهن و توظيفهن و حياتهن اليومية .
حتّى مصر، التي كان لديها برلمانها على مدى عشرات السنين، قد وضعت قيودا على النشاط السياسي المنظّم، و على حرّية الحديث، و لديها العديد من المعوقات ديموقراطيا . و على حدّ قول مورفي و جاوس "هناك إحساس ملحّ في الشرق الأوسط، مفاده أن الولايات المتحدة لا تدعم الديموقراطية في المنطقة، و لكنها تدعم ما هو من صالحها استراتيجيا، و تصفه بالديموقراطية "، (وأنا أجد قولهما أمينا و صادقا) .
و بالرغم من أن حقوق الإنسان و الديموقراطية، ليسا من المصالح التي تسعى الولايات المتحدة بشكل نشيط لفرضها أو لحمايتها في الشرق الأوسط، فهما من الاهتمامات العامة، التي قد تعوق محاولات الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحها الأخرى .
نري هذا بوضوح أكبر في استعراضنا لباقي أجزاء هذه الدراسة، من خلال الرسائل التالية

الأحد، ديسمبر ٠٢، ٢٠٠٧

أمريكا ... المؤامرة !



الشرق الأوسط هو الهدف

البنتاجون، و "راند"، و التخطيط لمستقبلنا

النتيجة الطبيعية لغرقنا في التفاصيل الصغيرة، و المصالح الانتهازية الهزيلة، و إصرارنا على رفض النظر إلى ما هو أبعد من موقع أقدامنا، و فشلنا في التوصّل إلى رؤية مستقبلية شاملة، تستند إليها استراتيجياتنا و خططنا، و تنسّق عمليات إعادة البناء الشاملة المطلوبة، و التي سبقتنا إليها العديد من المجتمعات في الشرق و الغرب ..النتيجة الطبيعية لذلك كلّه هي أن تتقدّم أمريكا لتدرس أوضاعنا، بموضوعية في كثير من الأحيان، لكنها عندما تصل إلى التخطيط لمستقبلنا، و إصلاح حياتنا الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، تفعل ذلك بشكل تآمري لحساب مصالحها في المنطقة، و في العالم أجمع .
و سنحاول أن نعطي فكرة عن ذلك الجهد من جانب النظام الحاكم الأمريكي. لكننا في نفس الوقت لا ننكر أن الكثير من الحقائق التي توصّلت إليها هذه الدراسة جاءت دقيقة و سليمة، و يجدر بنا أن نستفيد من منهجها عندما نتصدّى بأنفسنا ـ حين يأتي الزمن المنشود ـ لكي نفهم واقعنا على أساس موضوعي، دون مزايدات أو مناقصات .. ثم نتعلّم كيف لا ننزلق إلى الأخذ باستنتاجات الباحث الأمريكي الذي تحكمه في هذا المجال مصالح عليا للطبقة الرأسمالية الحاكمة، و واجبات تفرضها مجموعة " المحافظون الجدد " التي تدير هذا النشاط، من بين ما تدير من شئون الشعب الأمريكي .
المؤسسة اسمها " راند "، ظاهرها فكري و ثقافي، لكنّها بحكم تبعيتها لسلاح الجو بالبنتاجون الأمريكي، تقوم بالدراسات التي ـ كما سنرى ـ ترسم خطى الرئاسة الأمريكية، في جميع الحروب التي تقوم بها، من أجل المزيد من السيطرة و التحكّم في مقادير و ثروات العالم .. و سنبدأ بطرح أحد أعمال هذه المؤسسة، و الذي استهدف مستقبل بيئة الأمن في الشرق الأوسط .. كنموذج للطريقة التي تفكّر بها وزارة الدفاع الأمريكية، لحسابها، و نيابة عنّا ..
صدر الكتاب عام 2004 عن مؤسسة (راند) التابعة لسلاح الجو بالبنتاجون الأمريكي .. و الكتاب هو حصيلة مجموعة دراسات، يعتمد عليها النظام الحاكم الأمريكي.. و من واقع السياسات التي يلتزم بها نظام جورج بوش، يظهر مدى أهمية هذه الدراسات، وتأثيرها على مجرى التفكير والتحركات السياسية و العسكرية الأمريكية . و الكتاب له اسم طويل " مستقبل بيئة الأمن في الشرق الأوسط .. الصراعات، الاستقرار، و التغيّر السياسي "، و هو يضم مجموعة دراسات جادة، قامت بها مجموعة من الباحثين و المفكّرين، و جمعها و حررها كل من نورا بن ساهيل، و دانييل بايمان ..
و نظرا لأهمية السياسات المقترحة في هذا الكتاب، و التي تمس جوهـر حياتنا في الشرق الأوسط، سأحاول أن أطرح أهم الأفكار و التحليلات التي يتضمنها ، مركّزا على الفصول التي تبحث في احتمالات الإصلاح السياسي في دول الشرق الأوسط، و احتمالات تغيير القيادات في العالم العربي ..

التنمية .. و التغيرات الكبرى

يقول الكتاب أنّه منذ انتهاء حرب الخليج عام 1991، تزايدت التهديدات في الشرق الأوسط .. كما أن انهيار عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، و ما تبع ذلك من انفجارات للعنف، ألهبت المشاعر السلبية تجاه الغرب في أنحاء العالم العربي . و يرى الكتاب أنة عمليات التنمية و التطوير التي سادت المنطقة خلال العقد الماضي، قد ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة . و قد عرفت الدول العربية جيلا جديدا من القادة، لم تختبر قدراته على الحكم، و لا عناصر دعمه الداخلية . و يشير الكتاب إلى أن زيادة أعداد المتعلمات من النساء قد شكّل تحديا لتسلسل الرئاسات التقليدي . كما حدث تنوّع في رؤية الجماهير للمسائل السياسية و الاجتماعية، نتيجة لشيوع التكنولوجيات المعلوماتية، مثل تلفزيون القنوات الفضائية .. ثم ينتقل الكتاب إلى بيت القصيد من تأليفه، ليطرح تأثّر المصالح الأمريكية بما يحدث في العالم العربي .
يقول الكتاب أنّه في أعقاب هجوم 11 سبتمبر 2001، أصبح الشرق الأوسط يلعب دورا أكثر بروزا في سياسات الولايات المتحدة . و يضيف أن الولايات المتحدة تعتمد على شركاء لها في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل و السعودية و قطر و مصر و غيرهم، في محاربة الإرهاب، و إيقاف تسرّب أسلحة الدمار الشامل إلى الدول المعادية لأمريكا . و خسارة بعض الشركاء الأساسيين، نتيجة تغيرات عدوانية للنظم، أو زيادة مشاعر الكراهية لأمريكا، يمكن أن يحدّ من قدرة الولايات المتحدة على مقاومة الإرهاب في المنطقة .
و بوضوح أكبر، يقول الكتاب أن الولايات المتحدة لها مصالح في الحفاظ على أسعار طاقة مستقرّة، و إمدادات مناسبة منها .

مؤشرات عدم الاستقرار

درس مشروع (راند) المؤشرات الحالية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، في الشرق الأوسط، لمحاولة التنبؤ بالتهديدات المستقبلية للأمن الإقليمي، و أثرها المحتمل على الولايات المتحدة، فوجدها كالتالي :
تقدّم الليبرالية سيكون بطيئا، و الديموقراطية ستكون محدودة بشكل أكبر :
دول الشرق الأوسط تحكمها، بالتحديد، نظم شمولية غير ديموقراطية .و لقد وقعت هذه الدول في السنوات الأخيرة تحت ضغوط لإصلاح نظامها السياسي، و تخفيف قبضة الحكومة على وسائل الإعلام، و على وسائل تعبير الجماهير عن رأيها . و استجاب البعض بإبداء المزيد من الليبرالية، و لكن بالأقل من الديموقراطية، فمؤسسات المجتمع المدني ظلّت محكومة بالنظام، و غير معبرة عن مصالح القواعد .
تدهور الاقتصاد، يزيد ـ في الأغلب ـ من عدم رضا الشعب عن الحكومة :

جهود الإصلاح الاقتصادي الأخيرة، فشلت في توفير الوظائف، و اجتذاب الاستثمارات الخارجية إلى الشرق الأوسط . لقد قادت الديون الثقيلة و ارتفاع الضرائب و الفسـاد الحكومي إلى إعاقة النمو الاقتصادي . كما أن استمرار الهبوط الاقتصادي سيحجّم ثقة الشعوب في قياداتها، ممّا يضاعف من احتمالات القلاقل . كذلك تزايد عدد المتعلمين من الشباب الذين لا يجدون عملا، سيخلق أرضا خصبة لنمو الحركات الأصولية . في الوقت الذي قد يقود فيه الإصلاح الاقتصادي إلى زعزعة النظام، نتيجة لاستبعاد المصالح الخاصّة التي تسند النظام .
سينصب جهد الجيوش على التحكّم الداخلي، أكثر من الدفاع الخارجي :
و لمّا كانت الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية مسببة في زيادة التهديدات الداخلية، فسينصب جهد القوات العسكرية على المهمات البوليسية الداخلية، مثل مواجهة المظاهرات، مع تدنّي قدراتها على الدفاع الخارجي، و هذا يشكّل عواقب متناقضة بالنسبة لأمريكا، لأن سيطرة الجيوش على الداخل سيضمن للولايات المتحدة أن يكون لدى الحلفاء من العرب القدرة على التحكّم في الجماعات الإرهابية داخل حدودها . و في نفس الوقت، سيكون هؤلاء الحلفاء أقل فعالية عند المشاركة في العمليات الهجومية الأمريكية . ( صراحة واضحة !!)
قادة الدول العربية الجدد قد يكونوا أضعف و أقل قدرة على التعاون مع الولايات المتحدة :
قيادات جديدة تسلّمت السلطة في إيران و الجزائر و البحرين و الأردن والمغرب و سوريا ..و هناك تغييرات أخرى متوقّعة في المستقبل القريب، في السعودية و مصر (خاب توقّع أمريكا بالنسبة لمصر !) . هذه القيادات الجديدة ستعمد إلى التركيز على اكتساب شعبية في دولها، لهذا قد يصبحوا أقل استعدادا للتعاون مع الولايات المتحدة في حربها مع الإرهاب، و لقبول التفاوض العربي مع إسرائيل في مفاوضات سلام قادمة . بالإضافة إلى وقوع القيادات محدودة الخبرة في أخطاء في سياستها الخارجية، بالمبالغة في تقدير قوّتها، أو بالاعتماد على الدعم العالمي، الذي يثبت عدم تأثيره .
تغيير نسق أسواق الطاقة، سيدعم روابط الشرق الأوسط بآسيا :

الشرق الأوسط يسيطر على 70% من مخزون البترول العالمي . و من المتوقّع في السنوات القادمة،أن تتحوّل الولايات المتحدة و أوروبا في نسبة عالية من استهلاكها من بترول الشرق الأوسط إلى بترول روسيا. هكذا تصبح آسيا المستهلك الرئيسي لبترول الشرق الأوسط، ممّا يمكن أن يكون له آثاره السياسية الهامة على الغرب . و تعتبر الصين و كوريا الشمالية و روسيا من بين أكثر الدول توريدا لأسلحة الدمار الشامل، و تكنولوجيا الصواريخ . و من ثم، من المتوقّع أن تنمو تجارة الدفاع بين آسيا و الشرق الأوسط .. و سيصعب على أمريكا أن تضغط على الدول الموردة لكي تمتنع عن توريد الأسلحة لدول الشرق الأوسط العدوانية .
تكنولوجيات الاتصال قد تزيد من طلب الشعب المشاركة في الحكم :
قد يقتصر استخدام الانترنيت على مستويات اقتصادية معينة في الشرق الأوسط، بعكس التكنولوجيات المتوسّطة مثل تلفزيون الفضـائيات، و أجهزة الفيديو، و الفاكس، و الآلة الناسخة، التي تنتشر بين القواعد . التكنولوجيات هذه يمكن أن يكون لها أثرها العميق على المشهد السياسي . فهي تزوّد الجمهور بوجهات نظر مختلفة في السياسة، و في الأحداث العالمية . و من بين الآثار المحتملة، أن تصبح حكومات الشرق الأوسط مجبرة على اتخاذ خطوات جادة لمنع الفساد، و إضفاء الشفافية على النشاط الحكومي . لكن، من المحتمل أيضا أن تصبح الحكومات في مواجهة هذا أكثر شمولية .
ستواصل دول الشرق الأوسط تطوير أسلحة الدمار الشامل، و الحصول عليها :

استمرار تسـرّب أسلحة الدمار الشامل إلى الشرق الأوسط ستكون له عواقـب وخيمة على المنطقة و العالم . و وجود هذه الأسلحة في بعض الدول سيعوق حرية أمريكا في إنزال قواتها، كما يضعف أثر تلك القوات . كما أن وقوع أسلحة الدمار الشامل في أيدي الجماعات الإرهابية، يهدد أرض الولايات المتحدة .

* * *
ثم يأتي تساؤل هام من جانب كتاب " مستقبل بيئة الأمن في الشرق الأوسط " : هل يجب أن تنحاز أمريكا إلى تشجيع الاستقرار السياسي ( بغضّ الطرف عن سوء الأوضاع الديموقراطية )، أم أن تشجّع الإصلاحات الديموقراطية ( بكل ما يحمله هذا من مخاطر بالنسبة لأمريكا )؟ ..و إلى الرسالة التالية .

الأحد، نوفمبر ٢٥، ٢٠٠٧

كراهية أمريكا .. لماذا ؟


قصّة مستنقعين
حديث نعوم تشومسكي
لمجلة نيوزويك الأمريكية

أعتمد فيما سأورده ، حول دوافع الكراهية السائدة لأمريكا من جانب معظم شعوب العالم، و بصفة خاصّة شعوب الشرق الأوسط،على الوقائع الثابتة التي جمعها الشرفاء من المفكرين و الكتّاب الأمريكيين، و التحليلات التي قام بها كبار الأساتذة في الجامعات الأمريكية .. و لنبدأ بأحدث تحليل عن الواقع الحالي للتدخّل الأمريكي بالعراق، على لسان الأستاذ الجامعي الأمريكي نعوم تشومسكي
في حديث لمجلة نيوز ويك الأمريكية، في أوائل يناير2005، تحت عنوان (قصّة مستنقعين) ، قال تشومسكي " نجحت إدارة بوش في جعل الولايات المتحدة أحد أكثـر دول العالم، إثارة للخوف و الكراهية .." . و هو يعتقد أن المجموعة التي حول بوش تصنع أكثر الإدارات خطورة في التاريخ الأمريكي . و نعوم تشومسكي، من أكثر المثقفين الأمريكيين تأثيرا، خلال القرن العشرين، و هو أستاذ في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا .. تكمن شهرته في اعتباره العقل القائد في حركة معاداة الحروب، في بداية الستينيات خلال مغامرة فييتنام .. لكنه ما زال اليوم في أوج نشاطه .
كانت تساؤلات محرر (النيوز ويك) مايكل هاستنجز تدور حول مستقبل أوضاع العراق، و الفوارق بين حركة معاداة الحرب زمن فييتنام، و حركة اليوم بالنسبة للعراق . باختصار شديد سأورد أهم ما قاله تشومسكي في ذلك الحوار
· في الحالة الأولى، كان هدف أمريكا تحطيم فييتنام، لكي لا تصبح نموذجا ناجحا في التنمية المستقلة، بالنسبة لباقي دول المنطقة .. كان من الممكن تخريب فييتنام و الانصراف، لكن هذا لم يكن ممكنا في حالة حرب العراق
و عن سؤال حول مدى نجاح حركة معاداة الحرب في الحربين، قال أن الاحتجاجات بدأت بعد مرور سنوات على بداية حرب فييتنام . أمّا بالنسبة للعـراق فقد اندلعت الاحتجاجات العارمة في أنحاء العالم
قبل أن تبدأ الحرب، بطريقة غير مسبوقة

· لقد نجحت إدارة بوش في جعل الولايات المتحدة، واحدة من أكثر الدول إثارة للخوف و الكراهية في العالم
* * *

بعيدا عن هذا كلّه، سنحاول أن نرصد جرائم الولايات المتحدة في العالم، و في الشرق الأوسط بالتحديد .. الجرائم المعلنة التي يتبجّح بها بوش و طاقمه من قبيلة المحافظين الجدد، و الجرائم الخفية التي تتولاّها الأجهزة السريّة للنظام الأمريكي .. الاغتيالات، و المؤامرات، و الانقلابات . و سنبدأ بسرد تاريخي لتدخلات أمريكا غير الشرعية في الشرق الأوسط من 1918، و حتّى أكتوبر 2001
بعيدا عن العواطف، و العقد النفسية .. و محاولة تصوير إجماع شعوب الشرق الأوسط على كراهية حكومة الولايات المتحدة على أن مرجعه إلى الغيرة و الحسد (!) .. الغيرة من الثراء الأمريكي, و الحسد للقوّة الباطشة المهلكة للآلة العسكرية الأمريكية .. بعيدا عن هذا كلّه سنحاول طرح الأسباب المادية الموضوعية لهذه الكراهية الشاملة لأمريكا، من جانب شعوبنا، و غير شعوبنا . بل قد نتمكّن من أن نظهر إشفاقنا الحقيقي العميق على الشعب الأمريكي، باعتباره الضحية الأولي لمطامع الاحتكارات الرأسمالية التي تسيطر على الحكومة الأمريكية
الدراسة الأمريكية التي نعتمد عليها صادرة عن جهة علمية لا تهتم سوى بالحقائق . و هي تقسّم هذه الفترة الزمنية الطويلة، 1018 ـ 2001، إلى أربعة مراحل أساسية :
أولا: اقتحام الشرق الأوسط، و حروب النفوذ و البترول
ثانيا: فرض العملاء، و محاربة حركات التحرر الوطني
ثالثا: مؤامرات و اغتيالات في و انقلابات في مصر و العراق و الأردن و و سوريا و لبنان
ثم المرحلة الأخيرة: و الأطول، التي بدأت عام 1978، و شهدت سقوط الشاة الإيراني، و غزو السوفييت لأفغانستان .. و التي تقف عند أكتوبر 2001، و القصف الأمريكي لأفغانستان، تحت شعار :الحرب ضد الإرهاب العالمي

السعي إلى النفوذ و البترول

بداية الاقتحام الأكبر للولايات المتحدة في شئون الشرق الأوسط، جرى ـ وفقا لهذه الدراسة ـ بين 1918 و 1945 . و قد ركّزت الولايات المتحدة في هذه الفترة الاستهلالية في محاولة دعم نفوذها في المنطقة الجديدة عليها، و تأمين شراهتها الاستهلاكية بتوفير أكبر قدر من إمدادات النفط
من1920 إلى 1928 : الضغط على بريطانيا، القوّة السائدة في الشرق الأوسط حينئذ، للتوقيع على " اتفاقية الخط الأحمر "، التي تنص على عدم استثمار بترول الشرق الأوسط على يد جهة وحيدة دون مشاركة الآخرين . عندئذ، حصلت كل من ستاندرد أويل و موبيل على نصيب من شركة البترول العراقية .
من1932 إلى 1934 : اكتشاف البترول في البحرين، و السعودية، و الكويت . و حصل شركات البترول الأمريكية على امتيازاتها .
عام1944 : توقيع اتفاقية البترول الإنجليزية الأمريكية، التي تقسّم بترول المنطقة بينهما .
من1948 إلى 1960 : كسبت رؤوس الأموال الغربية 8و12 بليون دولار، من استخراج وتصفية
بترول الشرق الأوسط، باستثمار ثابت يبلغ3و1 بليون دولار
تغيير النظم و حرب حركات التحرر

نوفمبر 1947 : بضغوط أمريكية، يصدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية و دولة صهيونية . مخصصا 54% من الأرض للصهيونيين، رغم أن عدد المستوطنين اليهود بلغ ثلث السكان .
مايو 1948 : اندلاع الحرب بين إسرائيل و الدول العربية، فتطرد اسرائيل 800 ألف فلسطيني، ثلثي تعدادهم، إلى لبنان و الأردن و سوريا و غزّة و الضفة الغربية، و تستولي على 77% من أرض فلسطين
و سريعا ما تعترف الولايات المتحدة بإسرائيل .
من1949 إلى 1955 : مؤامرة عسكرية تدبرها المخابرات الأمريكية، تسقط الحكومة السورية المنتخبة، و تقيم حكومة دكتاتورية بقيادة حسني الزعيم . و امتداد الحلف العسكري الأمريكي إلى الشرق الأوسط بدخول تركيا إلى حلف شمال الأطلنطي ( 1952 ) . مؤامرة للمخابرات المركزية الأمريكية تسقط حكومة مصدّق في إيران، بعد تأميمه لبترولها، و تعيد رضا بهلوي للعرش لمدة 25 سنة، قام فيها بتعذيب و حبس و قتل كلّ من عارضه سياسيا ( 1953 ) . أمريكا تقيم نظام رادار قوي في تركيا للتجسس على الاتحاد السوفييتي عام 1955
تدخلات و انقلابات ..بالبلاد العربية

يوليو 1956 : بعد سحب تمويل السد العالي، و تأميم عبد الناصر لقناة السويس، و غزو بريطانيا و فرنسا و إسرائيل لمصر.. هدد ايزنهاور باستخدام القنبلة الذرية إذا تدخّل الاتحاد السوفييتي إلى جانب مصر، و في نفس الوقت أزاحت بريطانيا و فرنسا و إسرائيل، مؤكّدة سيطرتها على المنطقة .
أكتوبر 1956 : إلغاء خطة انقلاب أمريكي على الحكم المنحاز إلى اليسار في سوريا، نتيجة لتوقيتها الذي جاء في نفس يوم الغزو الثلاثي لمصر .
إبريل 1957 : بعد انفجار المظاهرات المعادية للحكم في الأردن، أسرعت الولايات المتحدة بوضع الأسطول السادس في مواجهة الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض، و أنزلت المارينز في لبنان تحسبا للأوضاع، و فعلت نفس الشيء في سبتمبر لمواجهة سوريا ذات العلاقات مع روسيا، و أمدت الحلفاء بالسلاح، الأردن والعراق و لبنان و تركيا و السعودية ..و شجّعت تركيا على حشد 50 ألف جندي على الحدود الشمالية لسوريا .
عام1958 : دخول مصر و سوريا في الجمهورية العربية المتحدة، ثم في نفس الوقت إسقاط فيصل الثاني، ملك العراق، صاحب الميول الأمريكية، على يسد مجموعة من الضباط الوطنيين، و انفجار المظاهرات المضادة للحكومة اللبنانية، و للولايات المتحدة، بعد أن تدخلت المخابرات المركزية الأمريكية في تنصيب كميل جميّل رئيسا و دعم وجوده، مما ترتّب عليه نشر الولايات المتحدة 70 قطعة بحرية، و مئات الطائرات، و 14 ألف جندي من المارينز، للحفاظ على الأوضاع في لبنان . و قد هددت أمريكا
باستخدام الأسلحة النووية لمواجهة الجيش اللبناني إذا ما أبدى أية مقاومة، و أيضا لمنع توغـّل العراقيين في آبار البترول الكويتية .. كما وضعت الولايات المتحدة خططا سرّية بالاشتراك مع تركيا لغزو العراق .. و قد حفظت الخطّة و صرف النظر عنها بعد أن هدد الاتحاد السوفييتي بالتدخّل
منع الوحدة و تخريبها
من1957 إلى 1958 : كيرمبت روزفلت مسئول المخابرات المركزية الأمريكية، الذي كان مسئولا عن مؤامرة الانقلاب بإيران عام 1953، يفشل في حبك مؤامرة لاغتيال جمال عبد الناصر في مصر . و فيما بين يوليو 1957 و أكتوبر 1958، كشفت الحكومتان المصرية و السورية عن ثماني مؤامرات منفصلة، على الأقل، لإسقاط هذه الحكومة أو تلك، و لاغتيال عبد الناصر، و لمنع الوحدة المتوقّعة بين مصر و سوريا .
عام1960 : أمريكا تعمل علانية لمحاربة الحكومة العراقية، بدعم القوى الكردية المعارضة، و تفشل في محاولة اغتيال الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم، الذي كان يميل إلى الاتحاد السوفييتي .
عام1963 : اشتراك أمريكا مع حزب البعث ( الذي سيرأسه صدام حسين بعد ذلك بقليل ) في مؤامرة إسقاط نظام عبد الكريم قاسم .
عام1966 : لأوّل مرة تبيع أمريكا قاذفات القنابل النفّاثة لإسرائيل، خارقة بذلك قرار عام 1956 بعدم بيع السلاح للدولة الصهيونية
حرب الأيام الستّة و أيلول الأسود

يونيو 1967 : بدعم و سلاح أمريكا، خاضت اسرائيل حرب الأيام الستّة، مستولية على 23% من الأراضي الفلسطينية التاريخية في الضفّة الغربية و غزّة و القدس الشرقية .. بالإضافة شبه جزيرة سينا من مصر، و مرتفعات الجولان من سوريا .
في17 سبتمبر1970 : القوات الأردنية، بمساندة أمريكا و إسرائيل، تهاجم المخيمات و المقاومة الفلسطينية، بينما يسقط الطيران الأردني إمدادات أمريكا من قنابل النابالم على التجمعات الفلسطينية . و بلغ عدد ضحايا أيلول الأسود هذا من الفلسطينيين، 5 آلاف قتيل و 20 ألف جريح .
عام1973 : أمريكا تمد إسرائيل بمعونة طوارئ عسكرية قيمتها 2و2 بليون دولار، بعد تحرّك القوات السورية إلى الجولان، و المصرية إلى سيناء .
من1973 إلى 1975 : مساندة أمريكا للمتمردين العراقيين، لتقوية النظام الإيراني، و إضعاف العراق التي كانت تميل إلى السوفييت

مغامرات أمريكا في إيران

عام1978 : مع بدايات ثـورة الشعب الإيراني ضد الشـاه المكروه، واصلت الولايات المتحدة الأمريكية مساندتها له " بلا تحفّظ "، و طالبته بأن يكون أكثر عنفا مع الشعب الإيراني . و في 8 سبتمبر، نصبت مذبحة لما يقرب من 8 آلاف متظاهر ضد الشاة في ميدان جاليه بطهران .
عام1979 : تحاول الولايات المتحدة، دون نجاح، أن تنقذ الشاه بمغامرة عسكرية . و في يناير، يضطر الشاه إلى الفرار، و استولت الثورة الإسلامية الشيعية، بقيادة الخوميني، على الحكم .
صيف 1979 : الولايات المتحدة الأمريكية تساند ـ علنا ـ جهود حكومة الخوميني في سحق التمرّد الذي قامت به حركة التحرر الكردية، فسيطرت إيران على كردستان
و إلى الرسالة التالية لنستكمل هذا السرد العجيب الذي يطرحه الكاتب الأمريكي الحرّ نعوم تشومسكي

الجمعة، نوفمبر ٢٣، ٢٠٠٧

شهادة أمريكي حرّ




المستنقع الأفغاني
في هذه الرسالة، نستكمل الحوار الذي أجرته مجلة " نيوزويك" الأمريكية، مع الكاتب الأمريكي الحرّ نعوم تشومسكي، و الذي يجري فيه حصرا تاريخيا للجرائم و الحروب و المكائد و الاغتيالات التي قام بها النظام الحاكم الأمريكي، و خلقت الكراهية السائدة له عند معظم شعوب العالم .. و نواصل رصد الدلائل التاريخية على مصادر كراهيتنا للولايات المتحدة الأمريكية
عام1979، الرئيس الأمريكي كارتر يعلن أن الخليج أصبح من المناطق الحيوية، , أن الولايات المتحدة يمكن أتحارب لضمان تدفّق البترول من المنطقة . و في صيف ذلك العام، تبدأ الولايات المتحدة في أفغانستان تسليح و ترتيب التنظيم الأصولي الإسلامي " المجاهدون " . و كان من المعلوم أن هذا التنظيم سيقود التحرّك العسكري ضد الوجود السوفييتي ( على مدى السنوات العشر التالية، أنفقت أكثر من 3 بليون دولار على السلاح و على المجاهدين، بالإضافة إلى ثلاثة بلايين أخرى من السعودية حليفة أمريكا ) .
4نوفمبر1979، المحاربون المسلمون، بدعم من الخوميني يستولون على السفارة الأمريكية في طهران، و يطالبون باستعادة الشاه لمحاكمته . و بقيت السفارة، و بها 52 من موظفيها في قبضة القوات الإسلامية لمدة 444 يوما . جرت خلالها محاولة فاشلة، و مهينة، من جانب أمريكا لإنقاذهم
ديسمبر1979 ،الجيش السوفييتي يستولي على أفغانستان
عام 1980 ، الولايات المتحدة تبدأ تحريك سريع لقواتها، و تقدّم مساعدات إضافية للحكومات الرجعية العميلة مثل تركيا و باكستان و السعودية

حروب العراق و إيران و إسرائيل

سبتمبر(22)1980، بدعم تكتيكي من الولايات المتحدة، العراق تغزو إيران، بادئة الحرب التي تواصلت إلى 8 سنوات . و كانت أمريكا تزوّد إيران بالمال، و العراق بالمعلومات الاستخبارية و الدعم السياسي، من أجل استمرار الحرب، لإضعاف الدولتين، و السيطرة عليهما
عام 1981 ، إدارة ريجان تحض سرّا إسرائيل، و غيرها من النظم العميلة مثل كوريا الجنوبية و تركيا، لشحن مئات الملايين من السلاح المصنوع في أمريكا إلى إيران، رغم قرار الحظر السابق
عام1982 ، بضوء أخضر من الولايات المتحدة، تغزو إسرائيل لبنان للقضاء على الفلسطينيين و غيرهم من القوات المعادية لكل منهما . النتيجة قتل ما يزيد عن 20 ألف فلسطيني و لبناني . و عند اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل، الموالي لأمريكا، تدخل إسرائيل في اليوم التالي إلى بيروت الغربية، و تقتحم المليشيات المارونية ـ بدعم من القوات الإسرائيلية بقيادة إرييل شارون ـ مخيمي صبرا و شاتيلا للاجئين الفلسـطينيين، و في مذبحة بربريـة يقتلون ما يزيـد عن ألف من الرجال و النسـاء و الأطفال الفلسطينيين العزّل
عام1983 ، تحت غطاء قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات، ترسل أمريكا قواتها العسكرية، لحماية المصالح الأمريكية، بما في ذلك القوات الإسرائيلية . و تضطر أمريكا لسحب قواتها بعد عملية انتحارية وسط قوات المارينز

اغتيال و أسلحة و انتقام

عام1983 ، المخابرات ا لمركزية الأمريكية تشترك في اغتيال الجنرال أحمد دليمي، القائد العسكري المغربي، الذي كان يسعى إلى إسقاط الملك المغربي الموالي لأمريكا
ربيع 1983 ، الولايات المتحدة تسلّم جمهورية إيران الإسلامية قائمة بأسماء عملاء السوفييت في إيران . و في 1984، تسقط الولايات المتحدة طائرتين نفاثتين إيرانيتين، فوق الخليج الفارسي .
عام1985 ، تحاول الولايات المتحدة اغتيال الزعيم الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله . تفشل المحاولة، و يسقط فيها 80 لبناني قتيلا .
عام1986 ، عند انفجار قنبلة في ملهى ليلي في برلين، و يقتل في ذلك اثنين من الأمريكيين، تحمّل أمريكا اللوم على ليبيا، فتقصف الولايات المتحدة المنشئات الليبية العسكرية، و المناطق السكنية في طرابلس و بنغازي، و بيت القذافي، فتقتل 101 ليبيا، من بينهم ابنة القذافي المتبنّاة .
عام1987 ، تنتشر البحرية الأمريكية في الخليج الفارسي لتمنع إيران من اعتراض شحنات البترول العراقي، خلال ذلك تطلق البحرية قذائفها على طائرة مدنية إيرانية، فتقتل 290 راكبا كانوا عليها .
مؤامرة الغزو العراقي للكويت
يوليو 1990 ، سفيرة أمريكا في العراق آبريل جلاسبي تعقد لقاء مع صدام حسين، يهدد فيه بعمل عسكري ضد الكويت لتعديها على أراضي العراق، و تجاوزها نصيبها في ضخ البترول . ثم تقوم بمؤامرتها لإشعاره أن أمريكا قد لا تعارض هذا : ليست لدينا فكرة عن الصراعات العربية ـ العربية، كما هو الحال في خلافكم الحدودي مع الكويت أغسطس 1990 ، العراق تغزو الكويت، و تستغل الولايات المتحدة ذلك الحدث في دعم نفوذها على الخليج الفارسي . و بدأت ردود فعلها المعروفة، الإدانة و رفض التسوية الدبلوماسية، و فرض العقوبات
16يناير 1991 ، الولايات المتحدة تقود قوات الحلفاء لغزو العراق في " عملية عاصفة الصحراء " . خلال 42 يوما تالية أسقط 88 ألف طن من القنابل، هادمة نظم الكهرباء و المياه، ثم بدأ الزحف . مات في هذه العملية ما بين 199 ألف، و 200 ألف عراقي .
عام1991 ، تنسحب العراق من الكويت، مع وقف للنار، و تواصل أمريكا و بريطانيا فرض عقوباتها على العراق . . منذ ذلك الوقت تصاعدت أرقام القوات العسكرية الأمريكية، لتصل في منطقة الخليج إلى ما بين 17 ألف، و 24 ألف

و أفريقيا أيضا .. لماذا لا ؟

عام1992 ، قوات المارينز الأمريكية تهبط بالقرب من مقديشيو بالصومال " لفرض النظام و الأوضاع الإنسانية ! " . لكن الولايات المتحدة كانت تسعى إلى إسقاط الرئيس العسكري الصومالي محمد عيديد، و تنصيب رئيس موالي لأمريكا. في أكتوبر عندما حاولت القوات الأمريكية اختطاف اثنان من قيادات عيديد، التهبت معركة نيران عنيفة، تم إسقاط خمس طائرات هليكوبتر أمريكية، و قتل 18 و جرح 73 جنديا أمريكيا .. و عند انسحاب المارينز كانت الولايات المتحدة قد قتلت ما بين 500 و ألف من الصوماليين .
أغسطس 1998 ، بزعم الرد على مهاجمة السفارتين الأمريكتين في تنزانيا و كينيا، يطلق كلينتون 75 صاروخ كروز على أفغانستان، على فرض القضاء على بن لادن . كما تدك الولايات المتحدة مصنعا للأدوية في السودان، بزعم إنتاجه لكيماويات حربية .. ثم تعلن الخطأ الذي وقعت فيه .
ديسمبر(16) 1998 ، أمريكا و بريطانيا تعلنان بدء " عملية ثعلب الصحراء "، بهدف قصف بالقنابل لمواقع إنتاج الأسلحة النووية و البيولوجية و الكيميائية العراقية، لأربعة أيام متواصلة
يناير 2001 ، مرور عشر سنوات على حرب أمريكا مع العراق، و ما زالت العقوبات سارية، و تقدّر الأمم المتحدة وفاة 4500 طفل عراقي شهريا نتيجة للأمراض و سوء التغذية .الطائرات الأمريكية التي نفّذت 280 ألف طلعة فوق العراق، على مدى السنوات العشر، ما زالت تقصف العراقيين من الجو

* * *

ينتهي الحصر الذي وصلت إليه عند هذا التاريخ، السابق لفظائع احتلال أفغانستان و العراق، باعتبار أن أحداثها ما زالت ماثلة أمام أعيننا
أليس من حقنا اليوم أن نستنكر دعوى الولايات المتحدة برفض وصول حماس إلى الحكم في فلسطين من خلال عملية ديموقراطية، أكثر سلامة و يقينا من العملية التي جاءت ببوش إلى الحكم .. باعتبار أن حماس جماعة إرهابية ! . أليس إرهاب الدولة الأمريكية أقوى بآلاف المرات ممّا تزعمه من إرهاب حماس ؟ .. طبعا، مع الفارق بين الذي يسعى إلى تحرير أرضه و موارده من المغتصب المحتلّ، و الذي يسعى إلى اغتصاب ثروات شعوب على بعد نصف محيط الكرة الأرضية، ليضاعف ثروات عصابة من كبار الرأسماليين الاحتكاريين تحكم أمريكا
هل يجوز بعد هذا أن نتساءل : لماذا تكره شعوب الشرق الأوسط الولايات المتحدة الأمريكية ؟

الجمعة، نوفمبر ١٦، ٢٠٠٧



سرّ الانفصام الملفت
في الحياة الأمريكية ..
ما هو المعنى المعاصر للتخلّف؟

سألني الصديق الذكي، بابتسامة تحمل ظلا من السخرية : و هل توافق أنت على هذا التعليل للكراهية الشائعة تجاه الولايات المتحدة ؟
قلت جادّا، أن كراهية أمريكا أو حبها لا يعنياني، لكن ما يعنيني بالدرجة الأولى، و جعلني أجتهد قي دراسة هذه الظاهرة الغريبة، هو تأمّل واقع الولايات المتحدة المعاصرة، و محاولة التوصّل لإجابات معقولة لواقع لا يتّسم بالعقلانية
فما هو سرّ الانفصام الملفت الذي طرأ على الحياة الأمريكية ؟
كانت الولايات المتحدة الدولة الرائدة، في طليعة الدول التي اهتمت بالتكنولوجيا المعرفية، و أشاعت استخدامها،وحققت اختراقا مرموقا إلى واقع مجتمع المعلومات، و سبقت بذلك جميع الدول الصناعية المتقدمة
و كانت الدولة الرائدة في إقامة البنية الإلكترونية المعلوماتية، مساهمة في الإسراع في معدلات تدفّق المعلومات و المعارف
و قد استفادت كثيرا من هذا في إعادة بناء الكيانات الإدارية، و جعلتها خاضعة في تكوينها للتنظيمات الشبكية، متبادلة المنفعة، في مكان التنظيمات الهرمية البيروقراطية الجامدة
لقد تبنّت الولايات المتحدة خطوات الانتقال إلى مجتمع المعلومات، في المجالات التي ذكرتها .. ثم توقّفت نهائيا عن الوفاء بمتطلبات مجتمع المعلومات في مجالات أخرى، بل و ربما بدت أكثر تخلفا من دول أخرى، كبيرة و صغيرة
المعنى المعاصر للتخلّف

قاطعني الصديق الذكي سائلا " كيف ؟.. في أي مجالات ترى أن الولايات المتحدة قد تخلّفت ؟ " .. أجبت، أن التخلّف الذي أقصده، هو التخلّف عن التحوّل من أسس و مبادئ عصر الصناعة، إلى أسس و مبادئ عصر المعلومات .. هذا هو المعنى المعاصر للتخلّف، و هو أيضا المعنى الجديد لليمين و اليسار أيضا
لم يعد اليساري هو الذي يؤمن بالاشتراكية، و اليميني الذي يتمسّك بالرأسمالية، فالاشتراكية و الرأسمالية، كما أقول دوما، وجهان لعملة واحدة هي عصر الصناعة .. أي أنهما رؤيتين اقتصاديتين في التعامل مع المجتمع الصناعي . لكن، بعد انقضاء المجتمع الصناعي، وبزوغ مجتمع المعلومات، أصبح اليساري هو الذي يسعى لتطبيق حقائق مجتمع المعلومات، و اليميني هو الذي يتمسّك بالواقع القديم لعصر الصناعة، و في بعض الأحيان الواقع الأقدم لعصر الزراعـة، لغياب الفهم الواقعي لتطوّر المجتمعات البشرية، أو حرصا على المصالح الخاصّة
نتيجة للسيطرة الكاملة لاتحاد كبار تجار السلاح و البترول و المقاولات على النظام الأمريكي بأكمله، من الرئاسة ذاتها، إلى السلطة القضائية، إلى السلطة التشـريعية ممثّلة في المجالس النيابية، إلى وسـائل الإعلام و الثقافة الأكثر تأثيرا، مثل سي إن إن، و فوكس و هوليوود ..تجمدت حركة الولايات المتحدة في اتجاه مجتمع المعلومات، نتيجة تناقض ذلك التحوّل مع مصالح القوّة الحاكمة المسيطرة

المؤامرة تسفر عن وجهها

سأل الصديق الذكي باهتمام " لكن ما الذي جعل أمريكا الدولة الأغنى، و الأقدر من غيرها على اقتحام الجديد، والأكثر تقدما على طريق مجتمع المعلومات، تفقد مسارها، و تتلكأ و تتعثّر، و تغوص في حالة من انفصام الشخصية، غارقة في مشاكل تستنزف معظم طاقاتها ؟! .." . أجبت : إنها المؤامرة الكبرى، التي بدأت في أعقاب انهيار المعسكر الاشتراكي، و انفراد الولايات المتحدة بالقوّة في العالم
و شرحت ذلك قائلا أنه منذ أيام حكم ريجان، بدأت أولى خطوات المؤامرة الحالية التي يمكن تصنيف أحداثها تحت عنوان واحد هو ( جماعة المحافظين الجدد ).. و هي جماعة غريبة تضم مجموعة يعيش أفرادها جميعا في ظلّ وهم قوي، هو إمكان استغلال ظروف انفراد أمريكا بالسيطرة، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، في إقامة إمبراطورية عالمية، تخضع لها جميع الدول، الموالية لأمريكا قبل المعادية لها
بعد انتهاء حكم ريجان، و تولّي كلينتون، استثمرت هذه الجماعة بقيادة ديك تشيني سنوات حكم كلينتون في تنظيم نفسها، و في وضع دستورها المعروف باسم ( مشروع القرن الأمريكي الجديد )، الذي أعلنت عنه في يونيو عام 1997، قالت فيه، مستجيبة لمصالح الطبقة الحاكمة الأمريكية، و على رأسها كبار تجار السلاح و البترول : نحن نسعى لحشد القوى من أجل مساندة فكرة القيادة الأمريكية للعالم .. و بعد أن قادت الغرب للنصر في الحرب الباردة، تواجه أمريكا مهمة و تحديا : هل لدى الولايات المتحدة الرؤية للبناء فوق ما أنجزته في العقود الأخيرة ؟، هل لدى الولايات المتحدة العزيمة لتكمل قرنا جديدا أكثر توافقا مع المبادئ و المصالح الأمريكية ؟
و ما أن وصل جورج بوش الابن إلى الحكم، حتّى استغلت عصابة المحافظين الجدد تكوينه النفسي و الفكري، في الاستيلاء الكامل على إرادته .. فتتابعت الأحداث الكارثية التي نعرفها جميعا من أفغانستان إلى العراق، و يعلم الله إلى أين بعد ذلك
الأمريكيون .. أكثر كراهية لأمريكا

سأل الصديق الذكي: و هل هناك تناقض بين أن تحكم أمريكا العالم، و بين أن تواصل في نفس الوقت دخولها إلى مجتمع المعلومات، و مواصلة ريادتها في اقتحام المستقبل ؟
قلت له " نعم .. هناك تناقض كبير .." . لا يجب أن ننظر إلى ظاهر أدبيات المحافظين الجدد، بل أن نقوم بنوع من الترجمة الفورية الواقعية، لنكتشف أن فكرة الإمبراطورية الأمريكية هي في جوهرها حركة انتهازية من حلقة كبار تجار السلاح و البترول لمضاعفة أرباحها، على حساب الجميع .. على حساب آلاف القتلى من البشر في عمليات الغزو، من أبناء الدول الغازية و المعتدى عليها، مئات مليارات الدولارات التي اغتصبت من ميزانيات خدمات الشعب الأمريكي، و ذهبت إلى خزائن تجار السلاح، و نفقات الحرب ..و أخيرا، تخلّف الولايات المتحدة اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا عن مسيرة عصر المعلومات
و الحق يقال ... أكثر الناس كراهية لأمريكا، هم الأمريكيون أنفسهم
الواقع الإحصائي يؤكّد هذا الاستخلاص الذي قد يبدو غريبا بالنسبة لنا
ما تجمّع لدي من مواقع الإنترنيت الأمريكية التي تتحدّث عن كراهية العالم للولايات المتحدة .. عددها، و تنوّعها، و المستوى الثقافي للمشاركين فيها، يفوق كلّ تصوّر
و سأحاول أن استعرض فيما يلي من حديث، جانبا من الدراسة التي تتضمن تسجيلا زمنيا للتاريخ الطويل للتدخلات الأمريكية في شئون شعوب العالم، و بصفة خاصّة في حياة شعوب الشرق الأوسط .. الضغوط و التدخلات و المؤامرات و الاغتيالات و الانقلابات و تسليط آلتها العسكرية بكل طاقتها التخريبية . و سأعتمد في هذا على الوقائع الثابتة التي جمعها الشرفاء من المفكرين و الكتّاب الأمريكيين، و التحليلات التي قام بها كبار الأساتذة في الجامعات الأمريكية .. و لنبدأ بأحدث تحليل عن الواقع الحالي للتدخّل الأمريكي بالعراق، على لسان الأستاذ الجامعي الأمريكي نعوم تشومسكي

السبت، نوفمبر ١٠، ٢٠٠٧

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان

من هو نجمك السينمائي المحبوب؟

قبل أن تجيب أنظر إلى تعليقات نجوم هوليوود
و آرائهم عن العرب و المسلمين

بعد الانتصار الكبير الذي أحرزه
حسن نصر الله في حرب لبنان الأخيرة
على بوش و أولمرت و ذيولهما في المنطقة

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Sandra Bullock

سـاندرا بولـوك


أنا لا أعرف كثيرا عن الموضوع، لكن يجب أن تنتهي الحرب، حتّى يتوقّف نزيف الدم على الجانبين

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


George Clooney

جورج كلـــوني


بوش، شارون، بلير، و رايس أسماء سيدينها التاريخ

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Harrison Ford

هاريسون فـورد


العرب مخلوقات أقذر من الحيوانات، و نحن اليهود الشعب المختار .. لامجال للمقارنة

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Dustin Hoffman
داستين هوفمــان

لقد غابت الإنسانية عن الوجود عندما نشأت إسرائيل

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Al Pacino

آل باتشــينو


أنظروا إلى تاريخ إسرائيل، لتعرفوا من هو الإرهابي

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Mel Gibson

ميـل جيبســون


الصهاينه هم منبع الخراب، أتمنّى لو كنت أن أحارب ضدّهم

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Sean Connery

شـين كونري

نحن نتكلّم من موقع قوّة، ماذا لو كنّا نحن الضعفاء ؟

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Arnold Schwarzenegger

أرنولد شوارتزنيجر


العرب إرهابيون، و إسرائيل تجعل العالم مكانا آمنا . أحسنت فعلا يا إسرائيل

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Richard Gere
ريتشارد جيــر
العرب عبء على العالم، و يجب إفنائهم

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Angelina Jolie

أنجيلينا جولي

العرب و المسلمون ليسوا إرهابيين . يجب أن يتّحد العالم ضد إسرائيل

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Will Smith

ويـل ســميث
الجانبان على خطأ .. و يجب أن يتوقّف القتل

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Anthony Hopkins
أنتوني هوبكنز
إسرائيل تعني الحرب و الدمار، و نحن الأمريكيون وراء هذه الحرب .. و أنا أخجل لكوني أمريكيا

رأي نجوم هوليوود في حرب لبنان


Tom Cruiseتوم كــروز
العرب هم منبع الإرهاب، لا يرحمون أحدا من هجومهم . أتمنّى أن تحطمهم إسرائيل جميعا

الأحد، نوفمبر ٠٤، ٢٠٠٧

كراهية أمريكا .. لماذا؟


كراهية النظام الأمريكي..
عند معظم شعوب العالم !

قال الصديق الذكي، الذي افتقدت حواراته طويلا " الحديث عن كراهيتنا لأمريكا يخرج بنا من النطاق الفكري و السياسي، إلى ساحة العواطف و المشاعر .." . فسألته " وجهة نظري بالنسبة للمسألة الأمريكية، تتجاوز مشاعر الكراهية .. إن الذي يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، يؤذن بشر مستطيرـ لا يحيق فقط بشعوب العالم، كما حدث مع أفغانستان و العراق ـ و لكنه يلحق بالشعب الأمريكي نفسه، الذي سيفيق على كارثة، أشفق عليه منها .." . قاطعني الصديق الذكي مبتسما " و الإشفاق أيضا يا عزيزي .. عواطف .." .
الصديق الذكي محقّ فيما قاله، لكن كراهية أمريكا في قياسات الرأي العلمية، لا تقتصر على جماعة دون أخرى، و لا تقتصر على شعب دون آخر، و لا قارة دون أخرى .. و أسباب الكراهية موضوعية و ليست عاطفية . و قد يفيدنا هنا أن أشير إلى مقال للكاتب ريتشارد سبيد، يطرح فيه كتابا جديدا للكاتبين باري و جوديث كولب، عنوانه " كراهية أمريكا : تاريخ " . صاحب المقال ريتشارد سبيد محاضر في قسم التاريخ، بجامعة هايويرد بولاية كاليفورنيا. و هو يصدّر مقاله بعبارة مقتبسة للكاتب الشهير أوسكار وايلد، يقول فيها :
" أمريكا هي الدولة الوحيدة التي مضت من مرحلة البربرية إلى مرحلة التحلل و الانحطاط .. دون ما حضارة بينهما .." .
يتساءل مؤلّف الكتاب قائلا : " لماذا يكرهوننا ؟ " .. هذا السؤال يبدو أنه أصبح على كل شفاه هذه الأيام، و يبدو أن لكل واحد رأيه حول هذا . وفقا للبعض، الناس في أنحاء العالم، ببساطة، " يكرهون ديموقراطيتنا " . بالنسبة لآخرين، يكرهون وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، ضد الشعب الفلسطيني، بما يسلبه حقه الطبيعي .. و في أوروبا، من الشائع القول بأن الأمريكيين يتصرّفون كرعاة بقر مغرورين، و بأننا متعصبون دينيا، نحاول أن نفرض طرقنا على باقي العالم . أمّا المتطرّفون ـ و حتّى المعتدلون ـ في أمريكا اللاتينية يصرّون على أن الولايات المتحدة مسئولة عن الفساد السياسي الشائع جدا في تلك الأنحاء .
الكراهية ليست جديدة

و يستطرد الكاتب قائلا أن قلة هي التي تعلم أن هذه الكراهية ليست جديدة، و هو هنا يشير إلى كتاب " كراهية أمريكا: تاريخ " . و الكتاب دراسة تاريخية، حول ظروف الهجرة إلى القارة الجديدة، و نوعية المهاجرين، و طبيعة العقد التي أتوا بها من العالم القديم .. الأمر الذي قد لا تكون علاقة قوية بمصادر الكراهية المعاصرة .
يقول سبيد، أن الكتاب يضع الكراهية المعاصرة لأمريكا في سياقها التاريخي، باستعراض الظاهرة على مدى ثلاثة قرون . في المرحلة الأولى من كراهية أمريكا، حاولت الصفوة الفكرية الأوروبية أن ترجع التخلّف الأمريكي إلى البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الأمريكيون . و في المرحلة الثانية، و التي بدأت في العصر الثوري، أرجع تحلل الأمريكيين إلى البشر . و حتّى في أيام جيفرسون، كان ينظر إلى الأمريكيين باعتبارهم سلالة خليط من لغات تجمّع من مجرمي أوروبا، المنبوذين، المتعصبين دينيا، الفاشلين .. و باختصار حثالة المجتمع الأوروبي .
إذا انتقلنا إلى التاريخ القريب، خلال القرن التاسع عشر، كانت عداوة أمريكا التوجّه الثقافي لكل من اليمين المحافظ الذي كان يحتقر ( الجماهير )، و اليسار الرومانتيكي، الذي تحمّس و تخوّف في نفس الوقت تجاه ( الطبقات الخطيرة ) .
و مع تفجّر الثورة البلشفية، اكتسب العداء لأمريكا دعما حكوميا . فانضمت معاداة الرأسمالية، إلى معاداة الولايات المتحدة، في الدعايات المنتشرة التي يقوم بها الاتحاد السوفييتي . و بالنسبة إلى اليمين، ربطت الفاشية بين معاداة السامية و معاداة أمريكا .
و خلال 45 سنة، هي عمر الحرب الباردة، خفتت معاداة أمريكا في أوروبا الغربية، لأن دول لك المنطقة كانت تعتمد على الولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفييتي . و هي في الحقيقة خفتت في أماكن عديدة ما عدا فرنسا، التي كانت دائما مصدرا قويا لكراهية أمريكا .
السلالة الشريرة الجديدة

لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، و اختفاء الإمبراطورية الروسية، بدأت ثانية موجة خوف هستيرية من ( القوّة الهائلة الكبرى ) للولايات المتحدة .
في ختام تعليقه على الكتاب، يقول الأستاذ ريتشارد سبيد " يصف المؤلفان في سلسلة من الفصول كيف تجسدت كراهية النمط الأمريكي بين شعوب أمريكا اللاتينية، ثم بين شعوب الشرق الأوسط " . و يستطرد سبيد قائلا أن المؤلفين حاولا إرجاع تلك كراهية أمريكا في الشرق الأوسط، إلى رغبة حكام هذه الشعوب في التغطية على فشل المجتمعات الإسلامية في التوافق مع الحداثة . و يقول أن المؤلفين باري و جوديث روبين يعتقدان أن مثقّفي العالم الثالث يتبنون بشكل عام مقولات العداء لأمريكا القديمة، لكي يطبقونها على النظام السائد فيما بعد انقضاء الحرب الباردة . و يلخّص سبيد رأيه في الكتاب قائلا " من الواجب الإشارة إلى أن المؤلفين قد فشلا في مناقشة كراهية أبناء الشعب الأمريكي للنمط الأمريكي في الحياة، منذ حرب فييتنام .. كراهية أمريكا، هي في الحقيقة دليل فهم لنمو و انتشار أيديولوجية أخرى للشعور بالاضطهاد، و هي تحمل أوجه شبه لا تخطأ من معاداة السامية .. السلالة الشريرة الأسبق .." .
و إلى الرسالة القادمة لنرى وضع أمريكا الحالي وفقا المعنى المعاصر للتخلّف

الأربعاء، أكتوبر ٣١، ٢٠٠٧

أمريكا .. الشعب



الظلام الأبدي للعقل الأمريكي

الخطر الذي يتهدد الولايات المتحدة، ليس مصدره بن لادن و الإرهاب، أو إيران، أو كوريا الشمالية .. الخطر يسرى منتشرا في صمت عبر قواعد المجتمع الأمريكي، و يمس أثمن ما في الإنسان الأمريكي : عقله ! .. و أنا هنا أترك الحديث للكاتب و الناشط الأمريكي مانويل فلنزويلاس، الناقد الاجتماعي، و المحلل في مجال الشئون الدولية .
في دراسته الطويلة التي تحمل عنوان " الظلام الأبدي للعقل الأمريكي "، يقدّم الكاتب تحليلا عميقا واعيا صادقا لواقع الشعب الأمريكي . و هو يوضّح أبعاد المؤامرة على عقل الشعب الأمريكي، التي تعتمد على وسائل الإعلام واسعة الانتشار، التي تعمل وفق خطّة عليا، ترسمها في الخفاء قوى الاحتكارات الرأسمالية التي تسيطر على مصير أمريكا .
فماذا يقول فلنزويلاس عن هذا ؟ :
" الظلمة التي أطبقت على الإمبراطورية (يقصد أمريكا)، و شعبها، قد تزايدت خلال 50 سنة الأخيرة، بفضل التطور المتواصل لشاشة التلفزيون، و الأذرع الأخطبوطية دائمة الامتداد لإعلام عالم المال و الأعمال . لقد أصبح التلفزيون الأداة الوحيدة، الأكبر، في يد وحش المؤسسـة الحاكمة، و الذي قد تحوّل ـ على مدى العقود القليلة الأخيرة ـ إلى جهاز يسـتنبط من المشاهدين نوازعهـم و يستغلّها، في مجال الاستهلاك، و المادية، و الإيمان بالخيالات، و في التلاعب العقلي، و عشق الدولار المعبود، و فيروسات الجشع، ممّا يغني و حش المؤسسة الاقتصادية بكل من الثروة، و عقل الشعب الأمريكي المحكوم، و الذي يسهل التلاعب به . ." .
و هو يستطرد قائلا أن العقل الجمعي الأمريكي تبددت قوته و قدراته، على العقود القليلة الأخيرة، و انحط متحولا إلى قطعة من الإسفنج، مستعدة لتقبّل و الإيمان بأي شيء و كل شيء، مزروع على شاشة التلفزيون، التي أصبحت تقوم الآن بوظيفة العقل .
هذا التلفزيون، الذي تحتلّ شاشته المضيئة موقعا مركزيا في بيوتنا الآن، يسرق منّا عقولنا القادرة على التفكير و التحليل، و يؤثّر في أجسادنا الصحيحة، قد أصبح السلاح الأكبر و الأوحد الذي يعتمد عليه رأسماليو المؤسسة، في السيطرة علينا، و التحكّم فينا، و برمجتنا .. هكذا يرى فلنزويلاس وضع التلفزيون في المجتمع الأمريكي المعاصر .

التعاسة .. و الإكتئاب

و عن التلفزيون الأمريكي يقول أيضا " منذ المولد، يصبح أبانا بالتبنّي، و مستشارنا الاستهلاكي، و الساحر المادي، الذي يقودنا بضوئه المنـوّم وسط ضباب السيطرة الرأسمالية الكثيف .. يدربنا من المولد كيف نصبح مستهلكين طفيليين جيدين، ممطرا عقلنا الذي لم يكتمل نموّه بالخيالات و بأساليب التلاعب النفسي، مغرقا عقولنا البكر بومضات صور سريعة متدفّقة لم يسبق أن تعرّض لها عقل بشـري في دور التكوين .. و بهذا كلّه يبدأ التلفزيون في تشـويه رؤيتنا للواقع .." .
و يرى فلنزويلاس أن عواقب التعاسة التي ترجع إلى عدم تحقّق الجمال، أو الثراء، أو السعادة، أو الكمال، الذي رسمته الشخصيات الخيالية التي عشقناها على شاشة التلفزيون، بالإضافة إلى عوامل أخرى تسود مجتمعاتنا الرأسمالية .. يقود إلى إشاعة الاكتئاب في عواطفنا و مشاعرنا حول أنفسنا، و الحياة التي نعيشها .
و هو يقول " كوكتيل مولوتوف هذا من التعاسة الرأسمالية، قاد إلى نمو هائل في طلب، بل و إدمان، العقاقير الطبية التي تقود إلى تغيير حالة العقل، كما أن عقاقير الهلوسة أصبحت واسعة الانتشار في مجتمعنا حاليا، و هذا يشكّل وسائل هروبية من الحياة غير السعيدة التي فرضت علينا .." .
عندما يكتشف الأمريكي أن الأهداف التي لوّح له بها النظام غير قابلة للتحقّق .. و عندما يقارن بين الكمال الذي تابعه على شاشة التلفزيون من الصغر و بين واقع حياته، يكتشف أن الحياة التي يعيشها مملّة و ناقصة، و ليس فيها ما يثير .
يقول " مع 11 مليون طفل يعيشون على الأدوية المضادة للاكتئاب، و مع من هم أكثر من ذلك من البالغين الذين يعتمدون على العقاقير، تثور الأسئلة حول سبب مثل هذا التحلل الكلّي، و الذي لم يمر بمثله أي مجتمع من المجتمعات .." .

الإعلانات و خفافيش التسويق

ثم ينتقل فلنزويلاس بعد ذلك إلى ما تصنعه الدعاية و الإعلان و حملات التسويق في الإنسان الأمريكي .. و عن البرامج التي تسعى إلى تحويل المواطن إلى مستهلك مطيع، يقول " ..الإعلانات و المنتجات المصممة خصيصا لهذا الهدف، يتم إطلاقها من خلال نافذة الفرص الهائلة ( يقصد التلفزيون )، لتعشي أعيننا بسيل من الصور التي تنقضّ على نفوسنا، و عواطفنا، و سلوكنا الحيواني، و شهواتنا .. " .
و يضيف، أن الهجوم يبدأ بشكل منهجي في مرحلة شبابنا، مع سعي خفافيش التسويق و مصاصي الدماء في إخضاعنا لعملية استنساخ، وفق التنوّع الواسع من منتجاتهم . و هم يعلمون أنهم إذا نجحوا في إحكام قبضتهم على الطفل الصغير، فسيكون هناك احتمالا قويا أن يتحوّل عندما يكبر إلى مستهلك مبرمج على مدى حياته .
ذلك لأنّه من السهل استغلال العقل النقي البريء للطفل، لكي يصبح ـ وئيدا و لكن أكيدا ـ العبد العقلي و الجسدي لهؤلاء الذين تملأ عمليات غسيل المخ المتواصلة التي يقومون بها موجات الأثير . ثم يقول " من بين أكثرنا براءة و نقاء، تستمتع أسماك قرش المؤسسات الاقتصادية بأعظم وجباتها .." .

الثقب الأسود .. في التعليم الأمريكي !

" من المهد إلى اللحد، يمارس التلفزيون تنشيط سحر المؤسسات، مساعدا على جعل أمريكا أكثر المجتمعات استهلاكا، و مادية، و شراهة، و تبديدا، من بين المجتمعات التي رعت على الأرض .. نحن متخمون بالطعام، و نبدد ليس مثل أحد، و نستهلك كما لو أن حياتنا تعتمد على ذلك، و نلوّث البيئة بتأثيرات مدمّرة .. و كالجراد الوبائي نلتهم الموارد الطبيعية لكوكبنا، غير آبهين لصالح المحيطات و الغابات، و 6 بلايين من البشر ـ غيرنا ـ يقاسموننا هذا الكوكب الصغير .. ". هذا هو جانب من النقد الذاتي ( الذكي )، الذي قام به الكاتب و المفكّر الأمريكي مانويل فلنزويلاس .
و هو يستطرد قائلا " عطشنا للبترول لا يمكن أن نرويه سوى بالحروب، و الخراب و الموت . و شهيتنا المفتوحة للسلع و العمالة الرخيصة تقودنا إلى استعباد بلايين البشر على اتساع العالم .. " . و هو يقول أن الأمريكيين يكونون 4% من سكان العالم، و مع ذلك يساهمون بما يصل إلى 25% من ثاني أكسيد الكربون الملوّث للغلاف الجوي .. و يضيف " نحن 290 مليون إنسان، معظمهم يؤمن أن سطح هذه الأرض بما عليها من بشر، رصدها الله ملك يمينهم، لخدمة أمريكا .. الدولة الوحيدة التي يحق لها أن تملي أوامرها على جميع الآخرين، في الوقت الذي لا توجد فيه لدى عشرات الملايين منّا، أدني فكرة، أو مجرّد خاطر، عالم من الشعوب و الدول خارج أمريكا .. " .

فشلنا في فهم لبشر

و يعترف الكاتب قائلا انّه خلال الكارثة التي خلقناها في العراق، يمكننا أن نشهد دليلا على جهلنا و نقص معارفنا .. و نتيجة لفشلنا في التعرّف على الثقافات و الأديان و العقائد و المجتمعات الغريبة علينا، و نتيجة لفشلنا في فهم البشر خارج شواطئنا، و بقائنا ناسين واقع العداوات التي خلقتها سياساتنا، و التي تجعل حياتنا أقلّ أمنا، و ليس أكثر أمنا، فارضة علينا المزيد مما هو قائم من شعور بالارتياب و انفصام الشخصية .. أخطاؤنا الهائلة في العراق و فييتنام، و مسانداتنا المتواصلة لإسرائيل و ممارساتها غير الإنسانية مع الفلسطينيين، و ابتعادنا المستمر عن المجتمع الدولي، هي كلّها شواهد على اضمحلال معرفتنا بالعالم، و جهلنا المتنامي ـ بشكل استثنائي ـ الذي لا يخدم سوى إضافة المزبد من المخاطر لحياتنا، و يبعد عنّا البلايين التي كانت تبدي إعجابها ذات يوم بالولايات المتحدة، و تقف إلى جانبها .
و يختم الكاتب اعترافاته هذه بقوله " إننا نتقوقع داخل الفقاعة التي تعزلنا عن الحقائق و الواقع الذي يؤثّر على البلايين التي تعيش على حافة الموت جوعا، تعاني من الفقر المدقع، و التهديد الدائم بالمرض و الموت .. في الوقت الذي نبتهج نحن فيه بجهلنا الخاص، و بقوتنا المتفرّدة المفروضة .." .
ثم يستطرد فلنزويلاس قائلا أن الإنسان يتوقّع من دولة واسعة الثراء، تملك موارد هائلة، و تنوّعا واسعا من البشر .. يتوقّع أن تكون قد قضت على الجـهل و الأمـية، يعم فيها الذكاء، و أن تسـود فيها المعارف العالمية و البشرية .
ثم يستدرك قائلا إن الوضع في أمريكا على النقيض من ذلك .. " فنظامنا التعليمي يعاني من ضعف الإنفاق، و عدم الكفاءة .. و هو أشبه بنوعية التعليم التي يمكن أن يتوقعها الفرد في دولة متخلّفة في أفريقيا، حيث ما يخص الفرد من ميزانية التعليم لا يتجاوز 8 دولار في السنة .. تعليمنا، عوضا عن تحرير العقول، يستعبد أطفالنا، و يبرمج صغارنا أن يبقوا دائما بين السطور، و أن يصبحوا مسلوبي الإرادة، تنسحق أفكارهم تحت وطأة المؤسسات و ما تفرضه الدولة .." .
و يضيف أن الكتب المدرسية و المناهج تزيّف التاريخ الأمريكي، و لا تنقل إلى الدارسين حقيقة ما مارسته الدولة من إرهاب، و مذابح، و إبادة عرقية، و عبودية، و حروب و جرائم ضد الإنسانية، من أجل أن تؤمّن " موطن الأحرار، و أرض الشجعان " ! . و يقول " لقد تمت عملية تبييض لجرائم الماضي، و ما اقتضاه الحصول على ثرواتنا الحالية، جرى محوه من ذاكرتنا .. و في مكان ذلك أفسح المجال لروايات خيالية و تاريخ مصنوع، يدور حول الطريقة التي أصبحت بها الولايات المتحدة الإمبراطورية الحالية .
تلاميذ .. أم روبوت ؟
يضيف فنزويلاس أن التعليم الأمريكي، كان و ما يزال، يسعى إلى خلق بشر آليين، لا يفكّرون، تدرّبوا على الانصياع لأوامر الدولة، و أعراف السلطة .. تدرّبوا على ألاّ يفكّروا في أنفسهم أبدا .. أطفال اليوم تجدهم مستعدين و مؤهلين للإجابة على الاختبارات القياسية، بينما هم يحرمون من النشاطات الفنية الليبرالية الهامة، التي يمكن أن تزرع فيهم التفكير التحليلي، و الابتكار، و الأفكار التي تحضّ على البحث و الاستقصاء .
و يضيف فنزويلاس أنّه بفضل التقليص المتواصل في ميزانية التعليم، و وجود جورج دبليو بوش في البيت الأبيض، يجري اليوم برمجة ملايين الأطفال على نمط الإنسان الآلي .. ملايين الأطفال، الذين يتفجّر معظمهم بالمواهب العظيمة، و القدرات العالية، يفقدون فرصهم الطبيعية، و يختم فنزويلاس حديثه عن التعليم الأمريكي قائلا :
" في ظل عقول لا تفكر أو تسأل، تصبح القلّة الممسكة بأعنّة مجتمعنا أكثر حرية في زرع المزيد من أدوات السيطرة و التحكّم، على حساب تدهور و هبوط الجماهير .. عندما يجهل الشعب ما يدبّر له، يتحقق النجاح للقوى الحاكمة، في إشاعة الظلمة المطبقة في العقل الأمريكي ..و هذه هي حقيقتنا اليوم .. " .

حرفة صناعة الأعداء

" الافتراضات الساذجة، و العقائد المشوّهة، فيما يتّصل بعظمتنا و تفرّدنا، تحققت ببساطة لأن الدولة أرادتها كذلك، حارمة إيانا من فهم السبب في أن العالم يكره أمريكا .. لأنه جرى تدريبنا على تصديق طهارة الدولة، و طيبتها المحسوسة، و أنها لا تكذب أبدا، و لا تطيق ارتكاب فظائع الشر البشري، أصبحنا غير قادرين على الوصول إلى مجموعة الشرور التي ترتبط بالقوة الصانعة لقدرنا المشترك .." .
هذا هو ما يقوله فنزويلاس في تلخيص ما سبق .. ثم هو ينتقل بعد ذلك من العام إلى الخاص المحسوس، فبتكلّم عن المذبحة الاقتصادية التي حملت لافتة (العقوبات) التي فرضت على العراق في تسعينيات القرن الماضي، التي قضت على حياة ما يقرب من مليون و نصف من البشر، ثلثين منهم من أطفال .. و هو يرى أن هذا الذي أصرّت عليه أمريكا يعتبر " نموذجا للشر الذي تكون حكومتنا قادرة على ارتكابه، بفضل سلبيتنا الصامتة .." .
ثم هو يعدد بعد ذلك الجرائم الأمريكية الكبرى التي شهدها العصر الحديث، و من بينها قتل ثلاثة ملايين فييتنامي، بالقنابل، و السموم الكيماوية، و الأمراض الوبائية، و الفقر و العوز الناتج عن التدمير الشامل الأمريكي . و يعقّب " ما نسميه ( الحرب على الإرهاب )، و اقتناعنا الذي ليس له ما يبرره من حجج حكومتنا التي تحوّلت إلى أداة في يد الوحش الرأسمالي، و تحالف السلاح مع الصناعة .." .
و هو يتساءل : لماذا لا نتشكّك أو نبحث مصداقية ما هو على الأرجح ضرب من الخيال، الذي لا يخدم سوى إضافة المزيد من ثراء الرأسماليين الشرهين، عن طريق زرع الخوف في نفوس المواطنين، و التحكّم فيهم، و توريطهم في حروب دائمة، تستهدف أرباحا دائمة ؟ .. إن الحرب الوهمية على الإرهاب قد جرى تصميمها بحيث تفرخ إحساسا بالخوف و افتقاد الأمان، حتّى تستطيع خطوط التجميع في الدفع بالمزيد من الأرباح، و المزيد من القوّة و القدرة على السيطرة و التحكّم في أيدى أصحاب المؤسسات الرأسمالية .
و إلى الرسالة القادمة .. لنعرف لماذا تجمع شعوب العالم على كراهية أمريكا ؟