الثلاثاء، يناير ٢٩، ٢٠٠٨

أمريكا ..كيف تفكّر فينا ؟


التحضير لتغيير النظم العربية

تحت هذا العنوان الصريح ( إلى حدّ الوقاحة )، يتحدّث كتاب (راند) التابعة للبنتاجون الأمريكي عن الدور الأمريكي في تغيير النظم العربية أو في مقاومة التغييرات غير المتّفقة مع المصالح الأمريكية، بصرف النظر عن مصالح الشعب المعني
تقول الدراسة التي تحمل عنوان " مستقبل بيئة الأمن في الشرق الأوسط " أن معظم السيناريوهات المحتملة تجيء كتنويعات على النغمات الحالية، أبناء يخلفون الآباء، أو أفراد من نفس قاعدة السلطة، في حالة مرض أو وفاة القيادة القائمة . و ترى أن احتمالات التغيير تكون كبيرة في ظلّ هذا الوضع، فالقادة غالبا ما تكون صلاتهم بالشعب ضعيفة، و المعارضة ذات صوت منخفض .. " و لو أدخلنا في اعتبارنا مركزية السلطة في معظم الدول العربية، فإن انتقال السلطة من فرد إلى آخر من نفس النخبة، تكون له آثاره الكبيرة على سياسة الولايات المتحدة " .
و يقول الكاتب أن هذا الشقّ الأخير من الفصل، يركّز على التغيرات الأكثر الأهمية و المخاطر التي تنتج عن تغيير القيادة . و يقدّم ما تحتاجه الولايات المتحدة من عمل لتشكيل البيئة، بما يمنع التغيرات غير المطلوبة، أو على الأقل الإقلال من أخطارها .
و قبل أن نورد ما جاء بالدراسة، نعود لنؤكّد أن الكلام كان و سيكون من خلال مصـالح الولايات المتحدة في المنطقة . مثال ذلك قول الكاتب أنّه حتّى في حالة عدم تغيّر ركيزة السلطة، فسيكون على القائد الجديد أن يسعى لدعم سلطة مسانديه، و تحجيم تأثير الذين يتحدّوه . خلال هذه المرحلة الانتقالية، ستكون قدرة القائد على طرح السياسات محدودة : فالقادة الجدد قد يترددون في المخاطرة بفقدان شعبيتهم، نتيجة لتعاونهم مع مبادرات الولايات المتحدة . و بشكل أعم، مساندة الولايات المتحدة و جهودها الإيجابية في مفاوضات السلام تقوم على أساس ضعيف . فالقادة الذين لا يتقيدون بالرأي العام، يكونون أقدر على التفاهم مع إسرائيل، أو على الأقل تبني حكوماتهم لسياسات معتدلة . فإذا ما سادت الليبرالية في مصر و السعودية، فضلا عن زيادة نفوذ التيار الإسلامي، فستكتسب السياسات المعادية للولايات المتحدة و إسرائيل قوة أكبر
و يمهّد الكاتب لحديثه عن التوصيات الخاصّة بتغيير النظم الحاكمة في الشرق الأوسط، بقوله أن نسبة عالية من الرأي العام في الشرق الأوسط معادية للولايات المتحدة، فإذا ما كسبوا تأييدا أكبر، فمن المحتمل أن تواجه النظم الحاكمة ضغوطا للإقلال من الروابط مع الولايات المتحدة . و الإسلاميون بصفة خاصّة يكونون غالبا الأكثر تنظيما، و الأكثر استعدادا، لاستغلال النظام السياسي الأكثر انفتاحا .

توقّع احتمالات التغيير

التخطيط لتغيير النظام يقتضي معرفة دقيقة واضحة للكيفية التي يسلك بها النظام . و من الواضح أنّه من واجب المحللين أن يتابعوا الحظوظ المتغيرة للقادة الأفراد، لكي نحدد بشكل جيد من الذي سيمسك بمقاليد السلطة، إذا ما رحلـت القيادة الحالية، أو أصبحت غير قادرة . لكن توقّع تحولات أساسية أخرى، يكون أكثر صعوبة بكثير . و التنبؤ بانقلاب، أو ثورة، أو أي شكل آخر من أشكال التغيير الجذري و السريع للنظام، يكون صعبا جدا . لكن هناك بعض المؤشرات التي توحي بأن البلد على وشك مواجهة عدم استقرار لنظامها، من بينها الآتي
ظهور ديموقراطية جزئية

بشكل عام، تكون الحكومات الديموقراطيات الناضجة، أو الشمولية الصريحة، هي الأكثر استقرارا . أمّا النظم التي تكون في مرحلة تحوّل ، فغالبا ما تتعرّض لهزات و عدم استقرار، و يكون احتمال دخولها في حروب كبيرا . فإذا اتجهت مصر أو سوريا أو حكومة من حكومات المنطقة إلى الليبرالية، فإنّها تكون معرّضة لتغيرات مفاجئة
أزمة وسط النخبة

بدأ العديد من الثورات على أثر انقسام في النخبة الحاكمة . نتيجة لذلك الانقسام يجد النظام صعوبة في التعامل مع التحالفات و الخصومات،ممّا يوفّر فرصا للثائرين
شيوع الشعبية

حتى عندما لا تشيع الديموقراطية، فبإمكان النخبة أن تعتمد على شعبيتها لتوفير الدعم المطلوب لحكمها. و على مدى العديد من السنين في الشرق الأوسط، كانت السلطة في يد النخبة، مثل القادة العسكريين، ضباط الأمن، كبار ملاّك الأرض، و رجال الأعمال

التشكيل و التهذيب
كيف تشكّل الولايات المتحدة التغيرات في قيادات دول الشرق الأوسط، و تعدّلها، و تهذّبها، بحيث تتفق مع مصالحها في المنطقة ؟ .. هذا هو جوهر الدراسة التي نطرحها .. لا لصالح الرؤساء الحاليين، و لا لصالح شعوبهم ! . و لعل صياغة الكلام أن تعكس ذلك الغرور الناتج عن الإحساس بالقوّة، و الذي جلب خيبة الأمل لإدارة بوش .. فالكتاب يقول:
.. فما لم تكن الولايات المتحدة عازمة على التدخّل الحاسم كما فعلت في العراق (!!!)، فغالبا ما يكون تأثيرها قليلا بالنسبة لنقل السلطة بالنسبة لمعظم الدول . و الضغط قد يولّد رد فعل عنيف، يزيد من مشاعر معاداة أمريكا . و على واشنطن أيضا أن تدخل في اعتبارها زيادة اتصالاتها بالقيادات و الجماعات التي خارج الحكم، و التي تحظى بمساندة ملموسة
و من التوصيات التي تركّز عليها الدراسة، و توجّهها للإدارة الأمريكية :
أولا : على الولايات المتحدة أن تنتبه للجماعات الإسلامية، فالحوار ممكن مع بعض أعضائها .
ثانيا : إنشاء علاقات مع شخصيات خارج إطار النظام الحاكم، سيغضب النظام، و الأمر يحتاج إلى شيء من التحايل لتحقيق التوازن .
ثالثا : يجب علي أمريكا زيادة اهتمامها بالرأي العام العربي، خارج النخب، خاصة إذا زادت احتمال مشاركة الشعب في اتخاذ القرار . و أن يكون لها استراتيجية إعلامية، تعتمد على القنوات الفضائية العربية و الصحافة الرائجة
رابعا : على الولايات المتحدة أن تدخل في اعتبارها أيضا المزيد من تبادل الزيارات بين الطلبة و العسكريين ، لخلق المزيد من الألفة مع الولايات المتحدة .
خامسا : على القوات العسكرية للولايات المتحدة أن تطبق بنية قواعد عسكرية متنوّعة و عديدة، و ترتيبات تواجد، كخط دفاع في وجه تغيير مفاجئ، أو حالة عدم استقرار في إحدى هذه الدول .
سادسا : الاهتمام بصفة خاصّة بدول كالسعودية و مصر، حيث الرأي العام الداخلي، و في أوساط المعارضة، يبدو معارضا بشدّة لأي ارتباطات مع القوات العسكرية للولايات المتحدة
* * *

من المفيد جدا أن نتأمّل هذا النوع من التفكير الذي يسود الإدارات الأمريكية المختلفة، و المتعاقبة، سواء كانت جمهورية أم ديموقراطية، لأنها جميعا تمضي وفق مصالح الاحتكارات الكبرى للسلاح و البترول و المقاولات، التي توجّه كل شيء في الحياة الأمريكية .. و من المهم أن نعرف ما وراء مظهر البراءة الذي تتخذه الإدارة الأمريكية حيالنا .