الجمعة، سبتمبر ٢٨، ٢٠٠٧

المهمة قد أنجزت فعلا




بوش .. لم يكذب



هل تذكرون يوم وقف بوش فوق البارجة الأمريكية، يهنئ قوات المارينز بانتصار أمريكا في حربها على العراق، و قد نصبت خلفه لا فتة كبيرة، مكتوب عليها " المهمّة قد أنجزت "، و هي عبارة أراد بها بوش أن يوحي للعالم أن مغامرته العسـكرية لغزو العراق قد انتهت بنجاح .. و لم يعرف وقتها أن محنة العراق كانت بالكاد قد بـدأت . المهم .. لقد سـخرنا جميعا من مشهد البارجة، لكن الأيام أثبتت أننا كنّا على خطأ، و أن بوش كان محقّا تماما، و أن مهمّته قد أنجزت .. كيف؟ .. سأقول لكم ..
لقد انشغلنا جميعا بتفنيد الشعارات الكاذبة التي كانت إدارة بوش ترفعها، الشعار تلو الشعار .. ما أن يسقط أحدها، حتّى تنتقل بكل شجاعة إلى الشعار التالي ..
كان شعار أسلحة الدمار الشامل، من أكثر الشعارات شيوعا . و راح بوش يعد الجميع بالكشف عن تلك الأسلحة، بعد غزو العراق و سقوط نظام صدام حسين . قال ذلك بأعلى صوت رغم جميع التقارير التي رفعتها اللجان المختصّة حول تلك الأسلحة، و التي أجمعت على عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق . بل لقد اضطّر كولن باول أن يقف في الأمم المتحدة، و يستعرض صور لوريات الدمار الشامل، رغم يقينه بزيف ما يقول .. و مرّت الشهور على رجال بوش ينقّبون تحت كل حجر عن أسلحة الدمار الشامل، دون أن يعثروا و لو على دليل ضعيف . و ماذا كانت النتيجة ؟ لم نر أي أسلحة .. لكننا رأينا فقط الكثير من الدمار الشامل


أكذوبة الديموقراطية


ثم يأتي الشعار الكاذب التالي الأقل إقناعا، شعار الغزو من أجل الديموقراطية ! . ضعف الشعار يأتي من أمرين، ممارسات إدارة بوش غير الديموقراطية داخل الولايات المتحدة، و التي عبّر عنها الشعب الأمريكي بكل قوّة عندما خرج بمئات الآلاف في معظم الولايات، لينادي برفضه لغزو العراق . و من ناحية أخرى الممارسات التاريخية للإدارات الأمريكية المتعاقبة ( و بخاصة الجمهورية منها )، و ميلها في تعاملها مع الدول، إلى ذات النظم الشمولية التي تضمن لأمريكا جني مكاسبها بلا تلكّؤ،ثم العديد من الانقلابات على النظم الديموقراطية في العالم من أجل تنصيب نظام فاشيستي عميل

و نأتي أخيرا، للشعار الذي مازال بوش و نائبه يتمسّكان به، في عناد أشبه بعناد التيوس، رغم فشل اللجنة المختصّة بالكونجرس في إثبات أي صلة بين صدام حسين، و أحداث 11سبتمبر، أو القاعدة ، فهذا هو الشعار الوحـيد العائم الذي يمكن أن يظلّ معلّقا، إلى حين العثور على شـعار كاذب جديد مبتكر
لقد صرفت هذه الشعارات انتباهنا عن الأهداف الحقيقية لإدارة بوش، تلك الأهداف التي لو تأمّلناها لقلناأن بوش قد نجح في مهمّته


التحالف الثلاثي الأعظم


يقول الكاتب كريس فلويد : لقد حقّق جورج دبليو بوش ـ بالتحديد ـ ما خرج ليفعله بعدوانه : إقامة حكومة عميلة بالعراق، يرأسها رجل قوي، يستطيع تحقيق الهدف الاستراتيجي لإدارة بوش، و هو إقامة ( موضع قدم ) عسـكري دائم في دولة البترول الهامة هذه، و في نفس الوقت ضمان تحقيق الهدف قصيرالمدى، الخاص بفتح الدولة لاستغلال أصدقائه، و للمصالح الخارجية المستحبّة .. كل هذا قد تحقّق الآن، بل و كان مدعوما بخاتم الموافقة من مجلس الأمن في الأمم المتحدة

و يضيف فلويد قائلا أن فهم ما يفعله بوش، يحتاج منّا أن نفهم شيئا أساسيا عن عائلة بوش، و هو أنّها تمثل تحالف ثلاث مجموعات قوى عظمى متأصّلة من الصفـوة الأمريكية هي قوى : البتــرول، و الســـلاح، و

الاستثمارات . هذه المجموعات تضع مصالحها الخاصة، و ما تحققه من ثراء و مزايا، في كفّة تضاهي كفّة مصالح الولايات المتحدة، و العالم ككلّ . و هم يسعون إلى تلك المصالح بكلّ سلاح تحت أيديهم، بما في ذلك الحرب، و التعذيب، و الخديعة، و الفساد . ثم يقول " الديموقراطية لا تعني لديهم شيئا، و لا حتّى في داخل بلدهم كما شاهدنا سنة 2000 . فالقوانين، وظيفتها أن تبقي القطيع العام في الصف الخاص به، باعتبار أنه لا ينتسب إلى الصفوة، الأمر الذي صرّح به المحامون التابعين لبوش في مذكّراتهم صراحة، أنه يمارس ( سلطته الشرعية ) في ( تجنيب القانون )، و أن يأمر بأي جريمة باسم: الحرب على الإرهاب

و لتثبيت هذا الوجود المسيطر لأمريكا في العراق، و ضمان دوامه، كان الأمر يحتاج إلى · حكومة عميلة قوية .. و هو ما يسعى إليه بوش، حتّى قبل أن يبدأ الغزو . و لدى الإدارة الأمريكية العديد من الأسماء . عرفنا منها أحمد جلبي الذي اختفى من الصورة مؤقتا بعد أن راهن على البنتاجون، فخسر البيت الأبيض و المخابرات .. و لديه الآن إياد عللاوي الذي يلعب بحرص شديد في انتظار الفرصة المواتية .. ثم كان أخيرا الاعتماد على الدمية الحالية نور المالكي ..و لو أن هذا الهدف لم يتحقق بنفس النجاح الذي حققه في أفغانستان اختيار العميل قرضاي .. لقد ثبت أن الوضع في العراق يختلف كثيرا عن أفغانستان، و في أكثر من ناحية · ثم قواعد عسكرية آمنة: و قد انتهى الجيش الأمريكي من تجهيز 14 قاعدة عسكرية أمريكية قوية، لتكون بمثابة نقط ارتكاز دائمة للولايات المتحدة في العراق و المنطقة · سفارة قوية: تكون بمثابة البيت الأبيض الأمريكي في العراق . و قد تحقق ذلك منذ أن كان نيجروبونتي سفيرا لأمريكا في العراق، فأقامت الولايات المتحدة اضخم و أوسع سفارة أمريكية في بغداد، تعجّ بالخبراء و العملاء

* * *

علينا أن نعترف بنجاح بوش في تحقيق أهداف نخبة النفط و السلاح و الاستثمارات الأمريكية من غزو العراق .. حتّى لو تحكّمت حكومة العراق الجديدة في صناعة البترول، فهناك البلايين التي توفّرها الخدمات و التكرير و التوزيع و أمن الآبار . و الجيش العراقي الجديد، سيحتاج السلاح و المعدات، التي ستشترى من صناع السلاح الأمريكيين .. و كما في حالة السعودية، سيجري ضخ ما لا يحصى من البلايين إلى بنوك أمريكا و مؤسسات الاستثمار بها


بعد هذا، ألا يحقّ لبوش أن يقول " المهمّة قد أنجزت " ؟

ليست هناك تعليقات: