الخميس، سبتمبر ٢٧، ٢٠٠٧

اعرافات قنّاص اقتصادي أمريكي



البنك الدولي .. فضيحة


يقول جيفري ساتشس، الكاتب و مدير معهد الأرض بجامعة كولومبيا، و مؤلّف كتاب (نهاية الفقر )، تحت عنوان " حان الوقت لتحرير البنك الدولي "، أنّ الديموقراطية تبدأ من الداخل، فإذا أردنا للبنك الدولي أن يكون قوّة مؤثرّة في تطوير الحكومات الجيدة بالدول النامية، يجب أن تتجاوز حكومته سياسات الحجرات الخلفية
و هو ينكر على الولايات المتحدة استئثارها بتحديد رئاسة البنك، لعدّة أسباب
أولها: أن الولايات المتحدة لها نسبة 16% فقط من أصوات البنك، في الوقت الذي تلعب فيه الدول الأخرى دورا أكبر في عملياته . و هي ـ من وراء الستار ـ تضغط للحد من ميزانية البنك المخصصة للدول الفقيرة، و تسعى إلى فرض بعض الإعفاءات من قروض البنك، ممّا يضعف مالية البنك .. الولايات المتحدة تطالب بإدارة البنك، و لكن دون أن تخسر مالا
ثانيها : تأخذ الولايات المتحدة موقفا نائيا عن الإجماع الدولي بالنسبة للتنمية الاقتصادية، و الأهداف المشتركة للحد من الفقر و المرض و الجوع .. لقد وقّعت على أوراق البنك، لكنّها رفضت تحقيق أهدافه . زاعمة أن الاتفاق كان حول التجارة و القطاع الخاص، و ليس حول تقديم المساعدات .. و هذه مغالطة .
ثالثها : لقد تقدّمت الولايات المتحدة بترشيح غير مناسب لوضع البنك الدولي، ألا وهو بول وولفويتز . فبالإضافة إلى كلّ ما يمكن أن يقال عن السيد وولفويتز، فمن غير المعروف مواقفه من الأمور الأساسية للتنمية العالمية . فهو قد أمضي حياته العملية يعمل في الشئون العسكرية و الدبلوماسية، و ليس في مسائل التنمية و التمويل في الجارديان، كتبت نورينا هيرتز، أستاذة الاقتصاد السياسي العالمي في جامعة أوتريشت، تعترض على ترشيح وولفويتز و تقول : بديهي أن اختطاف الولايات المتحدة للبنك الدولي، يستهدف خدمة مصالح سياستها الخارجية .. و استغلال معونات البنك في تحقيق أهدافها السياسية الجغرافية

اعترافات قنّاص اقتصادي أمريكي

تأكيدا لوجهات النظر السابقة، في سوء اختيار بوش لشخص مثل وولفويتز لرئاسة البنك الدولي .. و الأهم من ذلك، الطريقة التي تستغلّ بها الحكومة مؤسسة البنك الدولي كأداة لتحقيق مطامعها و سياساتها

ثلاث خطوات تعتمد عليها أمريكا في فرض نفوذها على العالم، و بناء الإمبراطورية الأمريكية، منذ منتصف القرن الماضي
الطليعة التي تتكوّن من جيش القناصة الاقتصاديين، و عندما يفشل القناصة يأتي دور أبناء آوى التابعين لأجهزة المخابرات، و تكون الخطوة الثالثة و الأخيرة عند عدم تحقّق الهدف المنشود هي الغزو العسكري هذا هو بعض ما يعترف به القنّاص الاقتصادي القديم "جون بيركينز، في الحديث الذي أجرته معه آمي جودمان، في إذاعة " الديموقراطية الآن
كان التساؤل الأول، حول معنى الاصطلاح الغريب، اصطلاح " القنّاص الاقتصادي " . قال بيركينز أن القنّاص الاقتصادي يقوم بما هو مدرّب عليه، و وظيفتنا هي المساهمة في بناء الإمبراطـورية الأمريكية .. و أن نجلب لمؤسساتنا و لحكومتنا ما نستطيع أن نوفّره، و أن نخلق الأوضاع التي تحقق أكبر قدر من الموارد لخزينة البلاد .. و الحق أننا كنّا نحقق نجاحا كبيرا في هذا المجال .. لقد ساهمنا في بناء أكبر إمبراطورية في تاريخ العالم، من خلال التلاعب الاقتصادي، و الغش، و التزوير، و من خلال إغواء الناس من خلال التلويح لهم بطريقتنا في الحياة
و يحكي جون بيركينز قصة دخوله إلى ذلك العالم الغريب، فيقول أنه قد تم تجنيده في أواخر الستينيات، عندما كان يدرس في مدرسة الأعمال، على يد " وكالة الأمن القومي "، و التي يصفها بأنّها أكبر منظمات الجاسوسية في البلاد، و أكثرها غموضا . لكنه كان يعمل ـ في نفس الوقت ـ بشكل علني و رسمي مع إحدى شركات القطاع الخاص . و سنعرف أن السر في هذا هو إبعاد الإدارة الأمريكية عن مسئولية عواقب العمليات الفاشلة أمام الرأي العام العالمي، و الداخلي أيضا
و هنا، يجدر بنا أن نتوقّف قليلا ـ و نحن نرفع جانبا من ستار التخفّي السميك ـ لنرى طبيعة النظام الأمريكي، و المخطط الاستغلالي الذي يختفي وراء جميع الشعارات العظيمة التي يكثر الرئيس بوش ترديدها هذه الأيام .. لنرى المصدر الحقيقي للغنى الفاحش الذي يتيح لأمريكا كل ما تطمع فيه من أدوات السيطرة على شعوب العالم، بالقول أو المال أو السلاح
و نعود إلى حديث جون بيركينز
اول قنّاص اقتصادي أمريكي كبير ظهر في بداية الخمسينيات، هو كيرميت روزفلت الذي نجح في الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة ديموقراطـيا و الذي ظهر على غلاف مجلة "تايم" باعتباره رجل العام
، و يستطرد بيركينز قائلا " لقد نجح في فعل ذلك دون إراقة دماء .. و الحقيقيةأنه كانت هناك بعض الدماء المراقة، و لكن دون تدخّل عسكري .. فقط إنفاق عدة ملايين من الدولارات، لاستبدال مصدّق بالشاه .. أدركنا وقتها أهمية فكرة القنّاص الاقتصادي . لم يعد علينا أن نقلق للتهديد بحرب مع روسيا، إذا كنا نقوم بعملنا بهذه الطريقة .. كانت المشكلة هي كون كيرميت روزفلت عميلا للمخابرات المركزية الأمريكية، أي موظّف في الحكومة.. فإذا انكشف نشاطه في تلك النقطة، كنّا سنواجه الكثير من المتاعب " . و من هنا، كان قرار المخابرات المركزية، أو وكالة الأمن القومي، أن تجنّد العملاء الذين يصلحون كقنّاصين اقتصاديين، ثم ترسلهم للعمل لشركات استشارية خاصة، أو مؤسسات هندسية، أو شركات مقاولات، لكي لا تكون هناك عواقب تضر بالحكومة، في حالة اكتشافهم

قروض لا يمكن سدادها

ثم يقول بيركينز أن بداية عمله (كقنّاص )، كانت مع شركة تشاس مين في بوسطن . كان عدد العاملين يصل إلى ألفي موظف، و عمل هو كرئيس الاقتصاديين، مع 50 موظفا يعملون تحت قيادته . ثم يقول " لكن وظيفتي الحقيقية كانت عقد الصفقات .. كانت إقراض بعض الدول قروضا هائلة، أكبر من أن يستطيعوا سدادها . من بين تلك القروض، مثلا بليون دولار لدولة مثل إندونيسيا أو إكوادور، و كان على تلك الدولة أن تعيد 90% من ذلك القرض إلى شركة أو شركات أمريكية، مثل هاليبورتن أو بيكتيل، لإنشاء بنية تحتية.."، و يقول بيركينز أن تلك المشروعات لم تكن تفيد غير قلة من العائلات الأكثر ثراء في تلك البلاد .. دولة مثل إكوادور تدفع أكثر من نصف دخلها القومي لتغطية الدين . و عندما تفشل الدولة في تدبير المال اللازم، و نكون في حاجة إلى المزيد من البترول، يتقدّم القنّاص ليقول للمسئولين في إكوادور " انظروا ..أنتم غير قادرين على دفع الدين.. بيعوا لشركاتنا غابات الأمازون الممطرة، المليئة بالبترول "، و النتيجة هي أن تصبح تلك الدول عبدة للإمبراطورية الأمريكية
ضمير القنّاص .. مرن
منذ سنوات، أعلن بيركينز، أنه يعد كتابا بعنوان " ضمير قنّاص اقتصادي " في تسعينيات القرن الماضي، فأسرعت إحدى شركات المقاولات الكبرى، و ساومته عارضة نصف مليون دولار، مقابل عدم نشر الكتاب، و في هذا يقول " لم تكن رشوة، لقد تقاضيت المبلغ كمستشار للشركة، و هذا شيء قانوني، لكنّي لم أفعل شيئا لتلك الشركة ّ " . و عندما أبدت آمي جودمان اندهاشها، قال " عندما عينتني وكالة الأمن القومي، وضعوني في جهاز كشف الكذب ليوم كامل .. و اكتشفوا جميع نقط ضعفي، و استخدموا معي أقوى عقاقير حضارتنا : الجنس، والنفوذ، و المال
مأساة برجي التجارة كانت نتيجة

و يحكي بيركينز.. لقد شعرت بالذنب طوال الوقت، لكنّي كنت ما زلت واقعا تحت تأثير الإغراءات التي يقدمها ذلك النظام .. كنت رئيس الاقتصاديين، أقوم بالأعمال التي يعجب بها روبرت ماكنمارا
و عندما سألته آمي عمّا إذا كان قد عمل مع البنك الدولي، أجاب : بشكل لصيق جدا جدا .. فالبنك الدولي يوفّر معظم الأموال التي يستخدمها القنّاصة الاقتصاديون، هو و صندوق النقد الدولي . لكن عندما وقعت ضربة 11 سبتمبر، أصابني انقلاب داخلي . و أيقنت بضرورة البوح بالقصة، لأن واقعة 11 سبتمبر هي النتيجة المباشرة لما يفعله القنّاصون الاقتصاديون . و الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تشعرنا بالأمان في هذه الدولة، و نحسّ بالرضا عن أنفسنا، هو أن نستخدم هذه النظم التي أوجدناها من أجل خلق تغيرات إيجابية في أنحاء العالم .. و أعتقد صادقا أن بإمكاننا أن نفعل ذلك ..و أعتقد أن البنك الدولي و المؤسسات الأخرى يمكن أن تعدّل مسارها، و تفعل ما قامت أصلا لتفعله .. و هو مساعدة البلاد المطحونة في أنحاء العالم كي تعيد بناء ذاتها
..و إلى الرسالة القادمة


ليست هناك تعليقات: