الاثنين، سبتمبر ٢١، ٢٠٠٩

قبل انعقاد قمة العشرين الكبار

حقائق حاول أن تتذكّرها، حول

الأزمة المالية، و الانهيار الاقتصادي

لا تصدّق ما يقال حاليا، من أن الأوضاع المالية
العالمية في سبيلها إلى التحسّن ..
سنمضي إلى الأسوأ
ما لم تقم أمريكا باتّخاذ الخطوات الجريئة الصعبة
.. و اقرأ

* رجال بنوك وول ستريت هم السماسرة و الضامنون للدين العام الأمريكي، و رغم أنهم يتحكمون في جانب فقط من الدين، فهم يبادلون و يتاجرون في صكوك دين الدولار الأمريكي العام على اتساع العالم .. و منذ عصر ريجان، تسيطر وول ستريت على معظم جوانب السياسة الاقتصادية و الاجتماعية . تضع أجندة الميزانية، و تضمن تخصيصات الإنفاق الاجتماعي
* الاستنزاف الحرج لبلايين الدولارات، من المدخرات العائلية، و عوائد الضرائب الحكومية، يصيب بالشلل وظائف الإنفاق الحكومي، و يستحث تراكم الدين العام .
* النظام النقدي، الذي يتكامل مع عملية إرسـاء ميزانية الدولة قد سيق إلى حالة من عدم التوازن . و العلاقة الأساسية بين النظام النقدي، و الاقتصاد الحقيقي، تمرّ بأزمة حقيقية .
* في عام 1999، قاد " قانون تحديث الخدمات المالية " إلى إبطال " قانون جلاس – ستيجول "، الذي صدر عام 1933، و الذي كان أحد أعمدة برنامج (النيو ديل) الخاص بالرئيس روزفلت، و الذي حاول به محاربة الفساد، و التلاعب المالي، و الصفقات التي تجري تحت المائدة، التي نتج عنها خسارة أكثر من 5000 بنك، في السنوات التالية لانهيار وول ستريت عام 1929 .

المطلوب بالتحديد هو نزع سلاح المؤسسة المالية

· مصادرة الأصول التي تم الحصول عليها بالخداع و التلاعب المالي .
· استعادة المدخرات المنزلية، من خلال تحويلات عكسية .
· إعادة أموال الإنقاذ التي صرفت للبنوك إلى الخزانة، و تجميد نشاط نشاط صناديق الاحتياط .
· تجميد سلسلة صفقات المضاربة، المتضمنة لعمليات البيع الناقص ( بيع سلع لا يملكها الفرد، على أمل تسليمها عند هبوط الأسعار )، و التجارة الثانوية .

بنفس الأهمية:

تأميم بنك الاحتياطي الفيدرالي( كما هو حال جميع البنوك المركزية كملكية عامة في معظم دول العالم ) . فلا يوجد سبب بالمرّة لوجود كيان خاص (يطلق عليه بنك الاحتياطي الفيدرالي) يكون مسئولا بلا جدال عن أهم مركز لصناعة القرار الاقتصادي القومي، يسيطر على أموال الدولة و يديرها . إنّه أمر مناف للعقل تماما أن تمنح الحكومة أحد البنوك الخاصّة حق طبع نقودنا، ثم تقترضها من البنك بفوائد
الدولار يقترب من مركز الإعصار
* أصبح معروفا على أوسع نطاق، أن النظام المالي الحالي الذي يعتمد على الدولار الأمريكي بدون ضوابط معروفة، يجب أن يفسح المجال لنظام جديد يكون أكثر توازنا، و استقرارا، نظام مرن يمكن الاعتماد عليه .. يقوم على تعدد العملات، و من ثمّ لا يتعرّض للمساوئ بالغة الخطورة، بالاعتماد على نقطة فشل وحيدة : هي الدولار .
* معظمنا يعرف أن الصين لديها 2 تريليون دولار من احتياطي العملة الصعبة .. و أن ثلثي هذا الاحتياطي من الدولارات . و الآن .. بدأ ظهور علامات متزايدة تفيد أن الصين بدأت تقوم بتنويعات خارج نطاق الدولار
* الولايات المتحدة أصبحت الآن أكبر دولة مدينة في العالم، لكن الغريب في الأمر أنها تحاشت آلام " التعديل البنيوي " الذي يفرضه صندوق النقد الدولي على غير ذلك من الاقتصاديات المدينة، رافضة تخفيض ميزانيتها العسكرية المتضخّمة، أو زيادة ضرائبها بشكل معقول .
* لن تستطيع الولايات المتحدة أن " تسدّد " ديونها لدي الحكومات الأجنبية، ما لم تعمد إلى زيادة مدخراتها، بتخفيض نفقاتها العسكرية .
* لقد بدأت مجموعة "بريك" ( البرازيل و روسيا و الهند و الصين ) في سحب نظام دعم الحياة، الذي اعتمدت عليه الولايات المتحدة منذ أن استكمل لها نيكسون العبور من نظام غطاء الذهب كاحتياطي للعملة، إلى الدولار الورق ـ بلا غطاء ـ في عام 1971 .

راجي عنايت، بتصرّف عن :
تشوسودوفسكي ـ جيم وايتار ـ
اسماعيل حسين زاده ـ ماثيو ريتشارسون ـ
نورييل روبيني ـ إريك والبيرج ـ
جوزيف ستروب

الخميس، سبتمبر ١٠، ٢٠٠٩

أوباما و إسرائيل

أوباما .. و النوايا الطيبة
تعليقا على رسالة سابقة لي، حول ما يمكن أن يفعله أوباما لفلسطين، وصلني هذا الرد من صديق يعيش و يعمل في الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود .. و هو يمتلك عقلا قادرا على التحليل و الفهم الأعمق للمجتمع الذي يعيش فيه .. لم أذكر إسمه بالكامل لأنني لم أستأذنه في نشر ردّه
I don't understand where the Egyptians have all this reservoir of good intentions towards Obama, thinking that he's trying to help the Arabs. The other day I was watching the actor Hesham Selim, son of the late Saleh Selim, from a good family and well educated and represents the middle high class who are supposed to be more sophisticated and knowledgeable than the average Egyptian. Well, to my surprise he was saying that he is concerned about Obama!!! OK, well Mr. Hesham Selim are you so concerned about The Obama? He said, that he's worried about Obama's fight with the zionists in America!!! What a joke.It suffices to let you all know that Obama's first nomination was for his Chief of Staff Rahm Emanuel you can look him up on Google and Wikepedia. An Israeli Mossad officer in the US before becoming a US citizen than Congressman. The Chief of Staff is the man who controls access to the president and lives inside his brain and run things in the White house, the most powerful person in the White House. Obama was a nobody who got electedd for President of the United States with no past experience in management of anything, not even a MacDonald, but somehow he had $600 Million donated to his campaign for his election, go figure. Furthermore, our jewish controlled media, does not criticize him at all, which shows that the zionists are happy with his performance so far. These are facts, unfortunately most Egyptian journalists and media pundits don't speak good English or even understand it therefore they never read foreign newspapers nor understand what's written if they try to read it , consequently all their articles are full of misinformation and that's why people like Hesham Selim say stupid things like that.For your information the transition from Bush to Obama marked a first in the history of the United States. We have what we call "Continuation of Government", however, the transition from Bush to Obama marks "Continuation of Administration" and this is exactly what's happening. It is the same policy but with different faces. They haven't closed Guantanamo, the war is still going on and escalating. Obama is what we call "Uncle Tom" who is a black guy made a front of any business which is required to be run by a black by the government, so a bunch of whites go hire a black man, give him a big title like CEO or Vice President of Important Stuff, and he does basically nothing, but used as a front, that's an Uncle Tom. I hope you clarify this matter to the people and let's face reality, wishful thinking always left us with disappointments.
Salam,
M O

الثلاثاء، أغسطس ٠٤، ٢٠٠٩

هدية مبارك لأوباما

أفضل هديه يحملها مبارك لأوباما :

هل يقبل أوباما هذه الهدية التي يحتاجها الشعب الأمريكي ـ الأولى بالرعاية ـ و التي تحمل الخطوط لعريضة للاستراتيجية، التي لن تقدمها إليه أيّ من الجهات التي ترسم له سياساته .. و التي ظهرت في كتابي الذي يحمل نفس العنوان، و نشرته دار نهضة مصر، أيام حكم بوش، عام 2006 .. و الأهم، هل يقبل مبارك أن يقدّمها له ؟ .

أمريكا ...إلى أيـــن ؟!

الديموقراطية الخطأ .. الطاقة الخطأ .. القوّة الخطأ .. و الحليف الخطأ !



أهم ما يهدد الرأسمالية الأمريكية الحاكمة :
· البترول، أو نوع الطاقة السائدة .
· السلاح، و نوع القوّة الشائعة .
· صناعة القرار، و نوع السلطة الحاكمة .
· إسرائيل، أو الحليف الدائم .

* * *

الطاقة الخطــأ

طاقة الحفريات، من بترول و غاز و فحم، لا تناسب طبيعة أو احتياجات مجتمع المعلومات، لعدة أسباب :
( 1 ) لأنها طاقة غير نظيفة، تلوّث البيئة، في نقلها، و في استخدامها، و بما يصدر عنها من عوادم . بعكس أنواع أخرى مستحدثة من مصادر الطاقة، لا ينتج عنها ما يلوّث، مثل طاقة الاندماج النووي، و الطاقة الشمسية، و طاقة الأمواج أو طاقة باطن الأرض، إلى آخر ذلك .
( 2 ) لأنها طاقة منقرضة، لا تتجدد، و تكاد أن تجف مصادرها في بعض المناطق، و يصبح الحصول عليها عملية غير اقتصادية في مناطق أخرى . في الوقت الذي تتوفّر فيه للبشر أنواع أخرى من الطاقة النظيفة الجديدة المتجددة .
( 3 )لأنها طاقة كانت ضرورية لمعظم النشاط الصناعي، خلال عصر الصناعة، لكنها غير ضرورية للصناعات المعلوماتية و الإلكترونية، التي تستهلك الأقل من الطاقة و الخامات .
شعرت الرأسمالية الأمريكية الحاكمة بالخطر الذي يتهدد مصالحها عند احتمال التحوّل عن الاعتماد على البتـرول، فقاومت محاولة الاعتمـاد على طاقة أخرى في تسيير السـيارات، و غير
ذلك من المولدات و المحركات، و قررت أن تسارع بوضع يدها على مصادر البترول التي لم تستنفذ
بعد، حتّى تطيل أمد أرباحها من السيطرة على تجارة و أسعار البترول ..
و هذا ينقلنا إلى التهديد الثاني الذي يتناقض مع مصالحها . أعني الاعتماد على القوّة الخطأ .


ــــــــــــــــــ


القوّة الخطــأ

وجدت الرأسمالية الأمريكية الحاكمة أن احتلالها العسكري لمخازن الثروة البترولية يتيح لها أن تضرب عصفورين بحجر واحد .. الاحتلال العسكري يعني حربا، و استخداما مكثّفا و مستمرا للسلاح، ممّا يسعد كبار تجار السلاح، و يقود إلى وضع اليد على منابع بترول جديدة ثرية، تسكت أصوات أبناء عصر المعلومات، المنادين بهجر البترول إلى مصادر أكثر نظافة و أمنا للطاقة ..
و هكذا تحوّلت أمريكا عن الاعتماد على قوة الثروة أو المعرفة، إلى قوّة العنف العسكري، التي تعتبر أسوأ أنواع القوّة .
و المفكر المستقبلي الكبير ألفن توفلر، له كتاب هام حول تحوّل القوّة، و تغيّر نوعها، على مختلف العصور . و قد يكون من المفيد أن نورد هنا جانبا من أهم أفكار ذلك الكتاب، و التي توضّح سر العداء بين الرأسمالية الأمريكية ومجتمع المعلومات .
و هو يرى أن قوّة العنف و القسر، كالاحتلال بالسلاح، تعتبر أسوأ الأنواع، فهي تولّد المقاومة، كما أنها غير مرنة، فهي لا تستخدم إلاّ في العقاب . و قوّة الثروة أو المال ـ على العكس من ذلك ـ تعتبر أداة قوّة أفضل بكثير، فهي تحقق الإثابة أو العقاب، وفقا للحاجة .. لذا يعتبرها توفلر نوعا متوسط القيمة . و كانت الولايات المتحدة حتّى عهد قريب، تميل إلى الاعتماد على هذه النوعية المتوسطة للقوّة، قبل أن تنتكس تحت ضغط عصابة المحافظين الجدد، التي تعمل لحساب الرأسمالية الحاكمة .
ثم يقول توفلر أن أرقى أنواع القوة، تنبع من تطبيقات المعرفة .. قوّة العقل، التي تقوم عليها علاقات الحياة في مجتمع المعلومات . و هو يشرح قوله هذا قائلا " القوة ذات النوعية العالية، ليست ببساطة نوعا من السيطرة .. فهي تعني ما هو أكثر من هذا .. تعني الكفاءة : استخدام الأقل من مصادر القوّة للوصول إلى الهدف .. و هذا أيضا ما كانت الولايات المتحدة تسعى لإقناع العالم أنها تميل إليه، بعكس الدول الأوربية المستعمرة لشعوب العالم " .
لقد وجدت أمريكا نفسها مدفوعة بمصالح تجار السلاح و البترول، إلى الاعتماد على أقل أنواع القوة قيمة، قوة العنف المفرط الذي تستعرض ضروبه و مستحدثاته من الأسلحة الحربية في العراق، حيث توجد
مخازن البترول الأكثر ثراء، و أطول عمرا من مخازن بترول السعودية و الخليج، و غير ذلك من المستودعات التقليدية .
ـــــــــــــــــــــ


الديموقراطية الخطــأ

و بقي أن نتحدّث عن نظام صناعة القرار، و نوع الديموقراطية الذي يتّفق مع طبيعة البني المختلفة الأخرى التي يقوم عليها مجتمع المعلومات .
أغرب ما في الأمر، أنه على قدر ما تكرر حديث بوش و من معه عن الديموقراطية و أهميتها، و ضرورة ضمان التزامها في الدول العربية و الإسلامية، فإن النظام السياسي الأمريكي أبعد ما يكون عن جوهر الديموقراطية .
رغم نوفّر عناصر الإكسسوار الديموقراطي الشكلي في الولايات المتحدة الأمريكية، من ترشيحات، و مجمعات انتخابية، و دعايات انتخابية، و مناظرات كلامية، و صناديق انتخابية، و انتخابات عادية و إلكترونية .. فمع هذا كلّه تبدو أمريكا اليوم أبعد ما تكون عن جوهر الممارسة الديموقراطية .. حتّى بالنسبة لديموقراطية عصر الصناعة، ديموقراطـية التمثيل النيابي .. ما تأخذ به الولايات المتحدة الأمريكية هو " بلوتوقراطية "، أي ديموقراطية كبار الأثرياء . هذا ما يقول به الكثير من العارفين و من بينهم النائب العام الأمريكي السابق رامزي كلارك، الذي قال في حديث صحفي محتدا :
" لسنا ديموقراطية .. هذا سوء فهم فظيع، و تشويه لسمعة الديموقراطية .. في الحقيقة نحن ( بلوتوقراطية ) أي حكومة أثرياء .. تركيز الثروة، و التفرقة بين الغني و الفقير في الولايات المتحدة لا تجد له شبيها في أي مكان آخر .." .
و في هذا، يقول أيضا نعوم شومسكي المفكّر الأمريكي، تعليقا على انتخابات الولاية الثانية لبوش " لا تفعل الحملة الرئاسية للولايات المتحدة سوى أن تشير إلى العجز الديموقراطي الحاد في أقوى دول العالم، فبإمكان الأمريكيين أن يختاروا بين اثنين من أعضاء أكبر حزبين، ولدا في أحضان الثروة و السلطة و السياسة، و درسا في نفس جامعة النخبة الأمريكية، وانضمّا إلى نفس المجتمع السرّي الذي يفرض على أعضائه أسلوب و وسائل الحكم، و هما يستطيعان الدخول إلى هذه المنافسة، بفضل تمويل كلّ منهما، على أيدي نفس قوى المؤسسات الاقتصادية .." .
و لا شك أن حكومات كبار الأثرياء قد استشعرت المخاطر التي يمكن أن يحدثها التحوّل إلى مجتمع المعلومات، و احتمالات سيادة نوع جديد من الممارسة الديموقراطية، يتّفق مع باقي التحولات التي تصاحب انتقالنا إلى مجتمع المعلومات، و لا يتّفق مع مصالح احتكارات البترول و السلاح و المقاولات..
لهذا كان من الطبيعي أن ترفض هذه الاحتكارات سيادة ممارسة ديموقراطية جديدة، مثل ديموقراطية المشاركة، التي يري المفكّرون المستقبليون أنها أكثر أشكال الممارسة السياسية اتّفاقا مع مقتضيات الحياة في مجتمع المعلومات، و التي يقوم فيها المواطن بالمشاركة شخصيا في اتخاذ القرار، دون أن يضطر إلى توكيل شخص آخر ليمثله، نتيجة لثورة المعلومات، و التكنولوجيات المعرفية من كمبيوتر و الإنترنيت، و فيض المعارف التي توفرها وسائل الاتصال العالمية، الني تجعل الناخب لا يقلّ معرفة عن المرشّح، بل يكون أكثر معرفة بمصالحه فيما يمسّ حياته .. ثم نتيجة لانقضاء جدوى النظم المركزية التي كان المجتمع
الصناعي يتمسّك بها، تعتمد ديموقراطية المشاركة على نظام إداري لامركزي، يعتمد على إدارة محلّية شاملة في كل شيء، وفقا للاستراتيجية العامة للدولة .


ــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحليف الخطــأ

هل أمريكا حرّة في اتخاذ القرارات التي تتفق مع مصالحها الحقيقية، أعني مصالح شعبها، على المدى البعيد ؟ .." هذا هو السؤال الصعب، بل الأصعب .
الشرط الكافي و اللازم لإصلاح ما أفسده النظام الحاكم الأمريكي، بعد أن نجحت إسرائيل في السيطرة على عقل القيادات الأمريكية، بالضغط، و التآمر، و بغسيل المخ المتواصل الذي لا ينجو منه أحدا، في أي ولاية من ولايات أمريكا .. الشرط اللازم و الكافي، هو أن تخرج الولايات المتحدة من ذلك الفخ المحكم الذي نصبته الصهيونية العالمية، من خلال خطتها الكبرى .
و أنا في هذا، لن أعتمد على مجرّد عاطفتي أو رأيي .. دعونا نسمع ما يقوله الأمريكيون الشرفاء في هذا الصدد ..
يقول عضو الكونجرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري، بول فيندلي أن الحكومة الأمريكية كانت في وقت سابق محبوبة في أنحاء العالم، لكنّها وجدت نفسها ملعونة في معظم الدول، من أهم أسـباب هذه الظاهرة، دعم أمريكا غير المشـروط لعدوان إسـرائيل، ضربها الحائط بميثاق الأمم المتحدة، و القانون الدولي، و مبادئ جميع الأديان المعروفة . و هو يتساءل : كيف استدرج الشعب الأمريكي إلى هذا الفخّ ؟
بفضل التأثير الخانق للوبي الإسرائيلي في أمريكا، على مدى 35 سنة، اختفى الحوار الصريح حول الصراع العربي الإسرائيلي في حكوماتنا .
نسيطر على أمريكا ! ..
عندما شاع خبر عن تجسس إسرائيل على أسرار وزارة الدفاع الأمريكية، توقّع البعض حدوث أزمة بين إسرائيل و أمريكا .. أو رد فعل غاضب من أمريكا، على أقلّ تقدير .. لكن الأمرمضى و كأنه حادث مرور في ضاحية من ضواحي واشنطون ! .
لكي نفهم السرّ في هذا، علينا أن نعود إلى ما أذاعه راديو " هنا إسرائيل "، في 3 أكتوبر 2001 .
قالت الإذاعة العبرية أن شيمون بيريز حذّر آرييل شارون من أن رفض طلب أمريكا لوقف النار مع الفلسطينيين قد يهدد مصالح إسرائيل، " بحيث تتحوّل الولايات المتحدة إلى خصم لنا .." . هنا، استدار شارون الغاضب ليواجه بيريز، و هو يقول بحدّة " كلما فعلنا شيئا تقول لي أن الأمريكيين سيفعلون هذا أو ذاك .. أريد أن أخبرك بشيء، بكلّ وضوح، لا تقلق حول ضغوط أمريكية على إسرائيل .. فنحن، الشعب اليهودي، نسيطر على أمريكا .. و الأمريكيون يعرفون ذلك .." .
هذا هو ما تقوله إذاعة " هنا إسرائيل"، و هي بالقطع ليست معادية للسامية .. و أيضا تقول جريدة "هاآرتز" في 11 فبراير 2004 ( و هي أيضا بالقطع ليست معادية للسامية )، أن حرب العراق هي من بين أفكار 25 مثقفا من المحافظين الجدد، معظمهم يهود .. و هم الذين دفعوا الرئيس بوش لتغيير مسار التاريخ ..! .
منذ نصف قرن، عندما كنّا نقول أن أمريكا هي إسرائيل، و إسرائيل هي أمريكا، كنّا نتّهم بالسذاجة السياسية .. و تمر الأيام لنكتشف أن إسرائيل هي التي تتحكّم في أمريكا.

* * *

و هكذا، تضاف إلى المهام الصعبة المطروحة على الشعب الأمريكي مهمّة إضافية .. و يصبح السبيل إلى إنقاذ الحياة الأمريكية، و تخليصها من أيدي المسيطرين عليها، يقتضي مراجعة خطأ جديد يضاف إلى الأخطاء الثلاثة : الديموقراطية الخطأ، و القوّة الخطأ، و الطاقة الخطأ ....هو الحليف الخطأ ! .

السبت، يوليو ١١، ٢٠٠٩

الطراز الأمريكي للمستعمرات

قواعد " الإمبراطورية الأمريكية "

آثار أقدام العدوان الأمريكي في كل مكان


بالإضافة إلى شن الحروب الدائمة، ليس هناك ما يكشف الأجندة الإمبراطورية الأمريكية، أكثر من مئات القواعد في أنحاء العالم .. للهجوم و ليس الدفاع .. في وقت لا يوجد فيه عدو للولايات المتحدة، منذ استسلام اليابان في أغسطس 1945 .
في كتابه الذي صدر عام 2006 " الإنتقام : آخر أيام الجمهورية الأمريكية "، يناقش تشالمرز جونسون العدد المعروف للقواعد الأجنبية الأمريكية، من حيث الحجم و فرع الخدمة . و وفقا لتقرير إدارة تشييد القواعد الدفاعية خلال عام 2005، بلغ مجموعها 737، لكنها في حقيقة الأمر تزيد اليوم عن الألف قاعدة، مع القواعد العديدة التي أقيمت منذ ذلك التاريخ، بعضها معروف، و البعض الآخر سري، و هناك دائما خطط لإنشاء المزيد .
و يلقي جونسون الضوء أيضا على نواقص هذه القواعد .. الضوضاء غير المقبولة، و التلوّث، و التخريب البيئي، و مصادرة الأراضي الثمينة الخاصة و العامة .. بالإضافة إلى سكر و عربدة الجنود غير المنضبطين، بما يرتكبونه من جرائم تتضمّن الاغتصاب و القتل، و التي تمضي غالبا بلا عقاب وفقا للاتفاقات العسكرية الأمريكية المفروضة على الدول المقامة على أرضها هذه القواعد .

الطراز الأمريكي للمستعمرات

يقول الكتاب في جانب منه " الطراز الأمريكي للمستعمرة هو القاعدة العسكرية .. و التي تمثّل العسكرية عميقة الترسيخ في قلب مغامراتنا الإمبراطورية " .. إلى حد أننا ننفق كل عام على قواتنا المسلحة، أكثر ممّا تنفقه الدول الأخرى على الكرة الأرضية مجتمعة .
تقدم وزارة الدفاع الأمريكية حصرا لهذه القواعد العسكرية في تقريرها السنوي ( تقرير بناء القواعد ) . غير أن الرقم الإجمالي الرسمي، و هو ما بين 737 و 860 تمت إقامتها خارج البلاد، لا يعتبر دقيقا، نتيجة لاستبعاد العديد من القواعد السرّية، لعمليات التجسس، و التي تقام بمشاركة غير رسمية من الدول المضيفة، أو التي لا يأتي ذكرها لأسباب خاصة لا يمكن الإعلان عنها .
و اليوم، الملايين في الدول المختلفة ينتابهم نفس الشعور، لأسباب وجيهة . الوجود الأمريكي تطفّلي، و عدواني، و على حساب أبناء الدول المضيفة .
ثلاثة أنواع من القواعد الأمريكية
كتاب جديد ظهر في الأسواق تحت عنوان " قواعد الإمبراطورية : الصراع العالمي ضد المواقع العسكرية الأمريكية "، من تأليف كاترين لوتز، أستاذ الأنثروبولوجي في معهد واتسون للدراسات الدولية، مع مقدمة من سينثيا إنلووي استاذ أبحاث في جامعة كلارك . و هي تقول :
" رسميا، يوجد أكثر من 190 ألف من القوات المسلحة، و 115 من الموظفين المدنيين، يتكدسون في 909 منشأة عسكرية، موزعة على 46 دولة و إقليم . و القوات المسلحة للولايات المتحدة تملك أو تستأجر 795 ألف هكتار من الأرض، و 26 ألف بناية و منشأة، تصل قيمتها إلى 146 بليون دولار .." .
هذه الأرقام تعتبر غير دقيقة لأنّها لا تتضمّن القواعد و القوات الضخمة في العراق، و أفغانستان، و في الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفييتي، و في دول حلف وارسو، بالإضافة إلى أعداد غير معروفة من المواقع السرّية العديدة، في العديد من الدول الأخرى .

و القواعد تتضمّن ثلاثة أنواع :

( 1 ) القواعد الرئيسية العاملة (MOB) : مثل قاعدة (بلد) العراقية الجوية، التي تضم 30 ألف جندي، و 10 آلاف مقاول، و تغطّي مساحة 16 ميل مربّع، بالإضافة 12 ميل مربّع أخرى كنطاق أمني . هذه القواعد تكون ضخمة و دائمة، ذات بنية تحتية واسعة، و مراكز للقيادة و التحكّم، و مباني للعائلات في المناطق الخارجة عن نطاق الحرب، و كذلك مستشفيات و مدارس و أماكن للترفيه، و تقريبا كل ما هو متاح لأي مدينة أمريكية .
( 2 ) قواعد العمليات الأمامية (FOS) : التي تتضمّن منشآت رئيسية، و إن كانت أصغر من السابقة .
( 3 ) مواقع الأمن المعاونة (CLS) : و هي صغيرة، و بسيطة، لتخزين الأسلحة و الذخيرة، و تضم عدد متواضع من القوات .

نواقص القواعد العسكرية الأمريكية

الآثار البيئية و السياسية و الاقتصادية لهذه القواعد، تكون هائلة، و رغم دعاوى البنتاجون القائلة بأن هذه القواعد ببساطة توفّر الأمن للأماكن المقامة فيها، فإن معظم شعوب العالم لا يشعرون أنها توفّر لهم أي نوع من الاطمئنان .. و هم محقّون في هذا .
فالمزارع و الممتلكات العامة تجرى مصادرتها لإقامة تلك القواعد . و التلوّث السام يكون كبيرا، بالإضافة إلى التخريب البيئي الممتد .و الضوضاء الحادة، على مدار الساعة، من حركة الطائرات، لا تكون محتملة، كما أن أمريكا تمارس حروبها حول العديد من تلك القواعد . و القوات الأمريكية تسجن و تعذّب الآلاف، كما تدعم الطغاة من الحكّام لما فيه مصلحتها .. و في واقع الأمر تحتفظ بكوكب الأرض بأكمله كرهينة، لخدمة أجندتها، التي بلا نهاية .
و تضيف الأستاذة لوتز " أمريكا تحتل العالم، و تعكس وجودا عدوانيا، و تدرّب حوالي 100 ألف من القوات المحلية، في 180 دولة كشركاء، ثم تغمض عينيها عن ضروب التعسّف و المعاملة المنافية لحقوق الإنسان، التي ترتكبها قوّاتها، و الدول التي تستضيف قواعدها .." .


أهداف القواعد الأمريكية

إنها انعكاس لصورة الإمبراطورية، و الرغبة في السيطرة على كل مكان، و إحساس بنوع من " التفوّق العرقي، و الثقافي، أو الاجتماعي "، عندما يتحقق " الثراء الممتصّ من المناطق الهامشية، و المعاد توزيعه داخل المركز الإمبراطوري .." .
يدّعي البنتاجون أنهم في وضع يتيح لهم :
· الدفاع عن أرض الوطن، بالوجود المتقدّم أو العالمي ..
· و توفير الأمن للدول الأخرى .
و حقيقة الأمر، أنهم يسعون إلى التحكّم في التجارة، و الموارد، و إمدادات الأيدي العاملة المحلية الرخيصة .. و كذلك التحكم في الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدول التي تستضيف قواعدها . و هم يرغمونها على دعم الاستعمار الأمريكي، بما في ذلك الحروب الخارجية، برغم خسائر الشعوب المحلية .
و تضيف الكاتبة في مقدمتها، أن القواعد الأمريكية أيضا تخدم المصالح الاقتصادية القومية للولايات المتحدة الأمريكية، و تضمن لها الوصول إلى الأسواق و السلع التي تحتاجها للحفاظ على مستوى المعيشة الأمريكية.. كما ترد على أي تهديد، و تضمن بقاء طرق التجارة مفتوحة، و حتّى يظل الدولار العملة الاحتياطية السائدة في العالم .. و بكلمات قليلة، لكي تبقى آثار الأقدام الأمريكية في كل مكان، مع حضور عسكري يساعد على فرضها .

راجي عنايت
بتصرّف عن : ستيفن ليندمان

السبت، يوليو ٠٤، ٢٠٠٩

3 موجات للانهيار المالي العالمي

الأزمة العالمية الشاملة في صيف 2009 :

تراكم ضغوط ثلاث موجات خبيثة
أحدث تقارير نشرة التوقعات الأوربية العالمية

على عكس ما هو سائد في الموقف السياسي و الإعلامي، لا يرى التقرير ـ وسط هذا الطور من الأزمة العالمية الشاملة ـ أي صعود اقتصادي مفاجئ في أعقاب صيف 2009 ( و لا في السنة التالية ) . . " بل على العكس من ذلك، و بسبب عدم التصدّي لأصول الأزمة، نتوقّع أن يشهد صيف 2009، تجمّع لثلاث موجات خبيثة شديدة التخريب، التي تجسّد تفاقم الأزمة، و تستتبع حلول الاضطراب الأكبر في سبتمبر و أكتوبر2009" .
و كما جرى الأمر منذ بداية هذه الأزمة، ستتأثّر كل منطقة من مناطق العالم، لا في نفس التوقيت، و لا في بنفس الطريقة . " و مع ذلك، و وفقا لما توصّل إليه باحثونا، ستتأثر جميع المناطق، بتأخّر ملموس في أوضاعها المالية، عند نهاية صيف 2009 " .
هذا التطوّر الجديد سيباغت عددا كبيرا من اللاعبين الاقتصاديين و الماليين، في غفلة منهم، نتيجة لتأثّرهم بالاتجاه السائد في وسائل الإعلام، المصمم على رفض الاعتراف بالواقع .

الموجات الثلاث

يقول التقرير أن الموجات الهدّامة الثلاث، ذات طبيعة اجتماعية و اقتصادية في نفس الوقت .. و هي تظهر في الصور التالية :
( 1 ) موجة بطالة ضخمة : هناك ثلاثة تواريخ مختلفة لضغوط هذه الموجة بالنسبة لدول أمريكا، و أوروبا، و آسيا، و الشرق الأوسط و أفريقيا .
( 2 ) موجة من عمليات الإفلاس المتسلسلة في المؤسسات و الشركات : بالنسبة للشركات، و البنوك، و العقارات، و الولايات، و الأقاليم، و المدن .
( 3 ) موجة الأزمة النهائية للدولار الأمريكي، و سندات الخزانة الأمريكية، و الجنيه الإسترليني .


هذه الموجات تختلف عن سابقاتها

يقول التقرير أن هذه الموجات تختلف عن سابقاتها، و هي أكثر خطورة، لأنّها تحدث في نفس الوقت، و بشكل متواقت، و لكونها متقاطعة غير متوازية . و من ثم، فتأثيرها على النظام العالمي، يضخّم المخاطر، لأنها تضرب من زوايا مختلفة، و بسرعة مختلفة، و بقوّة متباينة .
الشيء الوحيد الأكيد، في هذه المرحلة، هو أن النظام العالمي، لم يكن في يوم من الأيام على هذه الدرجة من الضعف، و عدم القدرة على المقاومة .


تفكك النظام النقدي العالمي

يقول التقرير أن النظام النقدي العالمي، يمرّ بحالة من التفكك و التحلل، بينما الروس و الصينيين ، بصفة خاصّة، يندفعون بسرعة لضمان موضعهم في عصر ما بعد الدولار . الشركات لا ترى أي تحسّن في مناخ الأعمال، و تسرع في إيقاع تسريح العمّال و الإغلاق . و عدد متزايد من الدول تترنّح تحت ثقل الديون المتراكمة، التي نشأت عن محاولة " إنقاذ البنوك " .. و هي على وشك مواجهة محنة الفشل عند نهاية هذا الصيف .
في الولايات المتحدة و المملكة المتحدة، بصفة خاصة، لم يعد الجهد الخارق الذي تم في مجال المال العام، في عام 2008 و بداية 2009، لحساب البنوك الكبرى لوحدها، يحظى بقبول شعبي، ممّا يجعل من المستحيل التفكير ضخ المزيد من المال العام في البنوك، في ربيع عام 2009 . لذا بدا من الضروري اختراع " حكاية خرافية " لإقناع المدّخر متوسّط القدرة، على ضخ ماله الخاص في النظام المالي .
و من ثمّ، فبينما كبار المستثمرين، من منتجي البترول و الدول الآسيوية يسحبون رؤوس أموالهم من هذه البنوك، يعود إليها صغار المستثمرين الأفراد، تملأهم الآمال . و بمجرّد أن يكتشف هؤلاء المستثمرين الصغار أن ما يقدمونه يشكل فقط قطرة من محيط معونات الإنقاذ التي جرى تقديمها لتلك البنوك، و أن هذه البنوك تصبح ثانية على وشك الانهيار، سيتحققون ـ بلا حول و لا قوّة ـ أن أسهمهم لم تعد ذات قيمة .
و سيفاجأ قادة العالم السياسيون، الذين تسمموا بحيل رجال المال، أنهم يواجهون ـ للمرة الثانية ـ ظهور جميع مشاكل العام الماضي، بشكل أكثر حدّة، لأنّه لم تتم مواجهتها بصراحة، بل جرى دفنها تحت أكوام المال العام .

الخلاصــة

بالنسبة لمئات الملايين من المواطنين، في أمريكا، و أوروبا، و آسيا، و أفريقيا، سيشكّل صيف 2009 عبورا مأساويا تجاه فقر مستمر، نتيجة لفقدان الوظائف، و دون وجود أمل في العثور على غيرها على مدى إثنان أو ثلاثة أو أربعة أعوام، أو نتيجة لفقدهم مدّخراتهم المستثمرة في البورصة، و صناديق المعاشات، أو في استثمارات بنوك ترتبط بأسواق المال، أو خاضعة للدولار الأمريكي، أو الجنيه الإسترليني، أو في استثمار في شركات واقعة تحت ضغوط الانتظار، بلا أمل، لتحسّن في الأوضاع، لن يتحقق قريبا .

راجي عنايت

بتصرف عن :
Public announcement Special Summer 2009 GEAB N°36 (June 17 2009)

الخميس، يوليو ٠٢، ٢٠٠٩

اختراع العجلة من جديد


مولد عالم جديـــد
لا يعتمد على الدولار الأمريكي


بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس ألعابها المنهكة في مجال الجغرافيا السياسية، على الحدود الروسية، كان الرئيس الروسي ديمتري ميديفييف منشغلا في رسم خريطة واقع اقتصادي سياسي جديد، في قلب أوراسيا، و بالتحديد في مدينة " ييكاترينبورج "، حيث عقد قادة الدول التي يطلق عليها " بريك ـ BRIC" مؤتمر قمتها الأوّل ( بريك ترمز إلى : البرازيل، و روسيا، و الهند، و الصين ) .
قال ميديفييف، مخاطبا باقي الرؤساء " النظام الحالي الأحادي المختلق، يقوم على مركز استهلاك هائل، يعتمد في تمويله على عجز الميزانية المتنامي .. لعملة احتياط كانت قوية يوما ما .." . و تابع قائلا أن جذور الأزمة المالية العالمية الحالية، هو أن تعمل القليل، و تنفق الكثير . و استطرد " مطلوب من هذه القمّة أن تخلق الظروف المواتية لإرساء نظام عالمي أكثر عدلا .."، قال ذلك، بينما كان الرؤساء يؤمنون على كلماته، الرئيس الصيني هيو جينتاو، و الرئيس البرازيلي لويز إناشيو، و رئيس الوزراء الهندي لولا دي سيلفا .
و مجموعة دول بريك BRIC، تشكّل 15 في المائة من اقتصاد العالم، و 40 في المائة من احتياطي العملات العالمية، و نصف تعداد سكان العالم . كما أن البرازيل و الهند و الصين، استطاعت التعامل مع الأزمة المالية العالمية، بنتائج أفضل من دول العالم جميعا .

مطلوب عملة احتياط عالمية محايدة

و قد طالب الرئيس ميديفييف صندوق النقد الدولي بإدخال الروبل الروسي و الين الصيني ضمن سلّة العملات التي تقيّم بها منتجاتها المالية . و أبعد من هذا، ما طالب به حاكم البنك المركزي الصيني، بأن يصبح هدفنا الآن هو خلق عملة احتياط " منفصلة عن عملة أي دولة بعينها " .
الولايات المتحدة أصبحت الآن أكبر دولة مدينة في العالم، لكن الغريب في الأمر أنها تحاشت آلام " التعديل البنيوي " الذي يفرضه صندوق النقد الدولي على غير ذلك من الاقتصاديات المدينة، رافضة تخفيض ميزانيتها العسكرية المتضخّمة، أو زيادة ضرائبها بشكل معقول . " لا يجب أن يظل الاقتصاد العالمي مشتبكا، بشكل مباشر و بلا ضرورة، مع تقلبات قوّة وحيدة كبيرة في العالم "، قال روبرتو مانجابيرا أونجر، وزير العلاقات الاستراتيجية البرازيلي .

ديون أمريكا .. و ميزانيتها العسكرية

لن تستطيع الولايات المتحدة أن " تسدّد " ديونها لدي الحكومات الأجنبية، و البنوك المركزية لهذه الحكومات قد أنشأت الصناديق التي خصصت لتسوية إغراق الدولار عالميا . يو يونجدينج مستشار البنك المركزي الصيني سابقا، و الذي يحاضر حاليا في أكاديمية العلوم الصينية، ينصح وزير خزانة الولايات المتحدة، تيم جيثنر، بأن تسعى الولايات المتحدة إلى زيادة مدخراتها، بتخفيض نفقاتها العسكرية . و يقول لا يحتمل أن يزيد عائد الضرائب في الولايات المتحدة في المدى القريب، نتيجة هبوط النمو الاقتصادي، و الإنفاق غير المرن، و تكلفة الدخول في حربين .." . ( ملحوظة : كان ذلك قبل أن يدخل أوباما الحرب الثالثة في باكستان ) .

من الدولار الذهب .. إلى الورق !

لقد بدأت مجموعة "بريك" في سحب نظام دعم الحياة، الذي اعتمدت عليه الولايات المتحدة منذ أن استكمل لها نيكسون العبور من نظام غطاء الذهب كاحتياطي للعملة، إلى الدولار الورق ـ بلا غطاء ـ في عام 1971 .
يينج فينجن، من المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة، يقول " لقد أعطت الأزمة المالية دعما مطلوبا للغاية، للزمالة حديثة العمر بين البرازيل و روسيا و الهند و الصين، كما ساعدت في وصول صوتنا إلى كل مكان " . أمّا جلبيرتو راموس، رئيس الغرفة البرازيلية ـ الروسية للتجارة و الصناعة و السياحة، فيحذّر المتشائمين، قائلا أن دول "بريك" مفعمة بالقوّة الحقة على مستوى القارات، و بينها من النواحي المشتركة ما هو كثير للغاية .. " .

الجاسوس الأمريكي .. و النظام المالي العالمي

و ينهي صاحب هذه الدراسة إريك والبيرج حديثه قائلا :
في حالة إذا ما كان أوباما لم يلاحظ بعد، أوراسيا تلتحم الآن، ليس حول جورجيا الصغيرة، و شقيقها الأكبر بولندا، بزعم أنهما قواعد أمامية لإمبراطورية الولايات المتحدة القوية، و لكن حول الصين، و روسيا و الهند . كما يحسن صنعا لو تذكّر أن مدينة ( ييكاترينبورج ) ليست مشهورة فقط لماضيها الروسي، و لكن لارتباطها بالجاسوس الأمريكي جاري باورز، الذي تم إسقاط طائرته عام 1960، استعارة مناسبة للطريقة التي تستهدف بها كلّ من روسيا و الصين النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة .." .


بتصرّف عن :إريك والبيرج

الأربعاء، يونيو ٢٤، ٢٠٠٩

لغز أوباما

محـاولة لفهـم ..

لغــز أوبـاما


( 1 )
ماذا قال جون كينيدي .. و ماذا يقول أوباما ؟

" نحن لا نريد سلاما أمريكيا ( باكس أميريكانا ) يفرض على العالم بأسلحة و حرب أمريكية . ليس سلام القبر، أو أمن العبيد . إنني أتكلم عن سلام أصيل، ذلك النوع من السلام الذي يجعل الحياة على الأرض تستحق أن تعاش، النوع الذي يتيح للبشر و الدول النمو و الأمل و بناء حياة أفضل لأبنائهم ـ ليس مجرّد سلام لأمريكا و لكن سلام لجميع الرجال و النساء ـ ليس مجرّد سلام لزماننا و لكن لجميع الأزمان . "
الرئيس جون كينيدي، 1963

" لن أتردد في استخدام القوّة منفردا، إذا اقتضى الأمر، لحماية الشعب الأمريكي، أو مصالحنا الحيوية حيثما هوجمنا أو جرى تهديدنا عن قرب ... و يجب علينا أيضا أن ندخل في اعتبارنا القوات المسلّحة فيما يخرج عن الدفاع عن النفس، من أجل توفير الأمن العام الذي يقوم عليه الاستقرار العالمي ـ أن ندعم الأصدقاء، و أن نشارك في عمليات الاستقرار و إعادة البناء، أو مواجهة الفظائع الجماهيرية . " .
سيناتور باراك أوباما، مجلة الشئون الخارجية ـ عدد يولية/ أغسطس 2007


* * *

( 2 )
تصل إلى جانب من حل اللغز إذا عرفت ..
من هم رجال أوباما ؟

أولئك الذين فكّروا في أن انتخاب باراك أوباما كرئيس أمريكي قد يعني تغييرا جذريا في السياسة الخارجية الأمريكية، لا بد أنهم قد تخلّوا عن أوهامهم هذه الآن . الوجوه تتغيّر، لكن النظام يبقى . عندما نريد التغيير، من الضروري أن ننظر إلى وراء الفرد الواحد و أن نجري تقييما للفريق الذي يعمل معه، أو لحسابه . و بالنسبة لفريق أوباما فهو ممّا يمكن أن نطلق عليه فريق المحافظين الجدد الناعم، جميعهم يدينون بالولاء لمجمّع الصناعات العسكرية، و جميعهم قد نذروا أنفسهم لأيديولوجية الحروب الدائمة، عوضا عن التقدّم البشري المستديم .
ويبدو أن صفقة ما قد عقدت هنا : سيترك أوباما منشغلا بمصافحة الأيدي، و السفر، و إلقاء الخطب الرنّانة، أو الاشتراك في الاحتفالات، بينما ينشغل رئيس وزرائه رام إيمانويل بإدارة البيت الأبيض . و بعد ذلك استقرّ كل شيء في مكانه : قائد القوات البحرية الجنرال جيمس جونز حظي بلقب مستشار الأمن القومي ( ملحوظة : مستشار الأمن القومي يرأس مجلس الأمن القومي، و هو الجانب من البيت الأبيض الذي يعنى بأمور السياسة الخارجية )، و وزير دفاع بوش روبرت جيتس، طلب منه أن يبقى في وظيفته . هذا في حد ذاته فقط من المفروض أن يقنع الجميع بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة ستتغيّر في اللون، و ليس في مادتها .

بروفيسير رودريجو ترمبلاي


* * *
( 3 )
المسلمون .. بين مذابح أمريكا و إسرائيل

كان خطاب أوباما في القاهرة مخادع في أعماقه، مثل العديد من خطاباته القديمة و الأكثر حداثة . لقد شجب و انتقد بشدة " قتل الأبرياء من الرجال و النساء و الأطفال "، و مع ذلك يقوم الجيش الأمريكي بقتلهم يوميا في العراق، و أفغانستان، و باكستان .. و يمد إسرائيل بما قيمته بلايين الدولارات، و أحدث الأسلحة و التكنولوجيات لتقوم بعمليات الإبادة الجماعية ذات الإيقاع البطيء ( سلو موشان ) ضد ملايين الفلسطينيين، منكرة حقّهم في تقرير المصير، و حق المهاجرين في العودة إلى ديارهم، كما يفرض القانون الدولي .


ستيفن ليندمان


* * *
( 4 )

أوباما يدعو العالم لمواجهة كوريا الشمالية
فمن الذي سيواجه أمريكا و إسرائيل ؟

كوريا الشمالية مكان صغير . في مقدور الصين وحدها أن تنفخ فيها لتطيرها في دقائق معدودة . و مع ذلك، يعتقد رئيس الولايات المتحدة ليس أقل من العالم جميعه، يكفي لمواجهة كوريا الشمالية .
التجمّع العسكري/ الأمني الذي يحكم أمريكا، و بمشاركة اللوبي الإسرائيلي و قراصنة البنوك، يحتاجون إلى قائمة طويلة الأعداء الخطرين، لكي يتواصل تدفّق أموال دافعي الضرائب إلى خزائنهم .
لوبي الأمن المحلّي، يعتمد على تهديدات لا آخر لها، لإقناع الأمريكيين بوجوب تنازلهم عن حرياتهم المدنية في سبيل الأمن و السلامة .
و السؤال الذي يطرح نفسه هو : من الذي سيواجه الحكومتين الأمريكية و الإسرائيلية ؟ .
ملاحظة أوباما التي يقول فيها أن الأمر يحتاج العالم بأكمله لمواجهة كوريا الشمالية، تحيّر العقول، لكن هذه الفكرة المحيّرة تتواضع أمام تعهّد أوباما بأن أمريكا ستحمي " سلام و أمن العالم ." .

بول كريج روبرتس

* * *
( 5 )
أوباما .. رجل حرب أم سلام ؟

يتوسّع أوباما في حرب ليس وراءها منطق واضح، أو هدف صريح . إذا ما كان المنطق الرئيسي هو بناء صورته السياسية بصفته " قائد عسكري عام "، سيكون أوباما قد وقع في نفس الفخّ كما حدث مع جورج دبليو بوش .
حقيقة الأمر، أن توسيع أوباما للحرب الأفغانية الباكستانية، يكون قد دخل في مسار يمكن أن يقود إلى تخريب رئاسته . سيصبح الأمر تكرارا لما حدث من ليندون جونسون الذي جرى تحطيمه سياسيا بحربه الفييتنامية، على الرغم من أنّها كانت حربا لم يشنّها هو .

بروفيسير رودريجو ترمبلاي


* * *
( 6 )
محور الزلازل .. بعد محور الشر !

منذ سبع سنوات، و في خطابه بمناسبة حالة الاتحاد في 29 يناير 2002، أطلق الرئيس جورج دبليو بوش تحذيره من " محور الشر "، الذي كان يرتبط بمساندة الإرهابيين، و الذين " يستهدفون تهديد السلام العالمي " . كان المحور يضم : إيران و العراق و كوريا الشمالية .. و بعد سنة من ذلك الإعلان قام بغزو العراق .
الأخبار السيّئة بالنسبة لخليفة بوش، باراك أوباما، أنّه يواجه الآن محورا أكبر و أكثر إثارة للمتاعب.. هو محور الزلازل . هذا المحور يضم على الأقل تسعة أعضاء، و ربّما أكثر. ما يجمع بينهم ليس سوء النوايا، بأكثر من عدم استقرار أنظمتهم، الذي يجعله أسوأ كل يوم، هو الأزمة المالية العالمية .
عندما اختار كتاب خطاب بوش اصطلاح " محور الشر "، كانوا يستحضرون التحالف الموازي في الحرب العالميةالثانية بين ألمانيا، و إيطاليا، و اليابان .. و على العكس يذكّر محور الزلازل أكثر بالعقد السابق لقيام الحرب العالمية الثانية، عندما أثار الكساد العظيم موجة من الأزمات السياسية العالمية .

نيال فرجسون

* * *
( 7 )
أوباما ينفق على الحرب، أكثر مما أنفقه ريجان

في 27 يناير، حذّر وزير الدفاع روبرت جيتس الكونجرس قائلا " صنبور ميزانية الدفاع الذي جرى فتحه في أعقاب 9/11 ينغلق " . الصنبور الذي ينغلق يعني الأقل من النقود، لكن ميزانية الدفاع الجديدة لعام 2010 تظهر بوضوح أن الصنبور لا ينغلق، و أنّه على حاله لا يتغيّر، مفتوح على آخره .. ميزانية الدفاع السنوية لعام 2009 كانت 514 بليون دولار . لعام 2010، يطلب جيتس 534 بليون دولار، بزيادة 20 بليون .
إذا ما أضفنا تكاليف حروب العراق و أفغانستان، فإن ميزانية البنتاجون للسنة المالية الحالية ـ 2009 ـ تتجاوز أي سنة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك قمم الإنفاق للحروب الكورية و الفييتنامية .
الرئيس أوباما تتضمّن خطته زيادة ذلك الحد .
و أوباما سينفق ما يزيد عن إنفاق رونالد ريجان على الدفاع ! .

وينسلو ت. ويلر

* * *
( 8 )
أوباما يبدأ من حيث انتهى بوش

يتجاوز باراك أوباما بعدوانية الحرب في أفغانستان . لقد كثّف إسقاط القنابل عبر الحدود على باكستان، و هو يسعى إلى مضاعفة عدد قوات الولايات المتحدة لتصل إلى 68 ألف في عام 2010 . و هو أيضا نصير قوي لهجمات الطائرات بلا طيارين ( الزنّانة )، رغم موت المئات من المدنيين نتيجة لأخطاء قصف هذه الطائرات .
في 4مايو 2009، تمَ قتل 143 من المدنيين في قصف بالقنابل على " بالا بالوك "، منطقة معزولة جنوب حيرات . تجاوز أوباما الواقعة باعتذار موجز، دون تلميح بأن سياسة الولايات المتحدة للقصف الجوّي ستجري مراجعتها لتفادي تصرفات خاطئة في المستقبل .
الذي حدث بعد ذلك، انه جرى استبدال جنرال دافيد ماك كيرنان، باليفتينانت جنرال ستانلي ماك كريستال، كقائد للقوات الأمريكية في أفغانستان .. و فيا يلي سنرى كيف لخّصت الواشنطون بوست مؤهلات (!) ماك كريستال للوظيفة :
" ماك كريستال يقتل البشر . هل سبق له أن عمل في مجال مواجهة التمرّد ؟ ليس في الحقيقة "، هذا هو ما قاله ريتشارد كارستنس، رئيس غير مقيم في مركز قوات الأمن الأمريكية الجديدة، و ضابط في القوات الخاصة سابقا .
أوباما، يؤمن بأن استهداف المدنيين لا يمكن تفاديه، و هو جانب من أهداف الخطة . لقد دعم أوباما سياسة بوش، بدلا من أن يتبرّأ منها .. يا له من " تغيير " .

مايك ويتني

* * *
( 9 )
رئاسة أوباما ..
نفس الشيء، و لكن أسوأ !

باراك أوباما، كان لديه في خزينة حملته الانتخابية ميزانية لم يسمع عنها من قبل، حوالي 600 مليون دولار، بينما لم تتجاوز ميزانية منافسه الجمهوري جون ماكين حوالي 100 مليون دولار . هذه الحقيقة وحدها يجب أن تعطينا بصيرة حاسمة، حول الدور المالي الحقير الذي تلعبه الشركات، و تأثيرها الهائل المفرط، و الفاضح غير المقبول، و تحكّمها في النظام الانتخابي، ذلك الذي يطلقون عليه ديموقراطية . معظم هذ الأموال ملوثة بالدماء، تتجمّع من الاستغلال الذي تمارسه مؤسسات و شركات وول ستريت، و نخبة الشركات العسكرية. هذه الحقيقة في حد ذاتها تعطيك مؤشرا جيدا آخر، لما يمكن أن تتوقّعه في ظل رئاسة أوباما .

لاري بينكني

* * *
( 10 )
أوباما .. و الإمبراطورية الأمريكية

قلت دائما أنه أيا كان ما قد يتحقق من التغييرات الطيبة في الموضوعات غير المتصلة بالسياسة الخارجية، ممّا قد أتى ذكره بالفعل، متّصلا بالبيئة و الإجهاض، فإن إدارة أوباما لن تصدر عنها أيّة تغيرات ذات دلالة، لها قيمتها في السياسة الخارجية للولايات المتحدة .. القليل الذي يمكن فعله في هذا المجال، سيخفّض مستوى البؤس الذي فرضته الإمبراطورية الأمريكية على البشرية .. و إلى الحدّ الذي يفيد أن باراك أوباما مستعدّ للكشف بوضوح عمّا يؤمن به من الأمور الخلافية، التي يبدو أنه يؤمن بها بالنسبة للإمبراطورية .
لا بد أن الفقّاعة " الأوبامية " قد بدأت بالفعل تفقد بعضا من هوائها، مع قيام الولايات المتحدة بقصف باكستان بالقذائف، بشكل متكرر، خلال الأيام القليلة التالية للتنصيب الرئاسي .
"" و هكذا .. فالواجب الأكثر صعوبة أمامك يا أوباما، الواجب الذي يجعلك تكسب جميع النقاط .. أن تعلن أن إسرائيل لم تعد الولاية 51 من الولايات المتحدة سينزل على رأسك لعنة اللوبي الأكثر قوّة في العالم، و العديد من أتباعه الأغنياء، و أيضا اليمين الأصولي المسيحي، و معظم وسائل الإعلام . و لكن، إذا ما كنت تريد حقّا أن ترى سلاما بين إسرائيل و فلسطين، عليك أن توقف جميع المساعدات العسكرية لإسرائيل، في جميع أشكالها : الآلات و البرامج، والأفراد، و النقود . و أن تتوقّف عن إبلاغ حماس بأن عليها الاعتراف بإسرائيل، و أن تتخلّى عن العنف، إلى أن تقول لإسرائيل بأن عليها الاعراف بحماس، و أن تخلّى عن العنف ..".
" و هل تدرك أن بإمكانك أن تستأصل عجز ميزانيات الولايات، و كذلك العجز الفيدرالي، في الولايات المتحدة، و أن توفّر الرعاية الصحية المجانية، و التعليم الجامعي المجاني، لكل أمريكي، و أن تموّل تنوعا لا حد له من البرامج الاجتماعية الثقافية المفيدة .. كل هذا، بمجرّد إنهاء حروبنا في العراق و أفغانستان، و ليس البدء بحروب جديدة، وإغلاق 700+ من القواعد العسكرية للبنتاجون ؟ .. فكّر في هذا باعتباره ضمن أرباح السلم الأمريكي، الذي وعدنا به عندما تنتهي الحرب الباردة، يوما ما، لكننا لم نحصل عليه . ما رأيك في أن تمننا أنت هذا، سيدي الرئيس ؟ . أمر ليس متأخرا جدا .." .
" لكنك ملتزم بالنسبة للإمبراطورية؛ و لإمبراطورية ملتزمة بالحرب .. شيء رديء للغاية " .

وليام بلوم



* * *

و بعد .. هل هذا هو أوباما الذي التهبت أيدينا تصفيقا له، عندما كان يلقي خطابه في جامعة القاهرة ؟ .. أم الذي زارنا كان ( الدوبلير ) ؟! .

راجي عنايت
يونيو 2009

الأحد، مايو ٢٤، ٢٠٠٩

الكتاب الأخير لفوكوياما

الغزو الأمريكي للدول من أجل :

بناء الدولة، أم أسباب أخرى ؟


يحاول فوكوياما تبرير تدخّل الولايات المتحدة، و غزوها لدول أخرى، خارج إطار حماية حقوق الإنسان، فيقول " .. و المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة هي أن الحكومات الفاشلة قد تخلق تهديدات أمنية لا يمكن قبولها، على صورة إرهابيين يمتلكون أسلحة الدمار الشامل . و بعض الناس يميلون إلى التمييز الحاد بين أمرين : تدخّلات من أجل إشاعة حقوق الإنسان في دولة ما، و بين التدخّلات لمنع التهديدات الأمنية لدول أخرى، قائلين أن الحالة الأولي فقـط هي التي تستند إلى أسس شرعية في انتقاص سيادة دولة ما . هذه التفرقة تثير التساؤل لأنّها تفترض أن الدفاع عن الذات، يكون ـ بشكل ما ـ أقل شرعية من الدفاع عن الآخرين .." . و يحاول فوكوياما بهذا، أن يبرر غزو الولايات المتحدة للعراق .
تحت غطاء شبه أكاديمي، يحاول فوكوياما أن يناقش إقحـام الولايات المتحدة نفسها في شـئون الدول الأخرى، و حملاتها العسكرية المتعاقبة، في جميع أنحاء العالم، باعتباره سعيا منها إلى إعادة بناء تلك الدول، بما ينفعها و ينفع العالم .
و هذه مغالطة لا تجوز على أحد، فأدبيات جماعة " المحافظون الجدد "، التي كان فوكوياما يشكّل أحد أهمّ دعاماتها، تحدد الأهداف الأمريكية بوضوح كامل . و لعل خير ما يوضّح هذا، ما جاء في أحد الدراسات الحديثة للبنتاجون الأمريكي، حول السعي إلى بيئة مستقبلية آمنة للشرق الأوسط، و التي تحدد ترتيب أولويات مصالح أمريكا في نشاطها العسكري في منطقتنا كالتالي :
· مواجهة الإرهاب : و قد احتلّ هذا الهدف مكان الصدارة بعد أحداث هجوم 11 سبتمبر . و بالإضافة إلى تسمية تنظيم القاعدة باعتباره الخصم الأكبر، و إيران باعتبارها الهدف التالي، لمساندتها القوى المتطرّفة، مثل حزب الله و التنظيمات الفلسطينية الإسلامية التي تهدد إسرائيل .
· مواجهة أسلحة الدمار الشامل : أينما وجدت، لما فيها من تهديد لشركاء الولايات المتحدة في الخليج، و لإسرائيل، و للقوات الأمريكية المنتشرة في قواعدها بالمنطقة .
· إمدادات و أسعار بترول مستقرّة : و تقول الدراسة أن الخليج يعتبر بصفة خاصّة منطقة حيوية لأمريكا . و تلقي الدراسة الضوء على أولويات الولايات المتحدة بالنسبة لبترول المنطقة في السنوات العشر القادمة، فتتكلّم عن بترول السعودية الذي يشكّل ربع مخزون العالم . و تتكلّم عن العراق، التي يبلغ رصيدها ـ بوضعه الحالي ـ 10% من الرصيد العالمي . و تقول أنه من الممكن مضاعفة بترول العراق بسهولة، إلى ثلاثة أضعاف الإنتاج الحالي، في وجود الاستثمارات الأجنبية الكافية .
· ضمان استقرار النظم الصديقة : بعد حرب الخليج الأولى، ضمنت الولايات المتحدة ـ و أحيانا فرضت ـ روابط أمن مع السعودية و الكويت والإمارات و البحرين و قطر . كما حاولت دعم علاقاتها بالأردن و مصر و المغرب، باعتبارها من الدول المعتدلة المستعدّة للدخول في الأجندة الأمريكية .
· تأكيد أمن إسرائيل : باعتبار أن إسرائيل دولة ديموقراطية، تنحاز لأمريكا و الغرب، وسط منطقة مضطربة، قدراتها العسكرية العالية تجعلها قادرة على محاربة الإرهاب بشكل فعّال، و مواجهة التهديدات العسكرية في المنطقة .
· تشجيع الديموقراطية و حقوق الإنسان : و أخيرا، و في نهاية قائمة المصالح الأمريكية ، يأتي اهتمام أمريكا المزعوم بالديموقراطية و حقوق الإنسان، و إعادة بناء دول المنطقة بما يحقق ذلك .

بين " الدولة " و " الأمّة "

في تبريـره للتدخّل العسـكري الأمريكي، في شـئون الدول الأخرى، يقول فوكوياما أن ما ورد في الفصلين الأول و الثاني من كتابه " بناء الدول "، حول تطوير الحكم في الدول الضعيفة، و تحسين الشرعية الديموقراطية بها، و تدعيم المؤسسات المعتمدة على ذاتها، قد أصبح المشروع المحوري في السياسات الدولية المعاصرة .
و يضيف أنهم قد توصّلوا إلى ذلك الاستخلاص، " إمّا كنتيجة لرغبتنا في إعادة بناء المجتمعات المنهكة بالصراعات، أو الممزقة بالحروب، بدافع الرغبة في التخلص من الأسباب التي تفرخ الإرهاب .. أو كان تدخلنا على أمل أن تتاح فرصة للدول الفقيرة في التطوّر الاقتصادي .. " .
و يقول فوكوياما أن مثل هذا الجهد عرف في الولايات المتحدة باسم " بناء الأمّة " . و لعل مرجع الاصطلاح أن يكون انعكاسا للخبرة القومية، و التي حدث فيها أن تشكّلت الهويّة الثقافية و التاريخية بشدّة وفقا للمؤسسات السياسية، مثل المؤسسية و الديموقراطية .
و هو يشير إلى أن الأوربيين يميلون إلى أن يكونوا أكثر انتباها للفرق بين " الدولة " و " الأمّة " . و يقولون أن " بناء الأمّة " بمعنى خلق مجتمع يربط بين عناصره التاريخ المشترك، و الثقافة المشتركة، يخرج تماما عن نطاق قدرات أيّة قوّة خارجية . و يعلّق فوكوياما " .. و هم طبعا على حق .. فالدول و الحكومات فقط هي التي يمكن تعمّد بناء ذاتها .. و إذا نشأت من هذا أمّة، فإن ذلك مرجعه إلى حد كبير إلى الحظ، أكثر من التصميم .. " .

بوش أجبر على الغزو ! ..

و يتحدّث بعد ذلك عن خلاف أيديولوجي داخل الولايات المتحدة، حول مسألة " بناء الأمّة " . بعض المحافظين، و معهم العديد من اليمين الليبرالي, يعارضون من حيث المبدأ مسألة بناء الأمم، و السر في هذا أنهم لا يظنونها مسألة مفيدة، و لا يميلون إلى فكرة التورّط الطويل المكلّف، لموضوع يرون أنه من المسائل الدولية . و من ناحية أخرى، نجد العديد من المؤسسات الاقتصادية الدولية، و مجتمعات التنظيمات غير الحكومية، الذين يتحدثون عن بناء الأمّة كما لو كانت عملية يفهمونها جيدا، و يمكن أن يقوموا بها، إذا ما توفّرت الموارد المالية .
و يقول فوكوياما " لقد جاءت إدارة بوش إلى الحكم متخوّفة و متشائمة من عملية بناء الأمم، لكن تم جرّها ـ بموافقته ـ إلى أفغانستان و العراق .." . و يحذّر فوكوياما قائلا أنّه على أولئك الذين في جانب بناء الأمم، أن يواجهوا بأمانة تاريخا مضطرب للنجاح في ذلك المجال . و ببساطة، ليس الأمر أن بناء الأمة لم ينجح في حالات مثل جنوب الصحراء الأفريقية، فإن العديد من الجهود في ذلك المجال قضت على القدرة المؤسسية للبلاد المعنية مع الزمن . و يضيف " نحن نحتاج، وفقا لذلك، أن نلقي نظرة حاسمة حول ما هو ممكن، و ما هو غير ممكن، و أن نفهم حدود ما يمكن أن تقدمه المعونة الخارجية .." .

و إلى الرسالة التالية لنرى مظاهر الفشل الأمريكي فيما تطلق عليه " بناء الأمم "

الاثنين، أبريل ٢٧، ٢٠٠٩

الكتاب الأخير لفوكوياما


الإمبراطورية الجديدة


تحت هذا العنوان يقول فوكوياما " المنطق الذي تسير عليه السياسة الخارجية الأمريكية، منذ 11 سبتمبر، يقودها في اتجاه وضع يكون أمامها فيه أحد سبيلين : إمّا أن تتولّى مسئولية الحكم في الدول الضعيفة، أو أن تلقي بالمشكلة على عاتق المجتمع الدولي . و بينما تنكر إدارة بوش ذلك الطموح الإمبراطوري، نجدها تعمل في حديث الرئيس عام 2002 بويست بوينت، و من خلال ( استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة )، على إرساء سياسة الجهد الاستباقي، أو بمعنى أدق الحروب الوقائية، التي ستضع الولايات المتحدة، في واقع الأمر، في موضع المسـئولية عن حكم شعـوب معـادية في أغلب الاحتمالات، و في دول يمكن أن تهـدد الولايات المتحدة بنشاط إرهابي .. " .
و ينتقل فوكوياما بعد ذلك إلى الحديث عن أفغانستان، و حكومة قرضاي التي فرضتها الولايات المتحدة، و التي تحيا إلى حد بعيد بفضل القوّة الأمريكية . و بحجة وجود جيوب لطالبان في طاجكستان و تركمستان و أوزبيكستان، تدخلت أمريكا بشكل مباشر و غير مباشر .
كلّ هذا قبل أن تتخذ أمريكا الخطوة الكبرى لإسقاط النظام البعثي العراقي . و على حد قول فوكوياما "تحويل البلاد إلى نظام ديموقراطي فعّال " . و هو يضيف مشـيرا إلى خطاب بوش في 26 فبراير 2003، الذي تحدّث فيه عن الواجب التاريخي للولايات المتحدة، و كيف أنها أصبحت مسئولة عن كتابة التاريخ المعاصر . و في طرح أجندته، لم يقف بوش عند حد التحوّل الديموقراطي في العراق، بل فرض تحولات سياسية على العديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك تحقيق تقدّم في الخلاف الإسرائيلي الفلسطيني، ثم تشجيع التعددية في أجزاء أخرى من العالم العربي .
و يعقّب فوكوياما على قول بوش، أن تنظيم القاعدة ما زال مستمرا في استغلال الفرص التي تتوفّر في الدول ذات الحكومات الضعيفة، قائلا " من الواضح أن الولايات المتحدة ستواصل التدخّل مباشرة بقواتها العسكرية في كل دولة من دول العالم ينشط فيها الإرهابيون، بل يجب أن تعتمد على قابلية حكومات الدول المحلية على التحكّم في الإرهاب بنفسها .. و في سعي الولايات المتحدة إلى أمنها، تصل إلى نفس التساؤل الذي تنشغل به وكالات التنمية العالمية : كيف يمكن الحض على بناء الدولة من خارجها، في بلاد تعاني من ارتباكات داخلية حادّة ؟ .." .

أسس جديدة للتدخّل و السيادة

حكومات الدول الضعيفة تخلق لنفسها، و لغيرها، زيادة في احتمالات سعي جهة أخرى ما في النظام الدولي للتدخّل في شئونها، ضد رغباتها، من خلال السعي لإصلاح أوضاعها قسرا . هذا هو ما يقوله فوكوياما .. و هو يحرص هنا على توضيح أن ضعف الدولة الذي يتحدّث عنه ينسحب على قوّة الحكومة، و ليس مدى اتساع نطاق نشاطها و مسئولياتها .. فالضعف ينسحب على نقص الكفاءة المؤسسية للدولة، بالنسبة لوضع السياسات و فرضها .
و هو يقول أن العديدين انتقدوا سياسة إدارة بوش الجديدة، بالنسبة للخطوات الاستباقية و غزو العراق، و يرون في ذلك انتهاكا للسيادة . و هو يعترف أن الحديث عن تآكل السيادة جرى طرحه قبل ذلك بالنسبة لما أطلق عليه التدخّل الإنساني في تسعينيات القرن الماضي . و هو بهذا يشير إلى تجارب أمريكا في الصومال، و هاييتي، و كمبوديا، و البلقان، و غير ذلك من البلدان، و التي خلقت أدبيات هائلة الكم بالنسبة لموضوع التدخّل الخارجي . و هو يتكلّم عن أوضاع جديدة نشأت بعد انتهاء الحرب الباردة، ترسي أسسا جديدة للتدخّل و السيادة .. و لكن، دعونا نفكّر معا في الأسباب الحقيقية لتآكل السيادة .
طرح أفكار فرانسيس فوكوياما، أو غيره من رابطة المحافظين الجدد، لا يعكس إعجابا بها، و لكنه يستهدف فهم المنطق الذي ترتكب الإدارة الأمريكية بموجبه تعدياتها على دول العالم الأخرى، و تبريراتها لتلك التعديات . كلّ خطايا الإدارة الأمريكية تجد من يفلسفها . و أقرب مثال لذلك، ما قالته كونداليزا رايس لتبرير الفوضى، و الفشل الأمريكي المتكرر في محاولات ضبط الأوضاع في أفغانستان و العراق، و نتائج تدخلات أمريكا في بعض النظم العربية، و شعار " الفوضى البنّاءة " الذي أطلقته ! .
نجد شبيها لذلك في محاولات فوكوياما في كتاب " بناء الدولة " لشرح مبررات العدوان على سيادة الدول الأخرى، باعتبار أن تآكل السيادة الدولية ليست ظاهرة مرتبطة بانقضاء عصر الصناعة، بل ظاهرة ترتبط بجهود أمريكا للسيطرة على الدول الأخرى و استغلالها، تحت شعار إنقاذها من النظم الشمولية و الدكتاتورية، معتمدة على التفسير الزائف لظاهرة " العولمة " التي جاء بها عصر المعلومات، في محاولة السيطرة على اقتصاد الدول النامية، لحساب مصالح الدول الصناعية الكبرى .

السيادة .. نكته سخيفة !

دعونا بداية نرى ماذا يقول فوكوياما في هذا الصدد . يقول أنّه مع نهاية الحرب الباردة ( و هذا يعني لديهم دائما انفراد أمريكا بالسلطة )، حصل اتفاق أكبر في المجتمع العالمي بالنسبة لمبادئ الشرعية السياسية و حقوق الإنسان، قاد إلى اعتبار " السيادة، و من ثم الشرعية، لم يعد من الممكن الإشارة إليها أوتوماتيكيا، كحقّ طبيعي للقوّة المسيطرة على دولة ما . سيادة الدولة بدت كشيء خيالي أو نكتة سخيفة في حالة دول مثل الصومال أو أفغانستان، التي قد تدهورت إلى حكم أمراء الحرب .." .
و هو يواصل قائلا أن الحكام الدكتاتوريين، المعتدين على حقوق الإنسان، مثل حاكم الصرب ميلوسيفيتش، لا يستطيعون الاختفاء وراء مبدأ السيادة لكي يحموا أنفسهم و هم يرتكبون جرائمهم ضد الإنسانية، و خاصة في دول متعددة الأعراق، مثل يوغوسلافيا السابقة، التي كانت فيها حدود سيادة الدولة ذاتها محل خلاف و نقاش .
ثم نصل إلى بيت القصيد، فيقول " في ظل هذه الظروف، لا يصبح من حق القوى الخارجية التي تعمل باسم حقوق الإنسان و الشرعية الديموقراطية فقط حق التدخّل، بل يصبح هذا واجبا عليها " .
و كالعادة، لا يحاول فوكوياما أن ينظر إلى الظواهر من خلال نظرة عريضة للتحوّل الأساسي الذي يمرّ به الجنس البشري، من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات، كما أشرنا من قبل .
فمع الإنتاج على نطاق واسع و التوزيع على نطاق واسع، و ظهور السوق بمعناها المعاصر، اشتدت حدّة التنافس بين المجتمعات الصناعية، وترتّب على ذلك ظهور الدولة القومية، فاندمجت الولايات و المقاطعات على شكل دول حديثة كبيرة، كما كان الحال في ألمانيا و إيطاليا و اليابان . و جرى رسم الحدود بين الدول بدقّة، و أصبح لسيادة الدولة حرمة و أهمية كبرى .. لقد كان عصر الصناعة هو عصر الدول القومية .
غير أن تدافع عصر المعلومات قاد إلى قيام كيانات دولية، و شركات اقتصادية عابرة للقارات، انتقصت من السيادة التقليدية التي عرفتها الدول في عصر الصناعة . كما أن تدعّم كيان الأفراد في كل دولة، و المطالبة بإعادة توزيع سلطة اتخاذ القرارات، هبوطا من القمّة إلى القاعدة، ضاعف من انتقاص الكيان التقليدي للدولة .
هذه، في رأيي، طبيعة التغيّر التي طرأ على السيادة، بعيدا عن الأسباب التبريرية لفوكوياما .
يقول فوكوياما في كتابه " أن التدخلات الإنسانية التي تمت في تسعينيات القرن الماضي، قادت إلى أمر واقع هو نشوء قوة إمبريالية عالمية، تسيطر على أجزاء ( الدول الفاشلة ) من العالم . و غالبا ما كانت التدخلات تتخذ لها رأس حربة القوّة العسكرية الأمريكية، متبوعة في جانب إعادة بناء الدول بتحالف كبير يتكوّن مبدئيا من دول أوروبية، بالإضافة إلى أستراليا و نيوزيلندا و اليابان "، ثم يستدرك قائلا أنّه في حالة الصومال و كمبوديا و البوسنة و كوسوفو و تيمور الشرقية، و أفغانستان حاليا، فإن ( المجتمع الدولي ) أحجم عن المشاركة الفعلية . و يضيف أن السيادة في تلك الدول التي تم اقتحامها قد انتهى وجودها، و تكفّلت بوظائف الحكم الأمم المتحدة، أو الوكالات و التنظيمات غير الحكومية .

و إلى الرسالة التالية، لنستعرض الأسباب الحقيقية للتدخل الأمريكي .

الأحد، أبريل ١٩، ٢٠٠٩

الكتاب الأخير لفوكوياما

غياب النمط الأمثل للمؤسسة الحكومية


في كتابه الأخير، يقول فوكوياما " من المفيد ـ بالتأكيد ـ أن نحاول فهم مشكلات إدارة المؤسسة، أو الفساد في القطاع العام أو الحكومي، من خلال مصطلحات ( صاحب الحق ـ الوكيل )، لاستغلال ذلك الإطار في رسم مؤسسات تسعى إلى التوفيق ثانية بين المصالح المتنافرة .. " .
ثم يضيف هناك ثلاثة أسـباب رئيسية ـ على الأقل ـ لعدم إمكان الاتفاق على مواصفات مبدئية للمؤسسـات النمطية، و عدم وجود مواصفات مبدئية للمنظمات، و بشكل خاص ما يتّصل بوكالات القطاع العام .
أولا: عدم وضوح الأهداف .
أهداف الكثير من المؤسسات و التنظيمات تكون غير واضحة . و لا يمكن أن يقف الموظّف أو المدير أو
الوكيل عند حدود إرادة أصحاب الحق، إلا إذا عرف أصحاب الحق ما يريدونه بالضبط ممن ينوب عنهم في
إدارة الأمور و تسييرها، لكن الوضع لا يكون دائما هكذا . فالأهداف غالبا ما تظهر و تكتمل من خلال التأثيرات المتبادلة، بين العاملين في المؤسسة، أو أن تتحدّد عن طريق النظم و القواعد التي تحكم عمل العاملين في المؤسسة . فالعمل يمكن تقسيمه وظيفيا خلال تنوّع من الطرق، التي غالبا ما تفضّل بعض الأهداف التنظيمية على الأخرى، و ليس جميع الأهداف في نفس الوقت .
ثانيا : صعوبة الرصد و المراقبة .
النظم المعتادة في الرصد و التقييم، و بشكل خاص في الإدارة العامة، إمّا لما يتطلبه من تعاملات ذات تكلفة عالية جدا، أو لأنه ببساطة مستحيل لنقص الوضوح للجهد الذي يتطلبه . في هذه الحالات، يكون الأكثر كفاءة، في أغلب الأحوال، مراقبة سلوك و تصرّف الوكيل أو الموظّف من خلال المعايير غير الرسمية، لكن هذا الخيار تكون له عيوبه الخاصة .
ثالثا : المفاضلة بين الكفاءة و المخاطرة .
الدرجة المناسبة لتوكيل النائب في اتخاذ القرارات، تختلف وفقا لشروط النمو الداخلي أو النمو الخارجي، التي تواجهها المؤسسة مع الزمن . و جميع أشكال التوكيل أو الإنابة تتراوح بين حدّي الكفاءة و المخاطرة، و أن كلّ من درجة المخاطرة و المستوى المناسب من الإنابة أو التوكيل، غالبا ما يكون من الصعب على المؤسسة أن تحدده .

الغموض في الأهداف

المصدر الأول للغموض في أهداف المؤسسات، غالبا ما يكون غير واضح، أو متناقض، أو من الصعب توصيفه . و يقول فوكوياما أن إطار ( المالك – الوكيل ) يفترض أن أصحاب الحق أفرادا عقلاء، يفهمون مصلحتهم الخاصّة تماما، و يوكلون السلطة إلى الإداريين أو النواب وفقا لتلك المصالح . و السلطة تسبح في اتجاه واحد، من قمة تسلسل الرئاسات إلى قاعدته . المشاكل داخل المؤسسة من قبيل ارتكاب الموظف لمخالفات، أو وقائع فساد، أو حتّى الغرق ببساطة في البيروقراطية، تحدث كلّها كنتيجة للسلوك الخاضع للمصلحة الذاتية من جانب الموظّف، الذي لا يجد نفسه في نفس هيكل الحوافز الخاص بالمالكين أو أصحاب الحق، أو تحدث من الذين لا يفهمون سلطة أصحاب الحق، أو يجدوا أنفسهم غير قادرين على إطاعتها .
و يعلّق فوكوياما على هذا قائلا أن أحد مثالب إطار ( المالك ـ النائب )، هو افتراضه أن السلطة و النفوذ يتدفقان في اتجاه واحد: من أعلى إلى أسفل . و العديد من التناقضات التي تنشأ بين صاحب الحق و المدير أو الموظّف، تنتج عن اختلاف التفسيرات حول أفضل الطرق لتحقيق الأهداف العامة، و التي قد لا يكون الحق فيها إلى جانب المالك دائما . أو تنشأ من تناقض التفسيرات فيما هو أفضل شيء لتعظيم مصلحة المالك . و يستخلص فوكوياما من هذا، أن هيكل السلطة المركّب داخل المؤسسة أو التنظيم، يفسّر لماذا يكثر عدد المحافظين، الذين يميلون إلى الجمود في أماكنهم، و هم بالقطع الذين نطلق عليهم " البيروقراطيين " .
و بالنسبة للمصدر الثاني للغموض، لا يمكن لنا أن نجعل مصالح و دوافع الموظّف أو المدير أو النائب تتطابق تماما مع مصالح صاحب الحق أو المالك . و يعلّق فوكوياما قائلا أن جانبا كبيرا من نظرية النظم، يركّز على الآليات التي تسمح بأكبر قدر من التقارب بين المصلحتين . كما أنه من المستحيل، في كثير من الأحيان، أن نرصد نتيجة جهد المديرين أو الموظفين، بطرق تجعلهم مسئولين عن أعمالهم . و هناك منهج آخر للتحكّم في الموظفين، تعتمد على معيار أو قواعد السلوك، و على جهد الموظّف في التشكيل النشيط لوظائف صلاحياته .
و يقول فوكوياما أن قدرة هذين التصورين في أن يكمل أحدهما الآخر، و على أن تحل كلّ منهما مكان الأخرى، تصنع المصدر الثاني لغموض النظم و المؤسسات
و لكن .. كيف يحل فوكوياما إشكالية : أصحاب الحق ـ الوكلاء ـ الدوافع ؟ .

الدول الضعيفة هي مصدر الخطر !

في الفصل الثالث من لكتاب، نصل إلى بيت القصيد، أو الهدف الحقيقي من هذه الدراسة الموجّهة، لحساب خطط المحافظين الجدد في الولايات المتحدة . و هو هنا يتكلّم عن " الدول الضعيفة، و الشرعية الدولية " . و لتبرير سياسة التدخّل العسكري من جانب الولايات المتحدة، و احتلالها للعديد من الدول النامية، يخرج علينا فرانسيس فوكوياما، بنظرية مفادها أن ضعف الدول الضعيفة ـ أيا كان سببه ـ يضرّ بمصالح الولايات المتحدة، و يقتضي منها التدخل، بسبب أو بدون سبب ! .
يقول " منذ نهاية الحرب الباردة، أصبحت الدول الضعيفة أو الفاشلة المشكلة الوحيدة الأكثر أهمية أمام النظام العالمي .. و هذه الدول الفاشلة أو الضعيفة تنتهك حقوق الإنسان، و تثير الكوارث الإنسانية، و تقود إلى موجات واسعة من الهجرة، و تعتدي على جيرانها .." . و عندما نتأمّل هذه الكلمات على ضوء ما حدث ـ فقط ـ في أفغانستان و العراق، نتسـاءل من الذي انتهك حقوق الشعبين، في سجونه و خارجها ؟، ومن الذي يثير الكوارث الإنسانية التي لا تنقطع أخبارها ؟ ، و من الذي يشكّل أكبر مشكلة حاليا بالنسبة لمعظم دول العالم، و لجميع عقلاء شعوب العالم ؟ .. أليست هي الولايات المتحدة، بفضل المشاريع الجنونية التي تخطط لها الأصولية الأمريكية ( يهودية و مسيحية ) ؟، و يساندها كبار أثرياء السلاح و البترول و المقاولات، الذين يمسكون بأقدار الشعب الأمريكي بين أيديهم ؟ .
ثم يضيف فوكوياما " و منذ 11سبتمبر، بدا أيضا واضحا أن هذه الدول تأوي إرهابيين دوليين، الذين يستطيعون أن يسببوا ضررا واضحا للولايات المتحدة، و لغيرها من الدول المتطوّرة .." . و هو هنا يتكلّم عمّا بعد 11 سبتمبر، و لا يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي حشدت جيوش الجهاد الإسلامي من جميع أنحاء العالم العربي و الإسلامي، و تحالفت مع بن لادن، و زودته بمعين لا ينضب من المال و السلاح و التأييد القوي .. و كان كل ذلك لحساب ضرب النظام الموالي للسوفييت من أفغانستان، و تحت شعار محاربة قوي الشر ( و إن كانت الأيام قد أثبتت أن الولايات المتحدة كانت منذ زمن طويل، و ما زالت، منبع الشرور في عالمنا ) . الحقيقة الخالصة، هي أن الولايات المتحدة هي التي تحدث بنفسها جميع الأضرار .

الدوافع الإنسانية الكاذبة

الغريب أن فوكوياما كتب كتابه هذا عام 2004، أي عندما وضح الوضع العراقي للعالم بأكمله . و بعد أن نجحت أمريكا في تحويل العراق إلى صورة مكبّرة مضخّمة لأفغانستان، قبل و بعد الاحتلال الأمريكي . لم تكن العراق دولة ضعيفة ( بمنطق فوكوياما ) قبل احتلال أمريكا لها، و في حقيقة الأمـر، لم تصبح دولة ضعيفة متهاوية، تقوم إدارتها على مجموعة كبيرة من المغالطات و الأكاذيب، إلاّ بعد الغزو الأمريكي، و في ظل إدارة بريمر و من خلفه عناصر النظام الأمريكي .
و يقول فوكوياما أن مشكلة الدولة الفاشلة، التي كان ينظر إليها سابقا بشكل عام، باعتبارها موضوع إنساني، أو موضوع حقوق إنسان، ظهر لها فجأة بعدا أمنيا رئيسيا . و حقيقة الأمر أنه لا أمريكا و لا أي من الدول الصناعية الثرية الكبرى قد كانت لتدخلاتها في دول العالم الثالث، أو الدول النامية أي نوع من الدوافع الإنسانية، و لم يكن لها غير الهدف الرباعي : البترول، و المواد الخام، و العمالة الرخيصة، و الأسواق . ثم هو يستدل بقول مايكل إجناتييف " و ظهر أيضا في تسعينيات القرن الماضي فشل عام في الخيال التاريخي، و هو عدم قدرة الغرب فيما بعد الحرب الباردة على إدراك الأزمة البازغة في نظام الدولة، في كثير من المناطق المتداخلة من العالم ـ من مصر إلى أفغانستان ـ ستكون مهـددة لنا في بلادنا .. " .
و من بين أسباب عدم استقرار الشرق الأوسط التي يوردها فوكوياما، غياب الديموقراطية، أو أي مشاركة سياسية شعبية معقولة . لكنّه يستدرك ـ تحت وطأة الواقع التاريخي الذي لا ينكرـ فيقول " فقد كان ينظر إلى الطبيعة الشمولية المتزايدة للحكم في المنطقة، باعتباره أمرا مقبولا من الولايات المتحدة، التي كانت تتهم بوجود دوافع خفية عندها في دعمها لنظم مثل العربية السعودية و مصر .. " .
و من ناحية أخرى، يرى فوكوياما أن الأوضاع في الشرق الأوسط قد بلغت هذا القدر من السوء نتيجة للركود الاقتصادي، و هو يرى أن المنطقة " قد فاتتها ـ إلى حدّ كبير ـ موجات الإصلاح الاقتصادي، التي تميّزت بها أمريكا اللاتينية، و آسيا، و مناطق أخرى من العالم النامي، خلال ثمانينيات و تسعينيات القـرن الماضي " . و أن ذلك الكسـاد ساد جاء بالتحديد في وقت كانت فيه هذه الدول تعاني من تضخّم شبابي، خلق عشرات الآلاف من الشباب المتعطّل . و هو يرى أن العديد من حالات الكساد هذه ـ كما هو حال الدول النامية في أجزاء أخرى من العالم ـ يمكن إرجاعها إلى ضعف الأداء الحكومي، من جانب الدول التي لا تشجّع نشاط الاستثمار الخاص، و الاعتماد على الأسواق ذات الكفاءة .

في الرسالة التالية يتحدّث فوكوياما عن " إدارة بوش .. و الطموح الإمبراطوري " .

الجمعة، أبريل ١٠، ٢٠٠٩

فوكوياما .. و مشاكل الحكم

فوكوياما في كتابه الأخير

مشاكل الحكم ..

بين صاحب الحقّ و الوكيل !


في الفصل الثاني من كتاب " بناء الدول ..الحكم و النظام العالمي في القرن 21 "، يتحدّث فوكوياما عن التنظيم الإداري، فيقول أنه حتّى في إطار النطاق المحدود للتنظيم، لا يوجد حد أدنى من أشكال التنظيمات، سواء في وكالات القطاع الخاص أو العام . ممّا يعني أنه لا توجد قواعد مقبولة عالميا للتصميم أو الصياغة المؤسسية، ممّا يعني أن مجال الإدارة العامة يكون في الأساس أقرب إلى الفن منه إلى العلم .
و هو يقول " وهذا يكون له تأثير هام على سياستنا، في الطريقة التي نأخذ بها عند المساعدة على تقوية الدول في البلاد النامية، و في الطريقة التي ندرّب بها المختصين في هذا المجال .. الحلول الجيّدة في مجال مشاكل الإدارة العامة يجب أن تكون ـ بشكل ما ـ محلّية، ممّا يقتضي علاقة مختلفة تماما بين حكومات البلاد النامية، و مصادر المعونة أو الخبرة الخارجية .. " .

مشكلة تفويض الامتياز

فيما قبل عصر الصناعة، كان مالك النشاط هو مديره في أغلب الأحيان، و هو الذي يقوم باتخاذ القرارات الهامة في عمله، دون شريك . و في عصر الصناعة،و نتيجة للتطور الصناعي الذي أتاح الإنتاج على نطاق واسع، و من ثم التوزيع و الاستهلاك على نطاق واسع، و قاد إلى ظهور السوق بمعناها الجديد، حدثت أربعة أنواع من الانفصال، في حياة البشر العملية : بين العمال و أصحاب العمل، و بين المسـتهلكين و المنتجين، و بين المدّخرين و المستثمرين، و أيضا بين الإنسان و الطبيعة .
و حول هذا يقول فوكوياما " يدور قدر هائل من نظرية النظم حول مشكلة رئيسية وحيدة، و هي التفويض أو الإنابة في اتخاذ القرار .." . و يستعرض رأي يينسين أحد كبار منظري النظم، الذي يقول أنه لاستحالة تحريك جميع المعلومات إلى متخذ القرار المركزي، سواء كان مخططا مركزيا في اقتصاد ما، أو المدير التنفيذي في مشروع ما، يجب أن يتم تفويض معظم حقوق اتخاذ القرار إلى الأفراد الذين يمتلكون المعلومات المعنية . و ثمن إعادة توزيع المعلومات بين الأفراد، هو ضرورة تحويل بعض حقوق اتخاذ القرارات لامركزيا، في المؤسسات أو الاقتصاد . و يضيف يينسين أن هذه اللامركزية تقود بدورها إلى نظم تخفف من مشكلة التحكّم، الناتجة عن حقيقة أن أصحاب المصالح الشخصية الذين يتولون عملية اتخاذ القرارات، نيابة عن الآخرين، لا يتصرفون كنوّاب كاملين .
و يقول فوكوياما أن التمييز بين الفرد و مصالح المؤسسة، قاد إلى ظهور فرع كبير رئيسي للنظرية، تحت عنوان " العلاقة بين صاحب الحق و الوكيل أو المخوّل "، و هو الذي أتاح فهم مشاكل الحكم بوضوح .
و منذ بدايات القرن العشرين، اكتشف الباحثون أن انفصال الملكية عن الإدارة في المؤسسات الحديثة، يخلق قدرا ملحوظا من مشكلات إدارة المؤسسات . فالمالكون أو أصحاب الحق، يوكّلون عنهم في متابعة مصالحهم نواب أو مديرين، لكن هؤلاء الوكلاء أو النواب غالبا ما يستجيبون لدوافعهم و مصالحهم الخاصة، التي تختلف عن مصالح الملاّك . و هذه مشكلة تلازم جميع أشكل المؤسسات التي تأخذ بنظام تسلسل الرئاسات، و يمكن أن تظهر عند عدة مستويات من ذلك التسلسل، و في نفس الوقت .

الفساد الإداري و السياسي

و بمجرّد أن جرى التعامل مع نظرية ( المالك – الوكيل ) في مجال الشركات و المؤسسات الخاصّة، أصبح من السهل تطبيق إطارها في تفسير سلوك القطاع العام .
في القطاع الخـاص، أصحاب الحق هم حملة الأسهم، و نوابهم أو وكلائهم هم مجالس الإدارة و المديرون . أما في القطاع العام، فأصحاب الحق هم الشعب على اتساعه . في الدول الديموقراطية، يكون أعلى مستوى للوكلاء هم مجموعة النواب المنتخبون، و هؤلاء النواب المخوّلون يتصرفون كأصحاب حق أو ملاّك، بالنسبة للمديرين التنفيذيين الذين يندبون للفروع المختلفة، على أساس أن يتولوا تطبيق السياسات، التي تم وضعها لهم . و يظهر الفساد السياسي، عندما يضع هؤلاء الوكلاء المنفذون (موظفو الحكومة ) مصالحهم المالية الخاصة قبل مصالح أصحاب الحق الأصليين ( الشعب ) . و إلى الحلقة القادمة ، لنستكمل هذه النقطة، التي ستكون سهلة الفهم علينا، فنماذجها حولنا في كل مكان، و على مختلف المستويات .
نشأت المشكلة من التباين بين مصالح صاحب الحق و من أنابه للإدارة و التصريف، سواء في القطاع الخاص، أم في القطاع العام و الحكومة . و فوكوياما يعطي هذه المشكلة اهتماما خاصا، في عملية بناء الدول .. في جميع مجتمعات العالم، يوجد هذا التناقض بين مصالح صاحب الحق أو المال، و بين من يوكله لإدارته أو تصريف أموره ..
يقول فوكوياما أن الفساد السياسي ينشأ عندما يعمد النائب أو المخوّل الفرد، الذي هو هنا موظّف الحكومة، إلى تغليب مصالحه المالية الشخصية، على مصالح أصحاب الحق الذين أنابوه أو فوّضوه .
و يستدرك قائلا " لكن الوكيل (الموظّف )، يمكن أن يمضي عكس رغبات أصحاب الحق ( الشعب )، لأسباب أخرى أيضا، مثل رغبته في الإبقاء على وكالته أو إدارته، و يؤمّن وظيفته، أو لدوافع أيديولوجية تختلف عن دوافع أصحاب الحق الذين فوّضوه .." .

المصلحة الشخصية ليست بدعة !

و يشير فوكوياما إلى فرع أساسي في الاقتصاديات المعاصرة .. نظرية " الاختيار العام "، و هو يبـدأ بافتراض أن الوكيل أو المفوّض في مؤسسات القطاع العام، ستكون له أجندة مختلفة جدا عن أجندة أصحاب الحق الذين فوّضوه . و يقول المنظرون في هذا المجال أن الموظفين العموميين لا يختلفون عن أي وكيل اقتصادي آخر، في السعي إلى تعظيم مصالحهم الشخصية .
يضيف فوكوياما أن الحديث الشائع حول " الموظف العمومي "، يفترض أن موظف الحكومة سيكون توجّهه ـ بشكل ما ـ نحو التصرّف وفق المصلحة العريضة للجمهور، في الوقت الذي يكون فيه شرح سلوكه أفضل، وفق التجربة العملية، في إطار المصلحة الشخصية الضيّقة .
سلوك الموظّف الرسمي يمكن أن بتأثّر بالرشوة، أو بنشاط خارجي مدفوع، أو بخدمات لأفراد أسرته، أو بوعود الالتحاق بوظيفة أفضل . و يضيف فوكوياما أن هناك قدرا كبيرا من الجهد، يبذل حاليا، من أجل تطوير الحكم، بمحاولة تحقيق توافق أكبر بين دوافع النائب أو المفوّض، و بين المصلحة العامة .
الاتجاه العام للتوفيق بين مصالح الوكيل و مصالح صاحب الحق ( أي بين الموظف و الحكومة )، هو في السعي إلى المزيد من الشفافية، بالنسبة لنشاط الوكلاء أو الموظفين . و يعلّق فوكوياما على هذا ساخرا بقوله " و هي طريقة لطيفة للحديث عن مراقبة الموظفين الحكوميين ! " .
و هناك مقاربة أخرى، تصلح أكثر للتطبيق في مجال القطاع الخاص، منها في الحكومة أو إداراتها، تقول بتوحيد الملاّك و المديرون، بإعطاء الوكلاء أو المديرون فرص تملك الأسهم، أو أي شكل آخر من أشكال الملكية المشتركة .
و يقول فوكوياما أن النظريات الاقتصادية المؤسسات، شأنها شأن النظريات الاقتصادية بشكل عام، تنطلق من افتراض المنهجية الفردية .. ممّا يعني أن التنظيمات أو المؤسسات يمكن أن نفهما أساسا كتجمّعات لأفراد، تعلّموا أن يتعاونوا اجتماعيا، بدوافع المصلحة الذاتية الفردية .
و هذه الرؤية تميل إلى التأكيد على التناقضات في المصالح بين أفراد مجموعة العمل ( أي بين صاحب الحق و النائب أو المدير )، و هي من ثمّ تقلل من شأن عدد من المضامين مثل هويّة المجموعة، و الجهد الاجتماعي، و القيادة، إلى آخر ذلك .
و يعلّق فوكوياما قائلا " من المفيد ـ بالتأكيد ـ أن نحاول فهم مشكلات إدارة المؤسسة، أو الفساد في القطاع العام أو الحكومي، من خلال مصطلحات ( صاحب الحق ـ الوكيل )، لاستغلال ذلك الإطار في رسم مؤسسات تسعى إلى التوفيق ثانية بين المصالح المتنافرة .. " .

و إلى الرسالة التالية، لنتابع محاولة فوكوياما فهم مشكلات إدارة المؤسسة، و الفساد في القطاع العام، أو الحكومي .

السبت، مارس ٢٨، ٢٠٠٩

الدولار .. و الفرار الجماعي الكبير

الدولار يقترب من مركز الإعصار

ما يتجاوز قدرة القادة و الخبراء


" السحب الملبدّة يتزايد تراكمها، لتشكّل قريبا عاصفة عاتية في وجه الدولار الأمريكي، و في وجه الوضع المركزي الحالي للدولار في النظام المالي العالمي " . هذه العاصفة تحمل معها احتمال انقلاب على نطاق واسع، فاتحا الباب لتحوّلات أساسية، سريعة، و خارجة عن التحكّم إلى حدّ بعيد .

جوزيف ستروب ـ خبير الاستشراف الاستراتيجي


أصبح معروفا على أوسع نطاق، أن النظام المالي الحالي الذي يعتمد على الدولار الأمريكي بدون ضوابط معروفة، يجب أن يفسح المجال لنظام جديد يكون أكثر توازنا، و استقرارا، نظام مرن يمكن الاعتماد عليه .. يقوم على تعدد العملات، و من ثمّ لا يتعرّض للمساوئ بالغة الخطورة، بالاعتماد على نقطة فشل وحيدة : هي الدولار .
و للعلم .. إذا ما أصبح النظام المالي الحالي المتمركز حول الدولار أشد اهتزازا، بأكثر ممّا هو حادث، يصبح الانتقال إلى أي نظام مالي عالمي جديد ـ في أغلب الأحوال ـ عملية غير نظامية، فوضوية، خارجة عن التحكّم، و ليس ـ كما نتمنّى ـ تدريجية و منظّمة .
و للأسف، لا يمكننا التأكّد من أن قادة العالم يعرفون ما الذي يقومون به، في بحثهم عن مخرج لحلّ الأزمة الحالية . هل يهاجمون قلب المشكلة، أم يناوشون أطرافها ؟.

أزمة تجمع السيكلوجية البشرية، و الرياضيات

الاستثمار، و شئون المال، و الاقتصاديات، هو خليط مركّب .. يكون في بعض الأحيان ـ بكل ما في الكلمة من معنى ـ جامعا بين لامنطقية السيكلوجية البشرية، و المنطق الخالص للعلوم الرياضية، متضمنا احتمالات عوامل فعالة للصدفة و المخاطرة التي يجب أن ندخلها في الحسبان في أي حسابات نقوم بها .
التاريخ يمدّنا بالعديد من الأمثلة غير السعيدة، التي توضّح كيف أن المكونات السيكلوجية لحالات عدم اليقين، و الخوف و الحيرة، في بعض الأوقات الحرجة، تتفوّق على مكونات المنطق و العقل و النظم، صانعة دافعا قويا للسياسات قصيرة النظر، و المخاطرة، التي تفجّر المشاكل بأكملها .
البشر ـ ببساطة ـ لا يتصرّفون دائما بطريقة عقلانية و منطقية، ممّا هو في مصلحتهم الاستراتيجية الخالصة .. و المؤسسات، و الوكالات النظامية، و الحكومات، تتكون جميعا من بشر لا يتصرفون دائما بمنطق و عقلانية . و في أوقات الأزمات ـ كالتي نحن فيها حاليا ـ يتضخّم، لسوء الحظ، الجانب الأكثر إظلاما من التأثيرات السيكلوجية .

ما يتجاوز قدرة القادة و الخبراء

أضف إلى ذلك، حقيقة أن الاستثمار العالمي، و النظم المالية و الاقتصادية قد أصبحت بشكل متزايد مركّبة و متشابكة، و بطريقة أسرع بكثير من قدرة الخبراء و القادة على استيعابها . هذا التركيب يمنع أحيانا الحكومات، و غيرها من المؤسسات، من اتخاذ إجراءات شجاعة و عاقلة وسط الأزمات، خوفا من أن يرتد هذا إلى صدورهم، على صورة عواقب غير منظورة، و اضطرابات غير متوقعة .
و ممّا يزيد الأمور تعقيدا، أن الاستثمارات، و الشئون المالية و الاقتصادية، تكون كلّها تقريبا متشابكة بعمق مع الشئون السياسية، ممّا يضيف إلى احتمالات عدم اليقين، خاصّة في زمن الأزمات العالمية العميقة، عندما تميل الحكومات إلى البحث عن مصلحتها الخاصّة أساسا، بحيث تجرى تعلية الحس القومي و إجراءات الحماية .


إشاعة طمأنينة فارغة !

هل تذكرون ما سمعناه عندما انفجرت الأزمة الحالية عام 2007 .. من محاولات إشاعة الطمأنينة، و بأن الأمر لا يتجاوز أزمة رهن عقاري، ل تنتشر بأبعد من ذلك .. و عندما انتشرت، قالوا بأن خسائر بنوك وول ستريت لن ترتفع إلى ما هو أكثر من حوالي 200 بليون دولار؟ .. و هل تذكرون عندما أصرّ " الخبراء " على أن هذا لن يقود إلى انهيار الائتمان .. و هل تذكرون عندما أصرّوا على أن الأزمة لا يحتمل أن تنتشر من وول ستريت إلى الاقتصاد الحقيقي ؟ .. ثم، هل تذكرون قولهم أن مئات البلايين من الدولارات السائلة التي ألقيت إلى جوف النظام المالي في محاولة لإنقاذه، ستخرج النظام المالي من أزمته ؟ .. أين ذهبت كل تلك الأفكار، و الآراء، و الأيديولوجيات، و التقديرات، و التأكيدات، ذكيّة المظهر؟ .. أين هي الآن ؟! .
و نفس القول ينسحب على الجهود المتفككة، و فاقدة الحماس، لمجموعة الدول الصناعية القائدة السبع ( G -7 )، و التي بالإضافة إلى كونها شبه عقيمة ، استكملت عقمها بظهور المجموعة الأوسع التي تضم 20 دولة (G -20)، و التي وقع على عاتقها واجب تصميم و بناء نظام عالمي جديد، يحل محل النظام الخرب الحالي .

التمسّك بالدولار الجريح

المستثمرون، قطاع خاص و رسميون، في أنحاء العالم، استسلموا ـ كرد فعل للأزمةـ لسيكلوجية تفادي المخاطر الكبرى، و تمسّكوا بالدولار الأمريكي بشكل أشد، فاندفعت جموعهم إلى سندات الخزانة الحكومية، كملاذ من العاصفة المتصاعدة . هذه الحقيقة يمكن أن توحي بأن الثقة العالمية بالدولار ما زالت قوية أساسا، رغم ما أصابه من جروح على مدى السنوات الماضية، جرى توثيقها جيدا .
و الحقيقة هي أن احتمالات تأزّم الدولار عالميا قد ارتفعت بشدّة، بالرغم من ( و جزئيا بسبب) المكاسب ذات الدلالة التي حققها الدولار أخيرا، باعتباره ملاذ المستثمرين . و من سخرية القدر، أن هذا الاندفاع الجماهيري نحو الدولار، يفتح أوجه قصور و مخاطر جديدة، إمّا أنها لم تكن موجودة من قبل، أو أنها كانت هامشية جدا .
مثال ذلك، أطلق عدد من الخبراء تحذيرات مفادها أن سندات الخزانة الأمريكية تأخذ بشكل متزايد شكل الفقّاعة .. و هم ينبهوننا بأن الفقاقيع مآلها أن تنفجر، و أنها نادرا ما تفعل ذلك بطريقة منظّمة . عندما يحدث لهذه الفقاعة أن تنفجر مثل باقيها، ستحدث للدولار تأثيرات لا يمكن التحكّم فيها، بل ربما تكون عشوائية .
و اليوم تجرى الكثير من ضروب النقاش و الحوار، تدور كلّها حول سؤال وحيد :
هل سيجد الدولار الأمريكي طلبا عالميا كافيا، لتغطية ما يزيد عن 2 تريليون دولار، لسندات الخزانة التي ستصدر هذه السنة فقط ؟ .

فقّاعة سندات الخزانة الأمريكية

من بين المخاطر الجادّة التي يواجهها الدولار الأمريكي أيضا، بقاء الطلب العالمي على سندات الخزانة !! . لماذا ؟ .. لأن ذلك سيجعل فقاعة سندات الخزانة تتضخّم بشكل عملاق، مع مزيد من الالتفاف حول بنية النظام المالي العالمي، الذي هو مشوّه بالفعل حاليا، ممّا يضخّم التشوهات الخطيرة القائمة، فيما يشبه موجة تخريب و هدم ثانية في الأزمة الحالية، ثم الانفجار الهائل لفقاعة سندات الخزانة .
الأسواق البازغة، و بنوكها و حكوماتها، تعاني من تأثير الاختناق المتزايد لأزمة الائتمان، و مع الخسائر المتصاعدة المالية و الاقتصادية، تبلغ مخاطر التخلّف عن أداء الاستحقاقات أوجها، نتيجة التضييق الزائد لأزمة الائتمان العالمية .. و كما لو لم يكن هذا الوضع الخطير سيئا بما فيه الكفاية، فسياسات الإنفاق الهائل، و القروض الحرجة، التي بادرت بها الحكومة الأمريكية، لم تفعل سوى أنها فاقمت من حالة عدم الاستقرار المتزايدة، في هذه الجهات جميعا .
و نتيجة لتسهيل و تشجيع الهروب الجماهيري العالمي إلى سندات الخزانة، و إصدار مدد كبير للغاية من الديون السيادية الأمريكية، يعاني الجميع بشدة : الأسواق البازغة، و حكوماتها و بنوكها، و النشاط الاقتصادي الأمريكي . و بينما تعمد حكومة الولايات المتحدة إلى شفط جميع الهواء من أسواق الائتمان العالمية، عن طريق فقاعة سندات الخزانة، تجد هذه الكيانات الأخرى صعوبة لانهائية في الحصول على ائتمان بتكلفة معقولة، هذا إذا أتيح لها الحصول على شيء أصلا . كما يطالب المستثمرون بأرباح مرتفعة للغاية، للخروج من " الأمان " النسبي لسندات الخزانة، عند الاستثمار في سندات المؤسسات و الحكومات، في الأسواق الجديدة .

من أوروبا الشرقية إلى العالم

هذه المطالبة بالمزيد من المكاسب، التي يبديها المستثمرون، تجري ترجمتها على صورة تكلفة أعلى و خسائر متنامية، بالنسبة للبنوك عبر النظام المالي .. الوضع يتحرّك بسرعة نحو موجة هائلة محتملة، من عجز البنوك و المؤسسات و الحكومات عن الوفاء . و نتيجة لذلك تصبح أوروبا الشرقية ـ بالتحديد ـ على حافّة الهاوية .
أسواق الائتمان العالمية، و النظم المالية، يرتبطان بشكل عميق ببعضهما البعض، و هذا يعني بالتأكيد انتشار العدوى الزاحفة من أوروبا الشرقية، إلى باقي أوروبا، و من ثم إلى الولايات المتحدة .
و هذا يعني أن هذه الضغوط سيشعر بها النظام المالي العالمي بأكمله .. و أن مثل هذه الضغوط الجديدة القوية، على نظام أصبح بالفعل مهتزا للغاية، لا يحتمل أن تمضي، دون انصهار حقيقي للنظام بأكمله .

الفرار الجماعي ..

إذا ما اندفعت هذه الموجة الثانية، ستحمل معها أيضا اهتزازات سلبية عميقة لفقاعة سندات الخزانة ذاتها، لأن الولايات المتحدة و أوروبا ستغرق في حالة من الكساد الشامل، و الانهيار المالي، نتيجة لما يحدث في أوروبا الشرقية .
و هذا ـ بالضرورة ـ سيرغم المستثمرين العالميين أن يشرعوا أخيرا في تقييم أمان و إغراءات سندات الخزانة الأمريكية، و الدولار الذي يستند إلى الأساسيات سريعة الانهيار لاقتصاد الولايات المتحدة .
في التحضير لعملية الفرار الجماعي، سيبدأ المستثمرون في الفرار خارج الأصول المالية، مثل سندات الخزانة، إلى الأصول الصلبة الملموسة، مثل المعادن الثمينة، و بعض السلع الخاصّة التي انخفض سعرها انخفاضا كبيرا . و هذه الإجراءات ستوفّر مخازن للثروة، أكثر أمنا نسبيا، بل و تحتمل أرباحا حقيقية .
و الصين، اعتمادا على مواردها، تمضي بنشاط في اتجاه الأصول الصلبة، عوضا عن البقاء عند السعر، الذي تعاملت به عام 2008، لشراء سندات الخزانة الأمريكية، و غيرها من الأصول المالية .
لو استعرضنا التاريخ القريب لانفجارات فقاقيع الإسكان و السلع، لرأينا المستثمرين العالميين، بوصاية الحكومات المتحمّسة، قد تجاهلوا إلى أبعد حد المخاطر التي لا فرار منها، و تدافعوا نحو هذه الأصول على أوسع نطاق، مع الأرباح الساخنة المتدفقة قبل حدوث الانفجار . بيئة أسعار الفائدة العالمية المنخفضة للغاية، مع توفّر الائتمان العالمي بشكل ضخم، أعد المسرح لأرباح هائلة يجنيها المستثمرون، من الفقاعات العملاقة لتلك الأصول .
و لكن، عندما أرغم التضخم المتنامي السلطات الفدرالية على البدء برفع سعر الفائدة تدريجيا، بدأت فقاعة الإسكان في الانفجار، في أواخر عام 2006 . و مع ضعف الدولار، تحت ضغط التضخّم المتصاعد، و فقدانه لجاذبيته كملاذ آمن للثروة، تدافع المستثمرون بسرعة في اتجاه السلع، طلبا للسلامة و الربح، ممّا قاد إلى انتفاخ هذه الفقاعة إلى أبعاد عملاقة في صيف 2008، عندما بلغ برميل زيت البترول ما يقرب من 150 دولارا .
ثم، عندما ظهرت بعد ذلك معالم الركود صيفا، أدرك المستثمرون أن الطلب على السلع و أسعارها يهبطان بشدة، فاندفعوا منطلقين من السلع إلى سندات الخزانة، و هكذا انفجرت فقاعة السلع . لقد خلف انفجار الفقاعتين قدرا هائلا من الحطام، مع انهيار في قيمة الأصول، جاذبا مجال الأعمال، و البنوك، و حتّى الحكومات إلى الحضيض .

العاصفة على الدولار و النظام المالي العالمي

على الرغم من أن فقاعة سندات الخزانة الحالية يدور الحوار حول سلامتها، أكثر مما يدور حول أرباحها، إلاّ أن المخاطر الأساسية المرتبطة بالفقاعات تنسحب عليها .
كلّما تضخمت، و كلما زاد اعتماد المستثمرين العالميين عليها كملاذ آمن، كلما أصبحت أقل استقرارا، بسبب أنها تصبح أكثر حساسية بالنسبة للعديد من العوامل .. الداخلية و الخارجية معا .. الحقيقية و السيكلوجية معا .
و من المعروف أنه كلّما أصبحت الفقاعة أكبر و أكثر سخونة، كلما أصبح أنصارها أكثر استعدادا و سرعة في هجرها، و البحث عن الفقاعة التالية . و هذا هو السرّ في أن المستثمرين غالبا ما يميلون إلى التزاحم على سندات الخزانة ذات المدى الزمني شديد القصر .. فهم يعرفون أنهم سيضطرون إلى البيع، بأسرع ممّا اشتروها .
لهذا، لا يجب أن يفترض أحد أن الأزمة الحالية، ستتوازن أو تقترب من حلّ لها، لمجرّد أن الطلب العالمي على سندات الخزانة قد يظلّ عاليا في الشهور القادمة . فذلك ليس أكثر من إشارة إلى أن فقاعة سندات الخزانة أصبحت أكثر ضخامة، و أن تشوهات النظام المالي العالمي قد أصبحت أكثر عمقا و خطورة ، و أن الفقاعة قد أصبحت أقرب إلى الانفجار .. و هذا يتضمّن : احتمال عاصفة متكاملة في وجه الدولار، و أيضا في وجه النظام المالي العالمي .. الأمر الذي لا يتمناه أحد ..
و لكن هل يوجد من يبحث عمّا يمنع حدوث هذا أو ذاك ؟! .

راجي عنايت
بتصرّف عن
جوزيف ستروب ـ خبير الاستشراف الاستراتيجي
جلوبال ريسيرش ـ 16/3/2009


الاثنين، فبراير ٢٣، ٢٠٠٩

أسرارالأزمة الاقتصادية العالمية

كلام حقيقي حول :

أسرار الانهيار الاقتصادي الحالي


الانهيار الاقتصادي الذي رأيناه في أكتوبر 2008 ليس نتيجة ظاهرة دورة اقتصادية . إنه النتيجة الحتمية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترسمها الخزانة الأمريكية، و هيئة الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة .

إنها أكثر الأزمات الاقتصادية جدية في تاريخ العالم .

" الإنقاذ "، أو" العون المالي " الذي تقترحه الخزانة الأمريكية، لا يشكّل " حلاّ " للأزمة . بل على العكس من ذلك تماما : سيكون سبب الانهيارات القادمة . هذا الإجراء يطلق العنان لعمليات تركيز في الثروة، لا يمكن توقّعها، و التي تساهم بدورها في توسيع فجوة عدم المساواة الاقتصادية و الاجتماعية داخل الدول و بينها في نفس الوقت .
مستويات المديونية قد بلغت عنان السماء .. و المؤسسات الصناعية تساق إلى الإفلاس، لكي تستولي عليها المؤسسات المالية العالمية . الائتمان ( الذي يعني امدادات الأموال المتاحة للإقراض، و التي تشكّل حبل الإنقاذ للإنتاج و الاستثمار)، تتحكّم فها مجموعة صغيرة جدا من التكتلات المالية .
مع عمليات الإنقاذ أو العون المالي هذه، أصبح الدين العام أكثر وضوحا . لقد أصبحت أمريكا أكثر الدول مديونية في العالم . و فيما قبل أموال "الإنقاذ"، بلغ حجم الدين العام في الولايات المتحدة 10 تريليون دولارا .
ذلك الدين المحدد بالدولارات الأمريكية، يتكوّن من أذون خزانة معلّقة، و سندات حكومية يمتلكها الأفراد، و الحكومات الأجنبية، و الشركات، و المؤسسات المالية .

" الإنقاذ " : أو العون المالي الذي تقدمه الإدارة الأمريكية، يعني انها تموّل مديونيتها الخاصّة ! .
مما يثير السخرية، أن بنوك وول ستريت التي تتلقّى أموال الإنقاذ هذه، هي تعمل أيضا كسمسارة و ضامنة للدين العام الأمريكي . و رغم أن البنوك لا تتحكّم إلاّ في جانب من الدين العام، فهي تقايض و تتاجر في أدوات دين الدولارات الأمريكي العام، على اتساع العالم .
و هذا يعني بشكل أكثر سخرية، أن البنوك التي تتسلّم ما يزيد عن 700 بليون دولار كمعونات، تعمل في نفس الوقت كدائنة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية .
نحن هنا نتعامل مع دائرة علاقات منافية للعقل : البنوك التي تتسلّم ما يزيد عن 700 بليون دولار كمعونات، تعمل في نفس الوقت كدائنة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية .
و هذا يعني أن الإدارة الأمريكية تموّل مديونيتها الذاتية ! .

عملية " الإنقاذ " هذه تفضي إلى المزيد من الاندماج و المركزية للنفوذ المصرفي، ممّا يرتد أثره على النشاط الاقتصادي الحقيقي، مؤديا إلى سلسلة من عمليات الإفلاس، و البطالة الهائلة

هل يمكن لإدارة أوباما أن تعكس تيار الانهيار الاقتصادي ؟

وعد أوباما بأنّه سيعكس مسار اتّجاه المد الحالي قائلا في 4 نوفمبر 2008 :

" دعونا نتذكّر أنه إذا كانت هذه الأزمة المالية تعلّمنا أيّ شيء، فهو أنّه لا يمكن أن يظل وول ستريت ( شارع المال ) مزدهرا، بينما يعاني الشارع العام .. في هذه الدولة، نحن ننهض أم نسقط معا، كأمة واحدة و كشعب واحد ..".

كما كان أوباما قد قال في 3 نوفمبر 2008 :
" غدا .. يمكنكم أن تقلبوا صفحة السياسات التي تضع جشع و عدم مسئولية وول ستريت فوق العمل الشاق، من جانب الرجال و النساء في الشوارع العامة .. " .

المثير للسخرية أن سياسات الجشع و عدم المسئولية هذه، جرى تبنّيها في عهد إدارة كلينتون .

ففي عام 1999، قاد " قانون تحديث الخدمات المالية " إلى إبطال " قانون جلاس – ستيجول "، الذي صدر عام 1933، و الذي كان أحد أعمدة برنامج (النيو ديل) الخاص بالرئيس روزفلت، و الذي حاول به محاربة الفساد، و التلاعب المالي، و الصفقات التي تجري تحت المائدة، التي نتج عنها خسارة أكثر من 5000 بنك، في السنوات التالية لانهيار وول ستريت عام 1929 .
و تحت " قانون تحديث الخدمات المالية "، الذي صدر عام 1999، تم وضع التحكّم الفعّال في صناعة الخدمات المالية الأمريكية بأكملها (بما في ذلك شركات التأمين، و صناديق المعاشات، و شركات الأمن، إلى آخر ذلك) في يد قلة من التكتلات المالية، و شركائهم من أصحاب صناديق التحوّط (Hedge Funds) .

الانهيار الاقتصادي .. من هم المهندسون ؟

ممّا يثير السخرية أن فريق إجراء التحوّل في السياسة الاقتصادية و المالية، الذي يختار منه أوباما رجال خزانته، هم مهندسي الكارثة الحالية، و على رأسهم :
لورانس سومرز (Lawrence Summers) و هو الذي لعب دورا رئيسيا في تجميع الأنصار داخل الكونجرس لإبطال قانون جلاس – ستيجول . و قد استغلّ تعيينه المؤقّت كوزير للخزانة في فرض تبنّي قانون تحديث الخدمات المالية .. و ما أن انتهى من مهمته هذه حتّى جرى تعيينه رئيسا لجامعة هارفارد ( 2001 ـ 2008 ) .

بول فولكر (Paul Volker) و كان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الثمانينيات في عهد ريجان . و قد لعب دورا محوريا في تطبيق المرحلة الأولى لإبطال القواعد المالية، ممّا قاد إلى عمليات إفلاس و اندماج و استيلاء ضخمة، قادت إلى الأزمة المالية عام 1987 .

تيموثي جايثنر (Timothy Geithner) الرئيس التنفيذي لبنك نيويورك للاحتياط الفدرالي ، أقوى مؤسسة مالية خاصّة في أمريكا . و قد عمل من قبل لكلينتون و كيسينجر ، و احتل مركزا هاما في صندوق النقد الدولي . و هو يعمل لحساب مجموعة قوية من الممولين .

رغم أن لاري سومرز كان هو المرشّح الأقوى لوزارة الخزانة، إلا أن أوباما قد اختار تيموثي جايثنر . و ترك لسومرز وظيفة اقتصادية هامة أخرى هي رئيس مجلس الاقتصاد القومي .. و البقية تأتي .
من هو لورانس سومرز ؟
أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، عمل ككبير اقتصاديي البنك الدولي ( 1991 ـ 1993 ) . و قد ساهم في تشكيل الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي فرضت على العديد من الدول النامية المدينة . هذه الإصلاحات التي جرت تحت بند " برنامج التوفيق الاجتماعي البنيوي "، كانت نتائجها كارثية، مؤدية إلى فقر جماهيري .
و قد عاصرت جهود لاري سوميرز في البنك الدولي انهيار الاتحاد السوفييتي، و فرض صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ( علاجهما الاقتصادي المميت) على أوروبا الشرقية، و الجمهوريات السوفييتية السابقة، و دول البلقان .
في عام 1993، انتقل سومرز إلى وزارة الخزانة الأمريكية، فلعب دورا كبيرا في صياغة الإصلاح الاقتصادي عن طريق ( العلاج بالصدمة )، و التي فرضت على ذروة الأزمة الاقتصادية الآسيوية في كوريا الجنوبية، و تايلاند، و أندونيسيا .

و قد عمل سومرز بشكل لصيق مع وكيل المدير التنفيذي ، ستانلي فيشر، الذي جرى تعيينه بعد ذلك حاكما للبنك المركزي الإسرائيلي !!.


من وضع الثعلب في عشّة الدجاج ؟

يعمل سومرز الآن كمستشار لمؤسسة جولدمان ساتشز، و مديرا مسئولا لصندوق تحوّط ( مجموعة د. إ. شو) . و باعتباره مديرا لصندوق التحوّط، تمدّه علاقاته بالخزانة و وول ستريت بمعلومات داخلية ثمينة حول تحركات الأسواق المالية . وضع مدير صندوق تحوّط ( مع علاقاته بالمؤسسات المالية في وول ستريت ) في موقع المسئولية بوزارة الخزانة الأمريكية، يكون أقرب ما يكون بوضع الذئب في عشّة الدجاج .

اتفاق واشنطن
سومرز، جيثنر، كورزاين، فولكر، فيشر، فيل جرام، برنانك، هانك، بولسون، روبن، كذلك آلان جرينسبان .. إلى آخر القائمة، هم أصدقاء و زملاء، يلعبون الجولف معا، كما أن لهم صلات بمجلس العلاقات الخارجية و بيلدربيرج ( و هي مجموعة من ذوي التأثير السياسي و الاقتصادي و المصرفي .. يعملون معا بشكل متزامن وفقا لمصالح شارع المال (وول ستريت) .. انهم يلتقون خلف أبواب مغلقة، و هم جميعا على نفس الموجة، و هم ديموقراطيون و جمهوريون .
بينما قد يختلفون حول بعض الموضوعات، إلاّ أنهم يلتزمون جميعا و بحزم باتفاق ( واشنطن ـ وول ستريت ) . إنهم قساة إلى أبعد حد في إدارتهم للعمليات الاقتصادية و المالية . تحركاتهم لا تستهدف سوي الربح . و خارج اهتمامهم الضيّق بموضوعي " الكفاءة "، و " الأسواق "، تكون اهتماماتهم ضعيفة بالنسبة " للكائنات الحيّة " . لا يهمهم إلى أي مدى تتأثر حياة الناس بسلسلة إصلاحاتهم المميتة، في الاقتصاديات الكبيرة (ماكرو) و في الشئون المالية، التي تغطي قطاعا كاملا من النشاط الاقتصادي، و الإفلاس .
فالمنطق الاقتصادي الذي يقوم عليه خطاب الليبرالية الجديدة الاقتصادي، يكون غالبا شريرا و مثيرا للازدراء . و في هذا الشأن، تبرز مواقف لورانس سومرز . فهو معروف في أوساط المهتمين بالبيئة، باقتراحه دفن النفايات السامة في بلاد العالم الثالث .. باعتبار أن البشر في البلاد الفقيرة تكون أعمارهم قصيرة، كما أن تكلفة العمالة قليلة بشكل مطبق، ممّا يعني أساسا أن القيمة السوقية للبشر في العالم الثالث تكون أكثر انخفاضا . و وفقا لرأي سوميرز، فإن هذا يجعل تصدير المواد السامة للدول الفقيرة " أقل تكلفة " بكثير .
الأزمة الآسيوية عام 1997 : بروفة لما سيحدث
خلال عام 1997، التصورات بالنسبة للعملة، التي قامت بها كبريات المؤسسات المالية، و التي كانت تستهدف تايلاند، و أندونيسيا، و كوريا الجنوبية، أفضت إلى انهيار عملاتها القومية، و تحويل بلايين الدولارات من احتياطيات البنوك المركزية، إلى أيدي أصحاب النشاطات الخاصّة . و قد أشار العديد من المراقبين إلى التلاعب المتعمّد في النظم و أسواق العملة، على يد البنوك الاستثمارية، و شركات السمسرة .
و بينما كان التفاوض يجري رسميا مع صندوق النقد الدولي حول اتفاقية الإنقاذ و الدعم الآسيوية، كانت تتم في نفس الوقت " إستشارة " أكبر بنوك وول ستريت ( تشيس، البنك الأمريكي، سيتي جروب، و ب. مورجان)، بالإضافة إلى البنوك الخمسة التجارية الكبرى ( جولدمان ساتشيز، الأخوة ليمان، مورجان ستانلي، و سلمون سميث بارني)، حول مواد القوانين التي يجب أن تتضمنها اتفاقية الإنقاذ هذه .
و قد لعبت الخزانة الأمريكية، بالاشتراك مع وول ستريت و مؤسسات برتون وودز، دورا مركزيا في التفاوض حول اتفاقية الإنقاذ هذه .. و كان كلّ من لاري سوميرز و تيموثي جيثنر متورطان بشكل نشط نيابة عن الخزانة الأمريكية، في عملية الإنقاذ أو العون التي قدّمت عام 1997 لكوريا الجنوبية .
الذي نحن بصدده هنا، هو ( شبكة من رفاق الصبا ) تتشكّل من المسئولين الرسميين و المستشارين بالخزانة الأمريكية، و الاحتياطي الفدرالي، و صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي، و جماعات التفكير في واشنطن، الذين يرتبطون دائما بعمليات دائمة مع الممولين الرئيسيين في سوق المال ( وول ستريت) .
كل من سيقع عليه الاختيار في فريق أوباما الانتقالي سيكون منتميا لمجموعة اتفاق واشنطن .
لقد تم ابتداع ما يمكن أن يطلق عليه " السوبر ماركت المالي العالمي "، ممهدا المسرح العالمي لتركيز ضخم للغاية من القوّة المالية . و من بين الشخصيات الرئيسية التي تقف خلف ذلك المشروع، كان وزير الخزانة لاري سومرز، بالاشتراك مع دافيد روكفلر . سومرز يصف هذا السوبر ماركت المالي العالمي باعتباره " المؤسسة التشريعية للنظام المالي للقرن الحادي و العشرين "
و هذه المؤسسة التشريعية تعتبر من بين الأسباب الرئيسية للإنهيار المالي الذي حدث عام 2008 .

نزع سلاح الأسواق المالية

لا يمكن أن يوجد هناك حلا معقولا لهذه الأزمة، ما لم يتم إصلاح رئيسي في المعمار المالي . متضمنا من بين أشياء أخرى، تجميد تجارة المضاربة، و السعي إلى " نزع سلاح الأسواق المالية" . و مشروع نزع سلاح الأسواق المالية ليس جديدا، فقد اقترحه جون كينز في أربعينيات القرن الماضي، كوسيلة لتأسيس نظام نقدي عالمي متعدد الأقطاب .
و بالعودة إلى تصريح أوباما، أين نجد مؤشرات الشارع العام ( في مقابل شارع المال ـ وول ستريت ) الذي تحدّث عنه أوباما ؟ .. بما يعني أين نجد الأفراد الذين يستجيبون إلى مصالح البشر عبر الدولة الأمريكية . . علما بأن قائمة أوباما للمراكز الرئيسية لا تتضمّن قيادات عمالية أو مجتمعية .
الرئيس المنتخب يقوم بتعيين المهندسين الذين صمموا عملية التحلل من القواعد المالية ..
و الإصلاح المالي المعقول، لا يمكن أن يتبنّاه مسؤلون يتم تعيينهم عن طريق سوق المال، و يعملون لحساب سوق المال ..
أولئك الذين أشعلوا النار في النظام المالي عام 1999، جرى استدعاؤهم ثانية لكي يطفئوا النيران ! .
و المشروع المقترح للأزمة عن طريق " الإنقاذ "، هو السبيل إلى الانهيار الاقتصادي .

لا تظهر حلول للسياسة الحالية في الأفق
مخططات مشروع سوق المال جرت مناقشتها خلف الأبواب المغلقة .. و الأجندة الخفيّة تتضمن إنشاء نظام عالمي نقدي أحادي القطبية، تتحكّم فيه القوّة المالية للولايات المتحدة المريكية، و التي ستكون محمية و مؤمّنة ـ بدورها ـ بالتفوّق العسكري الأمريكي .

من الذين موّلوا حملة أوباما ؟


لا توجد مؤشرات تفيد أن أوباما سيتحلل من رعاته في وول ستريت، الذين موّلوا حملته الانتخابية بسخاء .
و من بين كبار المساهمين في الحملة : جولدمان ساتشيس، ج. ب. مورجان تشيس، سيتي جروب، بيل جيتس و ميكروسوفت .
وارين بوفيت، الذي يعتبر من من بين أغني الأفراد في العالم، لم يقف عند حد دعم حملة باراك أوباما الانتخابية، بل
تجاوز ذلك إلى كونه واحدا من فريق التحوّل، الذي يلعب دورا رئيسيا في إقرار تشكيلات وزارة أوباما .

مالم يحدث انقلاب رئيسي في نظام التعيينات السياسية في المناصب الرئيسية، فسيصبح من غير المحتمل ـ إلي حد بعيد ـ أن نرى أجندة اقتصادية بديلة لأوباما، تسعى إلى محاربة الفقر و البطالة .

إن ما نشهده هو استمرار لما كان ..

ليبرالية جديدة ذات " وجه إنساني "

ما يفعله أوباما هو أن يقدّم " وجها إنسانيا " للأمر الواقع . هذا الوجه الإنساني سيخدمه في خداع الأمريكيين، بالنسبة لطبيعة العملية الاقتصادية و السياسية .

ستظل الإصلاحات التي يتبنّاها الليبراليون الجدد قائمة .
جوهر و خامة هذه الإصلاحات، بما في ذلك عملية " إنقاذ " أكبر المؤسسات المالية الأمريكية، ستهدم تماما الاقتصاد الحقيقي، بينما تقود مجالات اقتصاديات التصنيع و الخدمات بأكملها إلى إلافلاس .

تنصيب أوباما .. و تدهور في سوق المال

بينما كانت عيون الشعب الأمريكي تتابع الحفل المبهر لتنصيب الرئيس أوباما، كان سوق المال ينزلق متدهورا ... لقد حدثت عملية " تصحيح في السوق " . بعيدا عن أعين الجمهور، و دون أن ينتبه أحد إلى ذلك، بدأ الكشف عن مرحلة جديدة لتدهور سوق المال .

كانت المشاكل، و خسائر القيمة الدفترية لأكبر البنوك، معروفة جيدا فيما قبل حفل تنصيب الرئيس أوباما .
لماذا إذا الآن ؟ .

لم يكن هناك ما هو عرضي أو مفاجئ في انهيار قيمة أسهم البنوك .
و قد أشار أوباما ـ بوضوح ـ للكوارث الاقتصادية في العالم، و هو يؤكّد قائلا : " بدون العين الساهرة، يمكن للسوق أن تنزلق خارجة عن التحكّم " . و كانت هناك توقّعات عالية في سوق المال ( وول ستريت ) . العديد من سماسرة السوق، الذين لم يكونوا من المقربين من أوساط إعداد خطاب الرئيس، كانوا يراهنون على أن خطاب الرئيس أوباما سيساعد في استقرار سوق المال .

أمّا الذين ساهموا في أعداد مشروع الخطاب، فقد كانوا يدركون جيدا احتمالات الاهتزازات المالية الممكنة .

فبالمصادفة (!!)، استقال في نفس اليوم رئيس لجنة السندات و الكامبيو، كريستوفر كوكس، الذي عيّنه بوش عام 2005، ممّا قاد إلى فراغ حرج في مركز تنظيم القرارات المالية . أمّا التي يفترض أن تخلفه، ماري شابيرو، فلن تتسلّم الوظيفة إلاّ بعد الموافقة عليها في جلسات مجلس الشيوخ .

أولئك الذين كانت لديهم ـ مقدّما ـ معلومات عن نص خطاب أوباما، من الذين كانت لديهم القدرة على تحريك السوق في الوقت و المكان المناسبين، تصدّوا لكي يكسبوا أكبر قدر من حركة السوق و أسعار العملات .

السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل كانت التعاملات التي جرت، مخططة فيما يسبق خطاب الرئيس أوباما في 20 يناير ؟ .

أين ذهب كلّ هؤلاء الدائنون ؟

يقال أن أكبر المؤسسات المالية، تخوض في مياه مضطربة، مدينة لدائنين غير معروفين .. و منذ بداية المذبحة المالية، بقيت هوية هؤلاء الدائنين مجهولة ! .
لماذا أصبحت البنوك مدينة ؟، و لمن ؟، هل هي الضحية أم المستفيدة ؟ هل هي المدينة أم الدائنة ؟
لقد اعتادت البنوك الأكبر ـ على مدى السنين ـ أن تودع جانبا من فوائض أرباحها لدى العديد من التوكيلات المالية، و الصناديق السرّية، و الحسابات المسجّلة في ملاذات البنوك الاستوائية الخارجية، إلى آخر ذلك .
و بينما كانت تحويلات البلايين من الدولارات تتم إلكترونيا، من كيان اقتصادي إلى كيان آخر، لم تكن هويّة الدائنين يأتي ذكرها أبدا .
من هم الذين يجمعون هذه الديون متعددة البلايين، التي هي في الشق الأكبر منها نتاج عمليات التلاعب المالي ؟ .
الانهيار الذي حدث للبنوك، كان في الأغلب معروفا مقدّما . و هكذا قامت البنوك بتحويل غنائمها إلى مخابئ مالية آمنة .

أين تذهب أموال " الإنقاذ " ؟

تسلّمت البنوك الخاسرة مئات البلايين من دولارات "الإنقاذ" . فأين تذهب أموال الإنقاذ هذه ؟.. من الذي يستولي على البلايين العديدة من أموال المعونة الحكومية ؟
هذه العملية هي جانب من عمليات غير مسبوقة لتركيز الثروات الخاصّة .
الصحافة الاقتصادية تعترف بوجود مديونية البنوك البالغة عدّة بلايين من الدولارات .. لكنها لا تذكر كلمة واحدة عن هويّة الدائنين .
لكلّ مدين، يوجد دائن .
أليست هذه أموال التي تنسبها الصفوة المالية لنفسها ؟ .
أيا كان الذين يضعون أيديهم على هذه التريليونات، سيقومون بترتيب الأجزاء . و سيقومون بتحويل أوراق ثروتهم الضخمة، إلى أصول واقعية يضعون عليها أيديهم .
و في اليوم التالي لآمال و أحلام حفل التنصيب الرئاسي، سيكتشف أبناء الطبقة الوسطى الأمريكية، الذين استثمروا أموالهم في حسابات بنوك " آمنة "، أن جانبا من مدخرات أعمارهم قد جرت مصادرته مرّة ثانية

راجي عنايت
20 يناير 2009
ـــــــــــــــــــــ
بتصرّف عن مقالات
ميشيل تشوسودفسكي
على موقع جلوبال ريسيرش ( كندا )