الكتاب الأخير لفوكوياما
مآسي الصندوق و البنك الدوليين
لحظة صدق تنتاب فوكوياما
" هناك حدود خطيرة لقدرات القوى الخارجية في خلق الطلب على المؤسسات، و من ثمّ هناك حدود للقدرة على نقل المعرف القائمة حول إنشاء المؤسسـات و إصـلاحها، في الدول النامية .." . هذا هو ما يقوله فوكوياما في كتابه الأخير تحت عنوان " جعل الأمور أسوأ " . و يضيف قائلا أن هذه الحدود تفيد أنه على صندوق النقد الدولي، و هيئات المعونة الأجنبية، و منظمات المجتمع المدني على اتساعها أن تكون أكثر حرصا، بالنسبة للتوقعات العالية لمدى فعاليتها، على المدى البعيد، بالنسبة لقدراتها على البناء .
المجتمع الدولي
يخرّب الدول النامية
و يمضي فوكوياما إلى ما هو أبعد من هذا، عندما يقول " المشكلة في الحقيقة أكثر سوءا ..فالمجتمع الدولي لا يقف ـ ببساطة ـ عند حدوده في حجم القدرة على البناء، فهو في الحقيقة متواطئ في تخريب القدرة المؤسسية، في كثير من الدول النامية .." . و لو أنه يتدارك قائلا أن هذه القدرة على التخريب تتحقّق رغم أنف النيات الطيبة للمتبرعين، و هو نتيجة تناقض الأهداف، التي كان يجب على المعونة الدولية أن تقدّمها .
هذا التدهور في قدرات الدول النامية المعنية، حدث بالتحديد في مرحلة تصاعد تدفّق المعونات الخارجية، إلى حد أن أصبح أكثر من 10 % من إجمالي الدخل القومي في المنطقة بأكملها، يأتي من المساعدات الأجنبية، في أشكال مختلفة . و يضيف فوكوياما عن التناقضات في سياسات المتبرعين، هو أن الواهب الخارجي يريد أمرين : أن يرفع من قدرة الحكومة المحلية في توفير خدمات بعينها، مثل الري و الصحة العامة و التعليم الأوّلي، و يريد في نفس الوقت أن يضمن فعلا وصول هذه الخدمات إلى مستحقيها .
و هو يلخّص وجهة نظره قائلا " لا يمكن الوصول إلى حلّ لمشكلة تخريب قدرة البناء، إلاّ عندما تختار الجهات المانحة ـ بوضوح ـ أن هدفهم الأساسي هو بناء القدرات، و ليس تقديم الخدمات التي يفترض في هذه القدرات أن توفّرها .." .
لكنه يعود فيقول أن الحوافز التي لدى معظم المانحين، لن تسمح لهذا أن يتم ! . و يقول " هؤلاء الذين يوقّعون فواتير برامج المعونة، يريدون أن يشاهدوا أكبر قدر من المرضى و هم يتلقون العلاج، و لا يريدون لأموالهم أن تمضي إلى البيروقراطيين المحليين، حتّى لو كان هؤلاء البيروقراطيين هم الذين يجب عليهم أن يوفّروا خدمات الرعاية الصحية على المدى البعيد .." .
و يضيف فوكوياما أن المجتمع الدولي يعرف كيف يقدّم و يورّد الخدمات الحكومية، لكن الذي يعرفه بدرجة أقلّ كثيرا، هو كيفية خلق مؤسسات راسخة تعتمد على نفسها .
الرغبة الداخلية في الإصلاح
حقيقي أن الحكومات في الدول النامية، غالبا ما تزال كبيرة للغاية، ممتلئة فخرا و تباهيا في مدى اتساع نطاق و مدى الوظائف التي تسعى للتكفّل بها . غير أن الاحتياج الملحّ بالنسبة لمعظم الدول النامية، هو زيادة القوّة الأساسية لمؤسسات دولهم، للوفاء بالاحتياجات الأساسية التي لا يمكن لغير الحكومة أن توفّرها .
و يؤكـّد فوكوياما على أن المشكلة التي تواجه الجهود الخارجـية ( يقصد الأمريكـية ) عند تدخّلها لإصلاح أوضاع الدول النامية، هي " أنه لا تتوفّر لدينا الوسائل السياسية لتتوصّل إلى ذلك، نتيجة لعدم وجود الرغبة الداخلية الكافية للإصلاح .." .
و بالنسبة للدول التي توحي بالاقتراب جزئيا من الهدف المنشود، يقول " نحن نحتاج للتركيز بشكل أوثق على تلك الأبعاد من الحكم، التي يمكن تخضع للتصّرف أو ( البناء ) " . و هو يقصد بهذا التركيز على مكوّنات الإدارة العامة، و الصياغة المؤسسية.. " و نحن نحتاج أيضا إلى التركيز بصفة خاصّة على آليات نقل المعارف حول هذه المكوّنات، إلى الدول ذات المؤسسات الضعيفة .." .
و تنتاب فوكوياما لحظة صدق عندما يقول
" يجب على واضعي السياسات في حقل التنمية، على الأقل، أن يرددوا ما يقسم به الأطباء، مثل ( على ألاّ نلحق الأذى )، و ألاّ نطبّق من البرامج التي تقلل من قدر القدرة المؤسسية، أو نقضي عليها، تحت شعار بنائها .. " .
و إلى الرسالة التالية لنسمع ما يقوله فوكوياما عن الفساد السياسي و الإداري