الرئيس السوري بشار الأسد
لا يوحي بالخوف أو الثقة
يبدأ دانييل بايمان الحديث عن سوريا قائلا " النظام الذي يرأسه بشار الأسد يغلب أن يبقى في السلطة، لكن قبضته قد تصبح أقل إحكاما في السنوات القادمة .." . و هو يقارن الوضع بأيام حافظ الأسد الذي حكم سوريا بيد حديدية لما يقرب من 30 سنة، حتّى وفاته سنة 2000، محوّلا الدولة ذات القلاقل المزمنة إلى حصن من الاستقرار . وهو يتساءل قائلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان بشار، ضعيف الخبرة، سيكون قادرا على أن يحقق نفس الخليط .. الولاء من أتباعه، و الخوف بين منافسيه، بينما هو منهمك في إعادة بناء الاقتصاد بشكل ناجح .
فماذا يقول الكاتب عن أوجه الشبه بين الرجلين ؟
صعد حافظ الأسد إلى أفق الحياة السياسية ، بعد سنين من الخدمة العسكرية، و من خلال انقلاب عسكري عام 1966، أوصل مجتمعه العلوي للسلطة، ثم انفرد بالحكم بعد إقصاء المنافسين . أمّا بشار، فقد كانت خبرته في السياسة و الحكم ضعيفة عندما تسلّم السلطة . كان عمره في ذلك الوقت 28 سنة، و كان يعيش كطبيب عيون في لندن، عندما استدعي ليحكم سوريا .
و مع ذلك،يقول الكاتب أن هناك أوجه شبه عديدة بين الأب و الابن . فكلا منهما لا يسمح للعقيدة أن تعميه عن ضرورات سياسات السلطة . لقد عمل حافظ مع مسيحيي لبنان ضد القوميين العرب، و حاول زرع الفرقة في المعسكر الفلسطيني، و ساعد إيران ضد العراق خلال حرب الثماني سنوات .أمّا بشار فبعد تسلمه السلطة، أقام علاقات ودية مؤقتة مع العراق و الأردن، متفرّغا لدعم سلطته الداخلية.
و يستطرد بايمان قائلا أن حافظ كان بلا وازع في أغلب الأحيان، ينقلب على رفاق عمره، و يميت عشرات الآلاف من السوريين، من أجل أن يبقى في الحكم . بينما بشار، بخبرته القليلة، لا يوحي بالخوف، و لا الثقة ! . و قد عمد بشار إلى التركيز على الإصلاح الاقتصادي في أحاديثه، كما سمح لمنظمات حقوق الإنسان و المجتمع المدني بالعمل، في حدود . كذلك حاول تخفيف التوتر في بعض العلاقات الخارجية، كما حدث مع تركيا .
الموقف من الفلسطينيين
كان موقف حافظ الأسد من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مزيجا من الخيلاء و عدم الاحترام و الانتهازية . و بشكل عام، كان قليل التفكير في ياسر عرفات و الحركة الفلسطينية، لكنه كان مؤمنا بأن القضية الفلسطينية هي في مركز عدم الاستقرار في المنطقة . هذا، حرص على أن يقود الصراع الفلسطيني و يتحكّم فيه، محجّما أي تطرّف قد يضر بنظامه، و يحاول في نفس الوقت توجيه الصراع بحيث يقود إلى إضعاف إسرائيل و إفادة سوريا .
و يضيف الكاتب أن بشار واصل أساسا سبيل أبيه في مسألة مفاوضات السلام . و كما قال والـده من قبل، تكلّم عن " سلام الأقوياء "، قاصدا تنازلات سورية قليلة في مرتفعات الجولان . و عندما تواصلت الانتفاضة الثانية، سمح للعرب و الأصوليين المسلمين في سوريا و لبنان، و شجّعهم أحيانا، على الهجوم على إسرائيل، كما دعم هجمات حزب الله على إسرائيل، كوسيلة لإحداث ضغط دائم عليها .
من بشّار إلى آخرين
يقول الكتاب أن بشار لم يحدد من الذي يمكن أن يخلفه، لو حدث له شيء . و يؤكّد أن التهديد الأكثر واقعية من منافسين من داخل النخبة الحاكمة، و بصفة خاصّة " بارونات " العلويين . كما أن النظام الذي يمكن أن يحدث تغييرا عميقا في سوريا، سيكون تحت تأثير الإسلاميين .
" بارونات " العلويين : خلال سنوات حكمه، عمد حافظ الأسد إلى إنشاء نظام عائلي قبلي، تغطيه قشرة أيديولوجية سطحية . و قام ـ بطريقة منظمة ـ بوضع عناصر من مجتمعه العلوي في المواقع الريادية في الأمن و الجيش، يقودون كل أجهزة الدولة الحسّاسة . و تقول الدراسة أن هؤلاء " البارونات " يمكن أن يتحرّكوا ضد بشار لو أظهر عدم قدرة و سيطرة ، أو هدد إمساكهم بمفاتيح القوّة . كما أن هؤلاء " البارونات " يكون تركيزهم على ضمان سيطرة مجتمعهم، و بالطبع سيطرتهم الشخصية، أكثر من تمسّكهم بأي هدف سياسي .
يقول الكاتب انه من المحتمل أن يظهر قائد من بين هؤلاء البارونات، و يستولي على السلطة، و يفرض رؤيته الخاصة على سوريا، و على سياساتها، كما فعل حافظ الأسد .
الإسلاميون السوريون : إسلاميو سوريا ضعفاء، فقد استطاع النظام البعثي أن يخرّب الحركة، في أعقاب تحركاتها العنيفة من 77 إلى 1982 . اعتقال و سجون و تعذيب، بالإضافة إلى تدمير مدينة حماة، قاعدة الإخوان المسلمين، و موت آلاف المدنيين، كلّ هذا ترك الحركة بدون قيادة أو تنظيم فعّال داخل سوريا . يقول الكاتب أنّه إذا احتدمت الصراعات بين العلويين، و خاصّة إذا تسببت في انقسام داخل الجيش، فقد يزداد تأثير و نفوذ الإسلاميين . و استيلاؤهم على الحكم يعني ـ على حد قول الكاتب ـ تغيير شامل في التأثير السوري . و هو يعتقد أن رؤيتهم للسياسة الخارجية غير مقنعة أو ناضجة . و مثلهم مثل الإسلاميين في كل مكان، يتميّز الإخوان المسلمون في سوريا، بانتقاداتهم الشديدة لأي نوع من المفاوضات السلمية بين سوريا و بين الدولة الإسرائيلية .
ثوابت الجغرافيا السياسية السورية
يقول الكاتب أن من يمسك بالسلطة في سوريا يجب أن يعترف ببعض الحقائق المرّة حول وضعها السياسي :
· سوريا فقيرة، لقد حدث الركود تدريجيا، أثناء حكم حافظ الأسد، و لم تثمر جهود بشار غير الحماسية سوي القليل . و أي نظام جديد سيواجه قلة الموارد التي يمكن أن تغير الوضع .
· القدرة العسكرية السورية قليلة قياسا على جيرانها الأقوياء، تركيا و إسرائيل . فالقوات المسلحة كثيرة العدد، لكنها فقيرة التجهيز، قليلة التدريب . و العديد من الوحدات تركّز على ضمان الاستقرار الداخلي، و ليس مواجهة أعداء سوريا
· و يستنتج الكاتب استنتاجا ( تآمريا )، فيقول أن سوريا، نتيجة لما سـبق، يحتمل أن تعتمد على الأسلحة الكيميائية، و برامج الصواريخ، بما يشكّل تهديدا خطيرا لإسرائيل .
· ستحتفظ دمشق بروابطها مع التنظيمات الإرهابية، حتّى و لو لم تستخدمها، للاحتفاظ بوسيلة رخيصة و فعّالة في ضرب خصومها .
النتائج الضمنية
احتمال مساندة نخبة السلطة الحالية الرئيس بشار على المدى الطويل، يبقى احتمالا مفتوحا . فهو إذا تعثّر، قد يعزلونه أو يقلصون سلطاته، و يحولون البلاد من الديكتاتورية، إلى حكم الأقلية محتكرة المنافع .
· الجهود التي على الرئيس بشار أن يبذلها لإصلاح الاقتصاد السوري المتدهور، الضرورية لوقف تدهور قوة سوريا و نفوذها، هذه الجهود في حد ذاتها ستؤثر على استقرار النظام .
كذلك السماح بالحركة الحرّة للمواطنين، و بتبادل الآراء، يشكّل تهديدا مباشرا لسيطرة البعث على النشاط السياسي في سوريا .
طبقة التجار السوريين، و كانت دائما في القبضة القوية للسنّة، و الإصلاح البعثي للاقتصاد يتضمن تأكيد تحكّم الدولة، و دعم التصنيع كوسيلة للإقلال من نفوذ التجار السياسي . هذا بالإضافة إلى أن العديد من أفراد قاعدة القوّة لبشار من العلويين و السنيين، يعتمد ولاؤهم على الانفراد في الوصول إلى العقود الحكومية، و على الفساد، لتحقيق مكاسبهم .
تغيّر النظام في سوريا، سيكون تأثيره قويا في داخلها، أكثر من الخارج .
و رغم أن قيام حكومة أكثر تأثرا بالإسلاميين، ستكون أكثر عدوانية بالنسبة لإسرائيل، فهي الأخرى ستكون مقيّدة بالاقتصاد السوري الضعيف، و تضارب القوى المحلية .
***
و من الواضح أن هذه الاستخلاصات تتم من وجهة نظر المصالح الأمريكية . لهذا يختتم الكتاب حديثه عن سوريا بقوله أن وجود نظام أكثر عدوانية في دمشق، قد يجعل التعاون معه في موضوع مثل مقاومة الإرهاب أكثر صعوبة .. لكن بالنظر إلى ضعف العلاقات السورية الأمريكية بشكل عام، فإن تأثير هذا التحوّل سيكون ضعيفا ( على أمريكا طبعا ) .
بعد سوريا، ينتقل الكتاب ( التقرير ) إلى الحديث عن ظروف تغيير القيادة في مصر ..