الخميس، أبريل ١٧، ٢٠٠٨

أمريكا .. إسرائيل

الولايات المتحدة الأمريكية

... و السـؤال الصعـب

و الآن ..هل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تحقق شيئا من مشروع " قرن الشعوب الأوّل ، الذي أوردناه في الرسالة السابقة" ؟ .. هل هي حرّة في اتخاذ القرارات التي تتفق مع مصالحها الحقيقية .. أعني مصالح شعبها، على المدى البعيد ؟ .." .. هذا هو السؤال الصعب، بل الأصعب .
الشرط الكافي و اللازم لإصلاح ما أفسده النظام الحاكم الأمريكي، بعد أن نجحت إسرائيل في السيطرة على عقل القيادات الأمريكية، بالضغط، و التآمر، و بغسيل المخ المتواصل الذي لا ينجو منه أحدا، في أي ولاية من ولايات أمريكا .. الشرط اللازم و الكافي، هو أن تخرج الولايات المتحدة من ذلك الفخ المحكم الذي نصبته الصهيونية العالمية، من خلال خطتها الكبرى .
و أنا في هذا، لن أعتمد على مجرّد عاطفتي أو رأيي .. دعونا نسمع ما يقوله الأمريكيون الشرفاء في هذا الصدد ..

الخضوع الكامل لإسرائيل

" لم يكن ليقع 11سبتمبر، لو رفضت حكومة الولايات المتّحدة مساعدة إسـرائيل في إهانة و تخريب المجتمع الفلسطيني . قلّة هم من يعبرون عن هذا الاستخلاص علانية، لكن الكثيرون يعتبرونه الحقيقية . أعتقد أن الكارثة كان من الممكن منعها، لو أن أيّ من رؤساء الولايات المتحدة، خلال 35 سنة مضت، كانت لديه الشجاعة و الحكمة لكي يوقف كل المساعدات الأمريكية، إلى أن تنسحب إسرائيل من الأراضي العربية التي استولت عليها عام 1967، في الحرب العربية الإسرائيلية .." .
هذه الكلمات كتبها عضو الكونجرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري، بول فيندلي، الذي مثّل ولاية إلينويز لمدة 22 سنة، و مؤلّف كتاب " لقد واتتهم الجرأة لكي يتكلّموا .."، و هو في نفس الوقت أحد أمناء لجنة العلاقات الخارجية للتعليم في أمريكا . لقد كتب مقاله هذا في 15 سبتمبر، عقب أحداث 11 سبتمبر .
قد نتّفق معه، و قد نختلف، لكن ما يقوله يعتبر مؤشرا لتيار في الولايات المتحدة الأمريكية، يتمرّد على الخضـوع الكامل لإسـرائيل من جانب حكومات أمريكا الجمهورية و الديموقراطـية معا.. تيار لم يستطع اللوبي اليهودي، و لا " مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية " بكل نفوذها المعتمد على الصهيونية و الرجعية الأمريكية الجديدة و أموالها المسخّرة لإخفاء الوجه القبيح للممارسات الإسرائيلية، أن يوقفه .

كيف استدرجت أمريكا للفخّ ؟

يقول الكاتب أن الحكومة الأمريكية كانت في وقت سابق محبوبة في أنحاء العالم، لكنّها وجدت نفسها ملعونة في معظم الدول، من أهم أسـباب هذه الظاهرة، دعم أمريكا غير المشـروط لعدوان إسـرائيل، و ضربها الحائط بميثاق الأمم المتحدة، و القانون الدولي، و مبادئ جميع الأديان المعروفة . و هو يتساءل : كيف استدرج الشعب الأمريكي إلى هذا الفخّ ؟ .
بفضل التأثير الخانق للوبي الإسرائيلي في أمريكا، على مدى 35 سنة، اختفى الحوار الصريح حول الصراع العربي الإسرائيلي في حكوماتنا . و هو يقول " و لدي خبرة مباشرة بهذا الشأن، فقد كنت عضوا في لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس في يونيو 1967، عندما استولت إسرائيل على مرتفعات الجولان، و الضفّة الغربية و غزّة في فلسطين، و قد ظللت عضوا في هذه اللجنة 16 سنة، و ما زلت حتّى الآن على صلة بكل ما يدور في الكونجرس ".
و هو يستطرد " في كابيتول هيل ( الكونجرس الأمريكي )، انتقاد إسرائيل، حتّى في النقاشات الخاصّة، ممنوع تماما، و يعتبر نوعا من نقص الوطنية، و قد تصل التهمة إلى معاداة السامية ! . و قد تأكّد غياب الحديث الحر، عندما واجهت القلّة التي حاولت أن ترفع صوتها ـ من أمثال السيناتور أديلاي ستيفنسون، و شارلز بيرسي، و الأعضاء الجمهوريين بول ماكلوسكي، و سنثيا ماكيني، و إيرل هيليارد، و شخصي ـ هزيمة أكيدة على يد الأعضاء الزملاء في الكونجرس، الذين تموّل حملاتهم القوى الموالية لإسرائيل .

شارون .. رجل السلام !!

و يقول بول فيندلي أن هذا الانحياز أصبح باديا خارج أمريكا، حيث تحرص معظم وسائط الإعلام على تغطية الاعتداءات و ضروب العدوان الإسرائيلية، و تشجب بشكل عام إذعان أمريكا و عدم إدانتها لأي من هذه الممارسات المرفوضة .
عندما استقبل الرئيس بوش رئيس الوزراء آرييل شارون، الذي أطلق عليه لبعض الوقت لقب " سفاح بيروت "، مرحبا به و قائلا له " صديقي العزيز"، و " رجل السلام "، بعد أن استخدمت القوات الإسرائيلية الأسلحة التي وهبتها إياها أمريكا، في استكمال تخريبها للضفة الغربية في الربيع السابق .. عندما حدث هذا، انفجر غضب عالمي على السياسة الأمريكية، بالغا درجة الغليان .
و يعقّب فيندلي قائلا " هذا الغضب لا يجب أن يدهش أحدا، من الذين يقرأون الصحف الأجنبية، أو يستمعون إلى محطة الإذاعة البريطانية . ففي العديد من التصريحات التليفزيونية، قبل 11 سبتمبر بزمن طويل، قام أسـامة بن لادن، الذي اعتقدت السلطات الأمريكية أنّه مخطط 11 سبتمبر، بشـجب خضوع الولايات المتحدة لممارسات إسرائيل في تخريب المجتمع الفلسطيني، و اعتبر هذا تهمة أساسية.." . و العديد من الشخصيات الأجنبية قد أبدت معارضتها للسياسات الأمريكية بشكل متكرر و متواتر و حاد، غير مسبوق، بخاصّة منذ أن أعلن بوش عن تصميمه لدخول الحرب مع العراق ( نذكّر أن هذا المقال كتبه فيندلي في 15 سبتمبر 2002 ) .
و يقول أن تهديدات اللوبي الصهيوني و ضغوطة تظلّ سائدة ، هكذا يقول فيندلي. و يبدو أنّها تصل إلى جميع المراكز الحكومية، و حتّى إلى دور العبادة، و معاهد الدراسات العليا . و هي تبدو فعّالة إلى أبعد حدّ في إسكات العديد من اليهود، الذين يعترضون على تكتيكات اللوبي، و وحشية إسرائيل .
في إسرائيل، أم واشنطن ؟!

يستطرد فيندلي ..لا يستطيع أحد أن يقول بعدالة 11 سبتمبر . و هؤلاء الذين ارتكبوا هذا الجرم يستحقون العقوبة القصوى، لكن من المنطقي أن تسعى أمريكا بعناية إلى التعرّف على الدوافع . فالإرهاب ينبع أساسا، و دائما، من الشعور العميق بالمظالم . إذا أمكن إزالة هذه المظالم، و إيقاف أسبابها، فالأغلب أن تتلاشى المشاعر السيئة التي أثارتها .
و اليوم، بعد عام من أحداث 11سبتمر ـ يقول فيندلي ـ لم يحاول الرئيس بوش أي محاولة للتخفيف من تلك المظالم، أو للتعرّف عليها . و الحق، أنّه جعل المشهد أكثر سوءا بدعمه للحرب إسرائيل الدينية ضد الفلسطينيين، ممّا ضاعف الغضب على أمريكا . " لقد عانت أمريكا من 11 سبتمبر و نتائجها، وقد تجد نفسها قريبا في حرب مع العراق، يحدث هذا أساسا لأن السياسة الأمريكية، في الشرق الأوسط، توضع في إسرائيل و ليس في واشنطن .." . و يستطرد " إسرائيل دولة عابثة بالقوانين، و يجب أن تعامل على هذا الأساس . و بدلا من مساعدة شارون على تعميق معاناة الشعب الفلسطيني، على رئيسنا أن يعلّق جميع مساعدتنا لإسرائيل إلى حين أن تنهي احتلالها للأراضي العربية .." .

اللوبي الصهيوني و حرب العراق

رغم التحذيرات العديدة التي تلقاها بوش من الأجهزة الأمريكية، فقد غابت عنه القدرة على رؤية الأمور بوضوح، نتيجة الضغوط التي مارسها عليه اللوبي الصهيوني، و التي جاءت منسجمة مع المخطط العدواني، الذي رسمته الرجعية الجديدة، قبل وصول بوش إلى الرئاسة . و هكذا تجاهلت إدارة بوش مخاطر الإرهاب قبل 11 سبتمبر، منشغلة بفكرة مسيطرة، و قديمة، لغزو العراق .
لقد ظهر هذا بوضوح، عندما اتّهم ريتشارد كلارك المستشار الأمني السابق للبيت الأبيض، إدارة جورج بوش بعدم الاهتمام ـ بشكل كاف ـ بمخاطر الإرهاب قبل هجمات 11 سبتمبر 2001 . تجيء أهمية هذا التصريح من أن كلارك كان رئيسا لفريق مكافحة الإرهاب في أربع إدارات أمريكية، بدءا من إدارة رونالد ريجان، و حتّى إدارة جورج بوش الحالية، إلى أن استقال منذ عام، بعد أن حاول جاهدا أن يلفت نظر الرئيس جورج بوش إلى مخاطر الإرهاب قبل هجمات 11 سبتمبر، دون أن يحقّق نجاحا معه أو مع من يعملون معه، نتيجة الغرق في جنون غزو العراق .

الحكومة الأمريكية خذلت الضحايا
و هذا هو ما قاله كلارك في كتابه الذي أصدره مؤخّرا، و الذي قال فيه أن " رئيس الولايات المتحدة قوّض إلى حدّ كبير جهود الحرب على الإرهاب، بشن الحرب على العراق .."، و في شهادة كلارك أمام لجنة الكونجرس التي تشكّلت للبحث في أسباب وقوع الهجمات، بدأ بالاعتذار إلى قرابة 3000 فرد لقوا حتفهم في هجمات 11 سبتمبر2001، قائلا أن الحكومة الأمريكية قد خذلتهم ! . و شرح كلارك كيف حاول بوش، بطرف خفي، أن يحصل من كلارك في ثلاثة لقاءات بالبيت الأبيض على ما يفيد وجود صلة بين العراق و بين الهجوم على مركز التجارة العالمي و البنتاجون .
لقد حاول بوش، و حاولت إدارته، تلطيخ سمعة كلارك، ثم اتهامه بالعمل لحساب المرشح الديموقراطي كيري، لكن إجماع الشخصيات الجادة في الحزب الجمهوري و الديموقراطي على جدّية كلارك و أمانته، و شجاعته في الحق التي تجلّت في أكثر من مناسبة .. كل هذا أفشل محاولات بوش، و أفقده الكثير من التأييد الشعبي الذي كان يتمتّع به بعد هجمات 11 سبتمبر

و إلى الرسالة القادمة، عنما قال شارون لبيريز غاضبا : نحن الشعب اليهودي نسيطر على أمريكا ! .. و هم يعرفون ذلك

ليست هناك تعليقات: