الولايات المتّحدة الأمريكية ...
هل تفقد ســيطرتها العالمية
قبل 2020 ؟
من هو أول سياسي ستكون لديه الشجاعة الكافية ليعلن على الملأ أن الولايات المتحدة عبارة عن قوّة تفقد قدراتها، و أن على قادة أمريكا أن يسارعوا إلى مناقشة ما الذي يجب فعله في مواجهة ذلك ؟ جاء ذلك الإعلان من المجلس القومي للاستخبارات، " مركز التفكير الاستراتيجي "، داخل مجتمع مخابرات الولايات المتحدة، من واقع التقرير الحديث المكوّن من 119 صفحة، المعروف باسم " مشروع 2020 " .
و قد لفت هذا التقرير انتباه، بل أثار اندهاش، العديد من الكتّاب السياسيين، و وسائل الإعلام الأمريكية، بعد الاطلاع على التقرير في موقع " المخابرات المركزية الأمريكية " على شبكة الإنترنيت .. أتيح لي أن أطلع على بعض تعليقات وسائل الإعلام الأمريكية حول ذلك التقرير الهام، في ( واشنطن بوست )، و ( يو إس توداي )، ( سيياتيل تايم )، و ( سليت ) التي قال كاتبها فريد كابلان معلّقا: لقد حظي هذا التقرير بانتباه متواضع من الصحافة على مدى الأسبوعين الماضيين، بالنسبة لما يتنبّأ به .. من أنه في عام 2020 سيظل ( الإسلام السياسي ) حاضرا ( كقوّة فعّالة ) .. لم تنتبه إلى الاستخلاصات الأساسية لذلك التقرير سوى قلّة من المقالات و الأعمدة : مثل احتمال بزوغ الصين و الهند .. كلاعبين عالميين كبيرين جديدين .. ممّا سيغير الخريطة الجغرافية السياسية
الأمن الإقليمي للصين
في هذا العالم الذي يبعد عنّا بأقلّ من 13 سنة ـ يقول التقرير ـ ستعمل القوى القادمة الجديدة، التي لن تقتصر على الصين و الهند، بل ربّما البرازيل و أندونيسيا، ودول أخري .. ستعمل على تسريع التآكل في القوّة الأمريكية باتباع "استراتيجيات مرسومة لاستبعاد أو عزل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إرغامنا أو إغراءنا بالعمل وفقا لقواعدهم" .. هذا هو بعض ما جاء في تقرير مجلس المخابرات القومي .
و يقول كابلان أن السياسة الخارجية الأمريكية تشجّع ذلك التوجّه، و كما يقول التقرير " انشغال الولايات المتحدة بحربها على الإرهاب، يتناقض إلى حد بعيد مع مقتضيات الأمن في معظم آسيا " . و التقرير لا ينكر أهمية الحرب على الإرهاب . بل يقول أن " السؤال المحوري " بالنسبة لمستقبل قوّة أمريكا و نفوذها، هو ما إذا كان في مقدور صناع السياسات بها " أن يقدّموا للدول الآسيوية رؤية مقبولة للأمن الإقليمي، و نظاما ينافس ـ و ربما يتفوّق على ـ ذلك الذي تقدمه الصين ؟ " . إن كانت الإجابة بالنفي، " فالولايات المتحـدة تكون قد انفصلت عن ما هو في مصلحة الولايات المتحدة .. و الحلفاء الآسـيويين الحاليين، سيتزايد احتمال التحاقهم بالقطار الصيني، ممّا يتيح للصين أن تخلق أمنها الإقليمي، بعيدا عن الولايات المتحدة " .
و قد يصل الأمر بالنسبة لهذه القوى الجديدة أن تبحث عن آخرين تحاكيهم، و في هذا قد يتطلعون إلى الاتحاد الأوروبي، و ليس الولايات المتحدة، كنموذج للحكم العالمي و الإقليمي .
يقول تقرير رؤية 2020 " هذا التحوّل إلى العالم متعدد الأقطاب، لن يكون بلا آلام .. و سيضرب الطبقات المتوسطة في الدول المتطورة، بصفة خاصّة "، مع المزيد من تراجع في الوظائف و فرص العمل، و تناقص في تدفق استثمارات رؤوس الأموال . باختصار، يتنبّأ المجلس القومي للمخابرات بأن هذا الوضع لن يتضمّن فقط مجرّد إعادة تقييم لتوازن القوى العالمية، و لكن أيضا ـ بالإضافة إلى ما تفعله عملية إعادة التقييم هذه ـ خسارة في الثروات، و الدخول، و بكل المفاهيم، بأمن العالم
و يعلّق فريد كابلان على ذلك قائلا " هذه المؤشرات يجب أن تكون قد أصبحت واضحة لكل من يقرأ الصحف . لا يمر يوم، دون قصة جديدة حول الكيفية التي نرهن بها مستقبلنا، للبنك المركزي الصيني أو الياباني .." . فالعجز في ميزانية الولايات المتحدة يقترب من نصف تريليون دولار، يجري تمويله عن طريق شرائهم سندات الخزانة . و العجز التجاري للولايات المتحدة ـ و معظمه يرجع إلى شراء السلع المصنوعة في الصين ـ يتجاوز الآن 3 تريليون دولار
الدولار في خطر
و في أثناء هذاـ يقول كابلان ـ تحل الصين محل الولايات المتحدة في جميع أنحاء آسيا .. في التجارة، و الاستثمار، و التعليم، و الثقافة، و السياحة . و هي تقتحم أيضا سوق التجارة في أمريكا اللاتينية ( الصين الآن هي الأولى في سوق التصدير بالنسبة لشيلي، و الثانية في سوق التجارة البرازيلي) . طلبة الهندسة الآسيويين، الذين كانوا يتجهون تقليديا إلى الجامعات الأمريكية، أصبحوا يلتحقون بجامعات بكين .
و في الوقت الذي يصبح فيه الاتحاد الأوروبي كيانا مترابطا، انخفضت قيمة الدولار بمقدار الثلث أمام اليورو في السنتين الأخيرتين، و ما زال الانخفاض مستمرا . و مع انخفاض سعر الفائدة بالنسبة للدولار، بدأ المستثمرون في سوق العملة، بما في ذلك الذين كانوا يموّلون العجز الأمريكي، في تنويع ممتلكاتهم
في الصين، و اليابان، و روسيا، و الشرق الأوسط، بدأت البنوك المركزية في التخفّف من الدولار، لحساب اليورو . و سياسات بوش التي ضاعفت ديننا، جعلت وضع الدولار خطرا، بالنسبة لاعتباره عملة الاحتياطي العالمي
ماء بارد على أحلام بوش
يتساءل الكاتب فريد كابلان " ما الذي فعلته إدارة بوش، لتغيير المسار، أو على الأقل لتتقي اللطمة ؟ " .. لقد أصدر المجلس القومي للاستخبارات التقرير قبل عدّة أسابيع من الخطاب الافتتاحي لولاية بوش الثانية، لكنه ساعد في صبّ المزيـد من المياه الباردة على الخـيال الناعم لأمريكا، بكونها تقدم الحـرية للشـعوب المقهورة في كل مكان ! .. بالنسبة لآسيا يقول التقرير أن " القادة، الحاليين و المستقبليين، ينتمون إلى اللاأدرية بالنسبة لموضوع الديموقراطية، و يبدون اهتماما أكبر بتطوير ما هو محسوس بين أيديهم، باعتباره أكثر نماذج الحكم فعالية .." .
و يعلّق كابلان على هذا قائلا : إذا كان الرئيس يريد حقيقة أن ينشر الحرية و الديموقراطية في أنحاء كوكبنا، فسيحتاج ـ بالإضافة إلى أشياء أخرى ـ إلى أن يقدّم أمـريكا باعتبارها ذلك ( النموذج للديموقراطية )، لكي يظهر للعالم، عن طريق هذا النموذج من الديموقراطية، أن الديموقراطيات الحرّة تكون ناجحة، و تستحق الأخذ بها . غير أن تقرير مجلس الاستخبارات القومي يرسم عالما يصبح فيه الذين ينظرون إلى أمريكا كنموذج لأي شيْ، يصبحون أقل فأقل .. لا يمكننا أن نبيع الحرية، إذا لم نكن قادرين على أن نبيع أنفسنا
أرض جديدة لتفريخ الإرهاب
في جريدة واشنطن بوست، كتبت دانا بريست عن مشروع 2020، قائلة " لقد حلّت العراق محل أفغانستان، باعتبارها أرضا لتدريب الجيل الجديد التالي من الإرهابيين ( المتخصّصين )، وفقا لما جاء في التقرير الذي صدر عن مجلس الاستخبارات القومي، الذي يعتبر هيئة التفكير لمديري المخابرات المركزية الأمريكية " .. و في هذا يقول دافيد لاو، مسئول التهديدات عبر الدولية في الجهاز " أن العراق يوفّر للإرهابيين أرضا للتدريب و التجنيد، و فرصة لتنمية المهارات التقنية .. و على مدى الوقت، و في ظل أفضل السيناريوهات، هنا أيضا احتمال أن بعض المجاهدين الذين لم يقتلوا في العراق حاليا، سيمضون إلى بيوتهم، أيا كان موقع تلك البيوت، لكي ينتشروا بعد ذلك في دول أخرى .." . و قال هذا المسئول أن التقرير الذي استغرق العمل فيه عاما كاملا، و جرت فيه الاستعانة بالتحليلات التي قام بها ألف خبير أمريكي و أجنبي . و يتضمن التقرير تقييما لدور العراق الجديد كأرض تفريخ للإرهابيين الإسلاميين .
كما يقول رئيس المجلس روبيرت هاتشينجز، أن العراق " أصبح مغناطيسـا للنشاطات الإرهابـية العالمية " .
و تقول دانا بريست، في واشنطن بوست، نقلا عن التقرير، أنّه عندما نصل إلى عام 2020، ستنجب القاعدة جماعات أخرى من المتطرفين المسلمين، و التي ستندمج مع الحركات الانفصالية المحلية، الأمر الذي يجمع خبراء الإرهاب على أنه يحدث فعلا الآن . و يقول تقرير مجلس الاستخبارات القومي، أن هذا النوع من الحركات اللامركزية، دائمة التوالد و التشكّل، يصبح كشفه و التغلب عليه أكثر صعوبة .
و يشير التقرير إلى سهولة اتصال التنظيمات الإرهابية من خلال الإنترنيت، بحيث تصبح على حد تعبير التقرير " سلسلة انتقائية من الجماعات، و الخلايا، و الأفراد، التي لا تحتاج إلى قيادة ثابتة .." .
هذا هو مستقبل أمريكا مع الإرهاب، كما يرسمه أكبر تجمّع استخبارات أمريكي ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق